طموحات تصطدم بالواقع.. إلى أين وصل الإنتاج الحربي المصري؟

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال تفقد معرض "إيديكس" للصناعات الدفاعية (صفحة وزارة الإنتاج الحربي على فيسبوك)

القاهرة – مثّل معرض الصناعات الدفاعية والعسكرية "إيديكس" (EDEX)، الذي احتضنته القاهرة مؤخرا، فرصة كبيرة لمصر لعرض صناعتها العسكرية على المسرح الدولي، في ضوء تأكيدات -لم يتسن التأكد من صحتها من مصادر مستقلة- على أن نسبة الإنتاج المحلي لوزارة الإنتاج الحربي لا تقل عن 70%، وقارب معظمها على 100%.

ونظمت مصر النسخة الثانية لـ"إيديكس" خلال الفترة من 29 نوفمبر/تشرين الثاني حتى الثاني من ديسمبر/كانون الأول الجاري، بمشاركة 386 شركة من 42 دولة بينها الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، ونحو 40 من القادة العسكريين، بعد استضافتها النسخة الأولى من المعرض نهاية 2018، علما بأنه من المقرر أن تستضيف كذلك نسخته الثالثة نهاية 2022.

ووفق الموقع الإلكتروني الرسمي للمعرض، فإن إيديكس يعد الحدث الأضخم في قطاع الصناعات العسكرية في مصر والقارة الأفريقية، ويجمع كبرى الشركات المحلية والعالمية في مجالات الدفاع والتسليح (البرية والبحرية والجوية).

ونقلت الصفحة الرسمية لوزارة الإنتاج الحربي المصري عددا من إشادات الضيوف الأجانب المشاركين في المعرض، وتحدثت عن اتفاقات لتوطين تكنولوجيا التصنيع الحديثة تم إبرامها مع عدد من الدول على هامش المعرض.

لكنَّ ثمة معضلة بارزة بشأن الفرص والتحديات الصعبة التي يواجهها التصنيع العسكري المصري، تمثلت في أنه رغم أن الجناح المصري يمثل 15% من إجمالي معروضات إيديكس، وتقديمه أكثر من سلاح يواكب التكنولوجيا الحديثة مثل مسيّرة محلية الصنع وروبوتا لكشف الألغام ومجموعة ذخائر وقاذفات متنوعة، فإن هذه التشكيلة لم ترق إلى نوعية التسليح الثقيل على غرار الطائرات والدبابات والصواريخ.

وهذه الإشارة فرضت تساؤلات حول أسباب عدم القدرة على تطوير الإنتاج العسكري المحلي مقارنة بترسانات التسليح الدولي، رغم ما تمثله مصر من قوة عسكرية كبيرة في الإقليم.

وإضافة إلى ذلك، فإن التصنيع العسكري المصري محاط بسرّية كبيرة، عادة ما يربطها القادة والمسؤولون باعتبارات الأمن القومي، وهو ما يلاحظ في تصدر صفقات التسليح الباهظة المنصات الإعلامية المختلفة، في حين تحظى جهود التصنيع العسكري باهتمام إعلامي أقل.

وبناء على تقارير صحفية وأوراق بحثية وكتابات متخصصين في الشأن العسكري، ترصد الجزيرة نت أبرز الطموحات المصرية في مجال التصنيع العسكري وما تصطدم به من واقع، فضلا عن مناقشة فكرة تغييب الرقابة المدنية على المشاريع العسكرية.

خطة متكاملة

  • في تصريحات متلفزة الخميس الماضي، قال وزير الدولة للإنتاج الحربي محمد أحمد مرسي إن نسبة الإنتاج المحلي في منتجات الوزارة لا تقل عن 70%، وهناك منتجات قاربت 100%.
  • كشف مرسي عن فتح خط إنتاج جديد للرشاش المتعدد 7.62×51 مم، إذ يتم إنتاج جميع أجزائه في مصنع 300 العسكري، وهناك القاذف السداسي بنسبة 100% من إنتاج محلي، كما أصبحت مصر تنتج أنواعا من الذخيرة الثقيلة لأول مرة، مثل الذخيرة 155 مللي مدفعية، وذخيرة 155 سابو للتدريب على العمليات.
  • تطرق الوزير إلى مساعي بلاده نحو التكامل العربي وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري مع دول، بينها الإمارات، للاستفادة من خبرات التسويق وسلاسل الإمداد.
  • يمثل معرض إيديكس 2021، وفق الوزير المصري، فرصة للباحثين المصريين للوقوف على أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيات التسليح في العالم.
  • في أواخر 2020، كشفت تقارير صحفية محلية أن وزارة الدولة للإنتاج الحربي وضعت خطة متكاملة لتطوير نظام التصنيع العسكري بقيمة 7.3 مليارات جنيه (الدولار أقل من 16 جنيها)، لتلبية احتياجات القوات المسلحة خلال الفترة من 2020 إلى 2030، وتوجيه الفائض للتصدير في الفترة من 2025 إلى 2030.
  • تشمل الخطة تعميق التصنيع المحلي، وزيادة دور البحث التقني، وإقامة تعاون مع الشركات العالمية، واستكمال تطوير وتأهيل خطوط الإنتاج.
  • تستهدف الخطة تطوير خطوط إنتاج المتفجرات، والذخائر بجميع أنواعها ومكوناتها.
  • الرؤية المستقبلية تشمل إطلاق نظام دفاع جوي متكامل متوسط المدى، وإنتاج دبابة مصرية، وتصميم وتصنيع نظام حماية المركبات القتالية المدرعة.

طموحات تصطدم بالواقع

رغم المساعي والأماني المصرية الكبيرة للاستفادة من أسواق التسليح الدولية في عرض صناعتها المحلية، فإن المعارض الدولية، وبينها إيديكس، قد لا ترقى إلى مستوى الطموحات والتوقعات التي تتحدث عنها الحكومة، وذلك لعدة أسباب:

  • الأسلحة التي ظهرت في معرضي إيديكس 2018 و2021 جاءت لتلبية احتياجات محلية، بدلا من التنافس بجدية في أسواق التسليح العالمي.
  • عزز ذلك الاكتفاء بتقديم شركات الدفاع الوطني المصرية منتجات جديدة، لم يكن بينها الأسلحة الرئيسية من طائرات ودبابات وصواريخ، وإن ظهرت المدرعة سيناء 2000 وكذلك الرشاش المتعدد.
  • في سابقة هي الأولى من نوعها، قدمت أول طائرة مسيرة مصرية تحمل اسم "نوت" خلال المعرض، وسوف تستخدم للاستطلاع التكتيكي وجمع المعلومات، وهي مجهزة بكاميرا بصرية/تلفزيونية.
  • تقارير صحفية شككت في كونها صناعة محلية 100% لاعتبارات من بينها أن غالبية دول العالم لا تستطيع تصنيع أي منتج عسكري كامل دون مكونات أجنبية، كما حدث سابقا مع أزمة مقاتلات "رافال" (Rafale) الفرنسية التي استوردتها مصر، حين وضعت واشنطن حظرا على تزويدها بصاروخ "سكالب إي جي" (SCALP EG) الأميركي.
  • سبق أن تعاقدت القاهرة مع دول، بينها بيلاروسيا، على التصنيع المحلي للطائرات دون طيار.
  • إلى جانب إسرائيل، كانت مصر واحدة من دولتين فقط في المنطقة تتمتعان بقدرة كبيرة على إنتاج الأسلحة، غير أن القاهرة اعتمدت بشكل رئيسي على التجميع المرخص لمنتجات غربية، وتصنيع أسلحة تعود إلى حقبة الحرب الباردة في المصانع السوفياتية.
  • ثم تحولت معظم هذه المصانع إما إلى مرافق صيانة وإصلاح الأسلحة، وإما أعيد استخدامها لإنتاج منتجات مدنية.

