بعد شهر من رئاسة بايدن.. كيف تعاملت القاهرة مع المطالب الحقوقية الأميركية؟

كومبو عبدالفتاح السيسي جو بايدن
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي (يمين) والرئيس الأميركي جو بايدن (وكالات)

حذر وترقب، ربما تكون هذه هي أبرز سمات الموقف المصري في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية بعد الشهر الأول للرئيس الجديد جو بايدن، فبعدما هدأت عواصف الإعلام في القاهرة تعليقا على قدوم الرئيس الجديد ورحيل سلفه دونالد ترامب، تتلمس القاهرة الآن خطاها في رسم حدود العلاقة مع إدارة أميركية انتقلت مع التصريحات الانتخابية إلى الواقعية السياسية.

في الوقت الذي تبدي فيه إدارة بادين مخاوفها بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر، تعلن الخارجية الأميركية عن صفقة أسلحة بقيمة نحو 200 مليون دولار للنظام المصري في أول صفقة بيع أسلحة لدول الشرق الأوسط، مما يثير التساؤلات عن جدية واشنطن في وضع سياسة جديدة مع القاهرة.

وتقول وزارة الخارجية الأميركية إن موافقتها على مبيعات الأسلحة للقاهرة، لا تعوق من قدرة واشنطن على مواصلة التركيز على سجل حقوق الإنسان، كما قالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية (دسكا) إن صفقة الأسلحة تساند السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدة عن طريق تحسين أمن مصر.

وتعليقا على اتصال هاتفي جمعه مع نظيره المصري سامح شكري، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن على تويتر "تحدثت اليوم مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، مصالحنا الأمنية المشتركة يجب أن تتماشى مع احترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن ضمنها مجتمع مدني قوي".

استمرار سياسة القمع

ولم يمنع الإعلان عن صفقة الأسلحة السلطات المصرية من إلقاء القبض على أقرباء الناشط المصري الأميركي محمد سلطان في مصر.

وعلق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس على أنباء الاعتقالات، بالقول "لن نتسامح مع الاعتداءات أو التهديدات من قبل الحكومات الأجنبية ضد المواطنين الأميركيين أو أفراد أسرهم، مثل هذا السلوك يتعارض مع قيمنا ومصالحنا، ويقوض إلى حد كبير شراكاتنا الثنائية حول العالم".

وأضاف برايس أن صفقة الأسلحة لمصر هي مجرد "عملية تجديد روتينية للأسلحة الدفاعية، لا تمنعنا بأي حال من الاستمرار في دعم تركيزنا على الديمقراطية وحقوق الإنسان".

ولم يقتصر الأمر على أقرباء سلطان، بحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش صدر في 19 فبراير/شباط الجاري، حيث اعتقلت السلطات المصرية مؤخرا أفرادا من عائلات 4 معارضين يعيشون في الولايات المتحدة وتركيا وألمانيا والمملكة المتحدة.

وخلال الشهر الأخير، اعتقلت السلطات المصرية الباحث أحمد سمير الذي يدرس في جامعة أوروبا المركزية بالنمسا، ووجهت له تُهَم الانضمام لجماعة إرهابية مع علمه بأغراضها، وتعمد نشر أخبار وبيانات كاذبة.

ومنذ الإعلان عن فوز بايدن بمنصب الرئيس، لم تبد الحكومة المصرية إلا خطوات بطيئة في الإفراج عن المعتقلين، كان أبرزهم صحفي قناة الجزيرة محمود حسين، الذي جاء الإفراج عنه وفق إجراءات احترازية وبعد 4 سنوات من الحبس الاحتياطي دون محاكمة.

وفي مقاله بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، يرى الكاتب ديفيد إغناطيوس أن إدارة بايدن تكافح من أجل التوفيق بين حقيقتين لا مفر منهما تجاه مصر، أولهما أن مصر صديق وحليف مهم لأميركا، والثاني أن لديها حكومة قمعية تنتهك حقوق الإنسان الأساسية.

تحسين الصورة

في سياق متصل، تحدثت تقارير إخبارية عن تعاقد السفير المصري في واشنطن مع شركة أميركية للعلاقات العامة (لوبي) لتحسين صورة الحكومة المصرية لدى الإدارة الأميركية الجديدة، وذلك عقب إعلان خسارة ترامب مباشرة، وتضم الشركة نوابا أميركيين ومسؤولين سابقين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتكلف القاهرة شهريا 65 ألف دولار.

وتأتي محاولات التجميل قلقا من ضغوط متوقعة من إدارة بايدن على القاهرة، بالنظر إلى مواقف مزعجة سابقة للرئيس الجديد وفريقه بشأن ملف حقوق الإنسان.

وفي سابقة نادرة، قد يراها البعض تلميحا بتغير سياسة القاهرة تجاه المعارضة، تحدث الرئيس المصري عن قبوله لمعارضة مشروطة وفق رؤيته الخاصة خلال افتتاحه لبعض المشروعات بمحافظة الإسماعيلية في فبراير/شباط الجاري.

وطالب السيسي بأن يكون المعارض فاهما ودارسا لما يقوله، وأن الهدف ليس المعارضة من أجل المعارضة فقط، ولا بد أن يكون التعبير عن الرأي يهدف لتحسين أحوال الناس وحياتهم.

هل تغير القاهرة سياستها؟

ولا يتوقع المحامي المتحدث السابق باسم لجنة الحريات بنقابة المحامين أسعد هيكل، أن يحدث تغيير كبير في سياسة مصر، حيث قال في تصريحات سابقة لقناة الجزيرة، إن القاهرة تنتظر موقف إدارة بايدن من جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي تحدد موقفها من واشنطن، مضيفا أنه لا يعتقد أن ترضخ القاهرة لواشنطن كما لم ترضخ من قبل لإدارة أوباما، بحسب وصفه.

في المقابل، أكد الكاتب الصحفي جمال سلطان، أن السيسي كان يحظى بدعم ترامب على مدار 4 سنوات، مما شجّع على زيادة كبيرة في انتهاكات حقوق الإنسان في مصر لم تحدث في أي عهد رئيس من قبل.

وفي حديثه لقناة الجزيرة، أوضح جمال سلطان أن حجم انتهاكات حقوق الإنسان في مصر كبير بشكل لا يمكن أن يتجاهله بايدن، مما يمثل ضغطا سياسيا وأخلاقيا على إدارته في تعاطيها مع القاهرة.

بدوره، يقول الكاتب الأكاديمي المصري المقيم في أميركا عز الدين شكري فشير، إن كان الخوف والسلطة يعميان القادة العسكريين في مصر، فإن رؤية من يدعمونهم ينبغي أن تكون أوضح.

وفي مقال بصحيفة واشنطن بوست الأميركية، قال فشير "هل من المبالغة أن ننتظر من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والإمارات -وهي الدول التي تزود العسكريين في مصر بالمال والسلاح والدعم السياسي- أن تقدم لهم شيئا من النصيحة أيضا؟!".

المصدر : الجزيرة