دخلت منعطفا متعرجا.. 4 قضايا تحدد بوصلة علاقات إدارة بايدن بتركيا

U.S. Vice President Joe Biden attends a bilateral meeting with Turkish President Tayyip Erdogan in Washington
أردوغان (يمين) مع بايدن أثناء لقاء جمعهما في البيت الأبيض في مارس/آذار 2016 (رويترز)

بسرعة غير متوقعة، انزلقت العلاقات التركية الأميركية إلى منعطف متعرج على الرغم من رغبة الطرفين في البحث عن سبل للحفاظ على المصالح الواسعة والمتشابكة بينهما.

وبعد أقل من أسبوعين على تنصيب الرئيس جو بايدن تبادل الطرفان الانتقادات العلنية والبيانات السلبية.

وبلغ الأمر أن اتّهم وزير الداخلية التركي -سليمان صويلو- واشنطن بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، التي ألقت أنقرة اللوم بشأنها على الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة، فتح الله غولن.

وردّت وزارة الخارجية الأميركية في بيان أكد أنه ليس لها علاقة بالمحاولة الفاشلة، وأضاف البيان أن "هذه التصريحات وغيرها من الادّعاءات التي لا أساس لها وغير المسؤولة تتعارض مع وضع تركيا بوصفها حليفا في الناتو وشريكا إستراتيجيا للولايات المتحدة".

ويأتي ذلك وسط اعتراف أميركي بأن تركيا تحتل دورا رئيسا في حلف شمال الأطلسي، وتمثل شريكا حاسما للجهود الأميركية في العراق وسوريا.

إستراتيجية واشنطن

ومع وصول بايدن إلى البيت الأبيض، توقع عدد من خبراء السياسة الخارجية الأميركية أن تكون تركيا أحد أكثر الملفات صعوبة أمام فريق عمل الرئيس الجديد.

وأثناء جلسة تثبيته في مجلس الشيوخ، أشار وزير الخارجية -أنتوني بلينكن- إلى إمكانية فرض مزيد من العقوبات على تركيا لشرائها أنظمة الدفاع الجوي "إس-400" (S-400) من روسيا.

وكانت واشنطن قد فرضت عقوبات على تركيا في 14 ديسمبر/كانون الأول، وهو ما ضاعف من تعقيد العلاقات المتوترة بالفعل بين البلدين.

ولم ينجح الحديث الطويل والمفصّل عن القضايا العالقة بين الدولتين بين مستشاري الأمن القومي التركي والأميركي قبل أيام في تهدئة نبرة التوتر الواضحة في علاقات الدولتين.

من جانبه استبعد مايكل روبين، المسؤول السابق بوزارة الدفاع والباحث حاليا في "معهد أميركان أنتربرايز (American Enterprise Institute)، أن يكون لدى إدارة بايدن "إستراتيجية واضحة تجاه تركيا في هذا الوقت المبكر من الحكم"، لكنّه اشار إلى أن "بايدن وكبار معاونيه لديهم شكوك في الرئيس التركي رجب أردوغان وتعهداته".

ورأى هاورد أيزنشتات الخبير في الشؤون التركية بمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط أن "إدارة بايدن تحاول جعل سياستها تجاه تركيا تبتعد عن الشخصنة التي عرفتها أثناء حكم الرئيس دونالد ترامب"، وأنها تعمل على "إعادتها إلى مسارها المؤسسي الذي يحكم عادة علاقاتها الدبلوماسية المهمة".

وفي حديث مع الجزيرة نت أشار أيزنشتات إلى أنه "في الوقت نفسه، تدرك إدارة بايدن تمام الإدراك أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا لا تسير على ما يرام؛ فهم ليسوا متفائلين بشأن إعادة ضبطها، هم يأملون التعاون في قضايا محددة، ويعرفون أنه ينبغي وضع خطوط واضحة في القضايا التي ستتشدد فيها واشنطن تجاه تركيا".

President Biden signs executive orders on immigration reform inside the Oval Office at the White House in Washington
إدارة بايدن تدرك أن العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا لا تسير على ما يرام (رويترز)

حقوق الإنسان

وأوضح روبين أن قضية حقوق الانسان في تركيا "ستكون إحدى القضايا التي ستتناولها إدارة بايدن، لكنها ليست إلا مشكلة واحدة بين كثير من المشكلات؛ فالديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء يتفقون على مجمل التحديات الهائلة في علاقات الدولتين".

ولم يستبعد أيزنشتات أن تستدعي إدارة بايدن قضايا الحريات وحقوق الإنسان في تركيا، لكنه يرى أنها "ستكون متضمَّنة في الخطاب السياسي والتصريحات الصادرة من واشنطن"، ولا يعتقد أن "حقوق الإنسان ستكون قضية مهمة في صميم العلاقة؛ فسجل تركيا في مجال حقوق الإنسان يفاقم التوترات، لكنه ليس سببا أساسيا في الخلافات بين الدولتين".

A view shows a new S-400
منظومة الصورايخ الروسية إس-400 (رويترز)

بوصلة العلاقات

ورأت دراسة صدرت أخيرا عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس، وهي الجهة البحثية التي تمدّ أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بدراسات مفصلة، أنه يمكن لواشنطن وأنقرة معالجة تبعات قضية صواريخ إس-400، وتحديد المدة التي تستغرقها العقوبات المفروضة على تركيا طبقا لقانون "كاتسا" (CAATSA) وهو قانون مكافحة أعداء أميركا بالعقوبات.

وأشارت الدراسة إلى اقتراح أحد المحللين أن الولايات المتحدة قد ترجئ فرض العقوبات إذا التزمت تركيا علنًا عدم تفعيل منظومة صواريخ إس-400.

ورصدت الدراسة 4 عوامل قد تؤثر في المداولات الجارية بين الدولتين، ومن شأنها وضع إطار جديد لعلاقات الدولتين:

أولا: التطورات الداخلية التركية، وتأثير العقوبات الأميركية في الاقتصاد التركي، وصناعة الدفاع، والمكانة الداخلية للرئيس رجب طيب أردوغان، خاصة مع اتساع شعبية صفقة صواريخ إس-400 بين النخبة التركية، وهو ما يمكن أن يستغله أردوغان لزيادة شعبيته عن طريق عزو التحديات الداخلية لتركيا إلى العقوبات الأميركية.

ثانيا: علاقات تركيا مع روسيا، إذ يبدو أن كلا الدولتين تسعى إلى تطوير العلاقات المتزايدة بينهما، التي تنبع من دعمهما مختلف الأطراف في الأزمات الإقليمية سواء في سوريا وليبيا وأرمينيا وأذربيجان. كما مثّل التعاون بينهما في مجال صناعات الدفاع والطاقة أدوات قد تستخدمها تركيا كجزء من حل وسط يُنقذ صفقة الصواريخ الروسية.

نفوذ وملفات

ثالثا: النفوذ الأميركي العام على السياسة الخارجية التركية، وكيف يمكن للعقوبات المرتبطة بصفقة إس-400 وقضية "هلك بنك" (Halkbank) المعلقة في محكمة فدرالية أميركية التأثير في السياسات الإقليمية لتركيا، بما في ذلك نهجها التصادمي مع شركاء واشنطن في شرق البحر الأبيض المتوسط.

رابعا: ملف طائرات "إف-35" (F-35)، إذ يُطرح سؤال في حال التوصل إلى حل وسط بين الولايات المتحدة وتركيا بشأن صواريخ إس-400، فهل سينظر الكونغرس في تعديل تشريعاته التي تحظر طائرات إف-35 إلى تركيا إذا استمرت في امتلاكها صواريخ إس-400؟

وفي الوقت ذاته تطالب كثير من الأصوات بضرورة تبنّي بايدن موقفا متشددا مع تركيا؛ ففي دراسة أصدرها معهد بروكينغز (Brookings)، أشار الباحث نيكولاس دانفوت، المتخصص في الشؤون التركية، إلى أن تركيا تمثل لبايدن مشكلة غير قابلة للحل.

ونصح الإدارة الجديدة بالعمل على تطوير إستراتيجية تتخطى تركيا عن طريق التنسيق مع حلفاء واشنطن لمواجهة ما سماها الاستفزازات التركية عند الضرورة، مع ترك الباب مفتوحا للتعاون حيثما أمكن.

 

المصدر : الجزيرة