الأبناء مكان الآباء المتوفين في برلمان مصر…توريث أم تصعيد قانوني؟

توفي النائب اللواء سعد الجمال قبل أيام فحلت ابنته أسماء بدلا منه في عضوية مجلس النواب

القوائم المغلقة جعلت من تصعيد الاحتياطيين في المقاعد التي خلت بالوفاة أمراً قانون
القوائم المغلقة جعلت من تصعيد الاحتياطيين في المقاعد التي خلت بالوفاة قانونيا (الجزيرة)

لا تزال بعض العائلات في ريف الصعيد والدلتا بمصر ترى أن "البنت لا ترث والدها، حتى لا تخرج ثروة العائلة لأيدي أغراب عنها" لكن الأمر يبدو مختلفا على الصعيد السياسي، فالبنات اللائي يمكن أن يكن محرومات من ميراث آبائهن المادي يرثن مقاعد آبائهن الشاغرة في البرلمان بعد وفاتهم.

هذه الظاهرة اللافتة تكررت في البرلمان الحالي خلال الشهرين الحالي والماضي، حيث توفى عضوان بالمجلس فورثت بنتاهما مقعديهما الشاغرين.

وجرى أوائل الأسبوع الحالي تصعيد أسماء ابنة النائب سعد الجمال عن قطاع شمال الصعيد عقب وفاته، مثلما جرى مع فوزي فتى النائب عن القائمة الوطنية بدائرة الدقهلية شمالاً الذي توفى قبل بدء انعقاد مجلس النواب الجديد لتحل محله ابنته آية.

وتوفي الجمال يوم الجمعة الماضي عن عمر ناهز 75 عاما، علما بأنه كان يحمل رتبة لواء بالشرطة عندما تقاعد عام 1997، ثم اتجه إلى العمل السياسي والبرلماني.

جدل التوريث وقانونية التصعيد

وأثارت هاتان الواقعتان جدلا بين رواد منصات التواصل الاجتماعي باعتباره أمراً خارج المألوف في الأعراف البرلمانية، واعتبر مغردون أن الأمر شكل من أشكال التوريث الذي قامت ضده ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وخلعت الرئيس الراحل حسني مبارك الذي كان من بين الانتقادات الموجهة إليه ما تردد عن رغبته في توريث السلطة لابنه جمال.

وقال منتقدو هذا "التصعيد" إن أعضاء الحزب الوطني الذي قامت الثورة بحله ـوهم النسبة الغالبة من أعضاء القائمة الوطنية التي فازت بغالبية مقاعد البرلمان- نجحوا فيما فشل فيه رئيس الحزب مبارك، وورّثوا أبناءهم مقاعدهم.

وتحدث للجزيرة نت صحفي مختص بشؤون البرلمان ـرفض ذكر اسمه- مؤكداً أن ما جرى من تصعيد البنتين مكان الأبوين في مقعديهما الشاغرين بالوفاة أمر يتفق مع القانون، إذ تنص المادة "25" من قانون مجلس النواب على أنه "إذا خلا مقعد أحد الأعضاء المنتخبين بنظام القوائم حل محله أحد المرشحين الاحتياطيين وفق ترتيب الأسماء الاحتياطية من ذات صفة من خلا مكانه ليكمل العدد المقرر".

كما تنص المادة على أنه "إذا كان مكان الاحتياطي من ذات الصفة خاليا، يصعد أي من الاحتياطيين وفق أسبقية الترتيب أيا كانت صفته، وفي جميع الأحوال يجب أن يتم شغل المقعد الشاغر خلال 60 يوما على الأكثر من تاريخ تقرير مجلس النواب خلو المكان، وتكون مدة العضو الجديد استكمالا لمدة عضوية سلفه".

 

القوائم المغلقة والمبالغ الكبيرة

ولفت البرلماني السابق أسامة سليمان إلى أن هذا الأمر سبق أن حدث عام 2015 في محافظة الدقهلية، موضحاً أن الأمر سليم من الوجهة القانونية، حيث يكون الناخب على علم بأسماء المرشحين الأساسيين والاحتياطيين في القائمة، وضمنياً فإن الناخب اختار أيضاً من جرى تصعيده خلفاً للمتوفى.

وتابع سليمان بحديثه للجزيرة نت أن المسألة الأساسية هنا تتعلق بوعي الناخب الذي يصوت للقائمة كلها، وهو يرى أن الابن -أو الابنة- موضوع احتياطياً للأب دون خبرة برلمانية أو سياسية، وعلى الناخب أن يقرر ساعتها عدم منح صوته للقائمة كلها، وهو ما يدفع واضعي القوائم عندئذ إلى تجنب خسارة القائمة بالحرص على وضع أسماء ذات خبرات سياسية أو برلمانية مناسبة.

وأعرب الناشر هشام قاسم عن دهشته من اختيار النائب الراحل لابنته لتكون احتياطية له، لافتاً إلى أن ذلك "قليل من كثير" فهناك العديد من أقارب الأعضاء يشغلون مقاعد الاحتياطي، والسبب وراء هذا الترتيب غير واضح برأيه، متسائلاً: هل جاء ذلك بسبب التبرعات التي سددوها لنيل الترشيح، فأصبح مقعد البرلمان "ملكية عائلية"؟ بتعبيره.

وتابع قاسم متسائلا "هل كانت هناك درجات مختلفة من الترشيحات، مثلا ترشيح عادي وترشيح توريثي؟ وما هو الفارق في السعر بينهما؟" مؤكداً أنه "لا أحد يعلم الآن، مثلما لا يعلم أحد أين ذهبت أموال التبرعات، هل استخدمت كلها أو جزء منها في الحملات الانتخابية، أم دخلت صندوقاً خاصاً، أم أننا أمام قضية فساد من العيار الثقيل، من تلك التي أصبحت تتكرر دون حسيب أو رقيب، بعد أن تم تكميم الإعلام بالتوازي".

وتحدثت تقارير صحفية عن قيام عدد من مرشحي القائمة الوطنية بدفع مبالغ ضخمة بلغت في بعض التقديرات 30 مليون جنيه (نحو مليوني دولار) من أجل ضمان الالتحاق بـ "القائمة الوطنية من أجل مصر" المرشحة للبرلمان والمشكلة من عدد من الأحزاب المقربة من السلطة وعلى رأسها حزب "مستقبل وطن" ضمانا لعضوية البرلمان عبر القائمة المدعومة من السلطة، وهو ما حدث بالفعل.

والأكيد (كما قال قاسم في منشور له بفيسبوك) هو وقوع المزيد من "الصدمات والفضائح من أشكال وألوان مختلفة، وكما تتضح العينة، تقع كل يوم مأساة أو ملهاة جديدة، والفشل المتوقع له أضعاف الذي سبقه".

وأشار قاسم إلى أن هذا "التلاعب" إهانة لدولة عرفت أول برلمان عام ١٨٦٦ أو ما يزيد الآن على قرن ونصف القرن، ووضعت دستورها الأول عام ١٨٨٢، أي أنها اختارت السياسة لكي تكون في مصاف الدول حضاريا، ولكن بدلا من ذلك "غرقت في هذا الغثاء".

وأكد أن "هذا العبث لن يمر من دون حساب، والدولة التي كانت رائدة في يوم ما، قادرة على تصحيح مسارها ووضع حد لهذا الانحراف المؤسف والردة الحضارية".

 

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي