المنخفض الجوي يضاعف معاناة اللاجئين السوريين بلبنان

عمّقت العاصفة جوريس مأساة اللاجئين السوريين بلبنان، الذين يتوزعون على عشرات المخيمات، وتحديدا في البقاع وعرسال في ظل نقص كبير في مواد التدفئة ومساعدات الغذاء والإيواء.

العاصفة جوريس كشفت عن بؤس مخيمات اللاجئين وعمّقت معاناتهم (الجزيرة نت)

تقف ظريفة محمد (40 عامًا) أمام خيمة متهالكة تكاد تقتلعها رياح العاصفة الباردة التي تضرب لبنان حيث تعيش مع زوجها وأطفالهما الثلاثه ضمن تجمع لمخيمات اللاجئين السوريين في قرية "قبة بشمرا"، بسهل عكار شمالي لبنان.

وظريفة التي هربت مع عائلتها من ريف حلب عام 2011 خوفًا من الحرب تعيش ظروفًا إنسانية قاسية وتتمنى لو بقيت في سوريا، "لأن الموت والذل يطاردنا أينما هربنا"، وفق تعبيرها للجزيرة نت.

وداخل خيمتها الغارقة بالوحول تقف ظريفة حافية القدمين وكذلك أطفالها الصغار الذين يرتجفون بردًا بعد أن اخترقت غزارة الأمطار خيمتهم، وهي تنتظر سطوع الشمس ولو دقائق، علّها تجفف لحافهم وبعض أحذيتهم وملابسهم العتيقة.

وتروي ظريفة تفاصيل ليلتهم العاصفة التي دفعتهم إلى الاختباء تحت درج صغير، بعد أن حطمت الرياح العاتية بعض الألواح الخشبية التي سقفوا بها خيمتهم؛ قائلة وهي تبكي "بقي أطفالي يصرخون طوال الليل من الخوف والبرد، وهم ينامون على الأرض، فناشدنا جهات عدة بالمخيم لتأمين مأوى بديل لنا إلى حين انتهاء العاصفة، من دون جدوى، ونحن عاجزون عن تأمين المازوت والحطب للتدفئة، وعن شراء أدنى حاجاتنا الغذائية بسبب الغلاء".

ظريفة تروي الطروف الصعبة التي تعيشها وعائلتها بفعل البرد القارس وتساقط المطر على خيمتها المهترئة (الجزيرة)

مأساة العاصفة

بعد أن مرّ الخريف وشهرا ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الثاني خلافًا للسنوات السابقة من دون تسجيل هطول كبير للأمطار، هبّت العاصفة الثلجية "جوريس" منتصف الشهر الجاري، فلامس سقوط الثلوج بعض المناطق الساحلية، وترافقت مع تدنٍ كبير في درجات الحرارة، وستستمر حتى نهاية الأسبوع، حسب دائرة الأرصاد الجوية.

وقد عمّقت العاصفة مأساة اللاجئين السوريين الذين يتوزعون على عشرات المخيمات، وتحديدا في البقاع وعرسال وشمال البلاد، وسط نقص كبير في مواد التدفئة ومساعدات الغذاء والإيواء.

لكن اللاجئين لم يقارعوا هذا العام العواصف الموسمية فحسب، فقد تزامنت مع انهيار اقتصادي ومعيشي غير مسبوق، نتج عنه ارتفاع كبير في الأسعار وشحّ في المواد الأساسية المستوردة ومن بينها المحروقات، بعد أن قفزت تباعا تداولات الدولار من 1500 إلى عتبة 9300 ليرة، وهو مرشح للتصاعد، مما يضاعف الضغوط المعيشية على اللاجئين واللبنانيين.

وبعد مئات الأمتار من مخيم بحنين-المنية الذي تشردت منه عشرات العائلات اللاجئة نتيجة إحراقه نهاية 2020، تجولنا على ضفاف نهر صغير في مخيمات قرية "قبة بشمرا" التي ينشط فيها القطاع الزراعي، لكنها بدت تجمعًا عشوائيًا لمساكن نايلونية لا تملك أدنى مقومات العيش بكرامة.

أطفال اللاجئين ومعاناة لا تنتهي مع الظروف المناخية الصعبة بسبب العاصفة (الجزيرة نت)

وبين خيمة وأخرى متلاصقة ببعضها بعضا، في تجمّع يضم نحو 85 خيمة، يعيش في كل واحدة نحو 9 أفراد (بمعدل عائلتين)، تميل الخيم من شدّة الرياح، وقد مُزّق بعضها وطار بعضها الآخر رغم محاولات تدعيمها بالأحجار الصخرية وألواح الخشب؛ في حين تحولت التربة إلى مستنقعات آسنة غرست فيها أقدام الأطفال وهم يحاولون الاحتماء من المطر وحبّات البرد.

ندخل خيمة صالح خضر (50 عامًا) الذي لجأ مع عائلته من دير الزور إلى شمالي لبنان قبل 10 سنوات، وكان يعاون زوجته على إزالة ما استطاعا من أضرار العاصفة؛ ويشكو من شحّ المساعدات التي لا تكفي لسدّ أدنى حاجاتهم الغذائية، إذ توقف عن شراء المازوت بسبب غلائه. يقاطعه جاره محمد أحمد (31 عامًا) لافتًا -للجزيرة نت- إلى أن تأمين وسائل التدفئة داخل المخيمات صار صعبًا، وقد "سلمتنا المنظمات بعض الخشب، لكنه لم يكن كافيًا لتدعيم خيمنا".

وفي خيمة مقابلة عبّرت اللاجئة أم بسام (45 عامًا) عن خوفها من تداعيات العاصفة، إذ تتوقع أن تنتهي بدمار ما تبقى من خيمتها التي أتلفتها عاصفة العام الماضي نتيجة طوفان النهر على المخيم.

ويشكو أبناء مخيم "قبة شمرا" من البطالة، فمعظم نسائه ورجاله يتقاضون أجورًا زهيدة لا تتجاوز دولارين يوميا، مقابل عملهم لدى أصحاب الأراضي الزراعية، لكن انهيار هذا القطاع، بسبب غلاء الأسمدة وصعوبة تصريف الإنتاج، حرم أبناء مخيمات "قبة شمرا" من العمل.

وهنا يلفت اللاجئ أحمد خليل (20 عامًا)، الذي هرب مع عائلته إلى لبنان حين كان طفلًا، أنه ظلّ يتوسل إلى بعض المزارعين لتشغيله ولو ساعات قليلة من أجل مساعدة عائلته بعد أن حُرم من التعليم من دون جدوى أيضًا.

المياه تحيط بمخيم قبة بشمرا من كل جانب (الجزيرة نت)

غياب خطة

ويربط الناشط اللبناني محمد الدهيبي المهتم بقضايا اللاجئين معاناتهم التي تفاقمها العواصف "باختصار المعونات على توزيع كميات قليلة من المازوت، وبعض الحصص الغذائية، ومساعدات مالية زهيدة لتدعيم الخيم بالخشب، من دون سؤال اللاجئين عن احتياجاتهم الفعلية".

ويقول الناشط -للجزيرة نت- إنه منذ توافد اللاجئون السوريون إلى لبنان عام 2011، لم تُحسن الدولة والجهات المانحة وضع خطة إستراتيجية واضحة لمواجهة تحدياتهم في الشتاء، والصيف أيضًا.

ولفت إلى أن بعض أصحاب أراضي المخيمات، الذين يلقبونهم بـ"الشاويش"، يحاولون استغلال عمالة اللاجئين، أو يسيطرون على موارد المساعدات للتحكم بآلية توزيعها.

ويرى الدهيبي أن ثمة ضياعا كبيرا لأموال اللاجئين، لأن المشروعات الضخمة التي تُنفذ لأجلهم تأتي بنتائج محدودة جدًا، ولا تنعكس على تطوير معيشتهم المأساوية.

هذا الواقع يؤكده ناصر ياسين، أكاديمي وأستاذ السياسات والتخطيط بالجامعة الأميركية بيروت، موضحًا أن معاناة اللاجئين السوريين -البالغ عددهم نحو مليون- تتجدد سنويًا في الشتاء، لكنها هذا العام ترافقت مع ظروف استثنائية يعيشها اللبنانيون والسوريون اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وصحيًا نتيجة تفشي كورونا، وفق تعبيره.

ولفت ياسين -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن 90% من اللاجئين أصبحوا تحت خط الفقر المدقع بلبنان، الذي يضم نحو 451 مخيما ترواح بين أحجام متوسطة وصغيرة، وأن نحو 40% من اللاجئين يعيشون في مخيمات البقاع الذي يعاني بردا شديدا في الشتاء.

وفي آخر 3 سنوات، حسب الأكاديمي، بدأ ينتقل نحو 33% من اللاجئين إلى مساكن ليست صالحة، فأنشؤوا مخيمات لتجمعات عشوائية، أو لجؤوا إلى أماكن سكن غير ملائمة (مثل مخبأ أو مزرعة).

وقال ياسين إن ما تقدمه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين السوريين (UNHCR) وغيرها من المنظمات، لم يعد كافيًا لتسديد حاجاتهم بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية، ويتوقع تفاقم تداعيات أزمة اللجوء، في ظل انعدام أي حلول جدّية وعملية بالأفق.

 

المصدر : الجزيرة