مساعي التوطين

  • تاريخيا شهد التصنيع العسكري المصري منحنيات نمو متعرجة منذ خمسينيات القرن الماضي.
  • في الخمسينيات والستينيات، شهدت مصر نموا سريعا عندما تلقى نظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر دعما من الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.
  • خلال عامي 1967 و1973، أثرت الحروب العربية الإسرائيلية على نمو الصناعات العسكرية المصرية.
  • في الثمانينيات، شهدت تكنولوجيا التسليح المحلية فترة أخرى من التوسع، ولكن هذه المرة على أسس غربية بدعم أميركي.
  • مثلت تلك الفترة باكورة اعتماد مصر على التمويل العسكري الأميركي (استفادت من المساعدات المقدمة لإعادة بناء الجيش المصري بعد معاهدة السلام مع إسرائيل).
  • خلال العقود الثلاثة الماضية، تدهورت تلك الصناعة مرة أخرى، حيث شهدت المصانع الحربية ركودا نتيجة ظروف محلية وإقليمية ودولية متغيرة.
  • صيف 2013 واجهت مصر أزمة مع استمرارية وارادات التسليح الغربية إثر إطاحة الجيش بالرئيس الراحل محمد مرسي واعتبار دوائر غربية الأمر "انقلابا عسكريا" بشكل غير رسمي.
  • في السنوات السبع الأخيرة، فرضت أوضاع سياسية وإقليمية سيطرة للجيش على الدولة، في وقت لم تتجه فيه المصانع العسكرية نحو تصنيع جاد، وتحولت على نطاق واسع لإنتاج السلع الاستهلاكية.
  • أعقب ذلك قيام المؤسسة العسكرية بالاستثمار في تأسيس شركات الأعمال الخاصة لتصنيع السلع الإستراتيجية، بعد أن تمتعت الشركات العسكرية بامتيازات واسعة سمحت لها بوضع احتكاري في عدة قطاعات.
  • اتجهت القاهرة نحو تنويع أسواق التسليح (الأوروبية والشرقية الأخرى)، والسعي إلى اتفاقات إنتاج مشترك جديدة للحد من التبعية الغربية، وفق تقرير سابق لمعهد ستوكهولم الدولي للأبحاث.
  • لا يبدو أن هذه المحاولات قد أسفرت عن نتائج كبيرة على أرض الواقع.

مؤشرات وأرقام

  • وفق آخر تحديث لتصنيفات القدرات العسكرية غير الرسمية، وضع موقع "غلوبال فاير باور" (Global Firepower) الجيش المصري في المركز الـ13 بعدما كان في المركز التاسع عالميا، رغم الصفقات العسكرية الضخمة التي أبرمها في السنوات الأخيرة.
  • رغم التراجع، فإنه لا يزال أقوى جيش عربي في المنطقة، ولكنه الثاني بعد تركيا في الشرق الأوسط.
  • يمتلك الجيش المصري 1053 طائرة حربية، بينها 250 مقاتلة و88 طائرة هجومية، و304 مروحيات بينها 91 مروحية هجومية.
  • تتكون القوات البرية من 3735 دبابة و11 ألف مدرعة وأكثر من 1165 مدفعا ذاتي الحركة، و2200 مدفع ميداني، و1235 راجمة صواريخ.
  • يمتلك أسطولا بحريا مكونا من 316 قطعة بحرية تضم حاملتي مروحيات و9 فرقاطات و7 كورفيتات و8 غواصات و50 سفينة دورية و23 كاسحة ألغام.
  • عدد قواته العسكرية مليون و330 ألف جندي، بينهم 480 ألف جندي في قوات الاحتياط.
  • تصل ميزانية الدفاع إلى 10 مليارات دولار، ولدى مصر احتياطي من العملات الأجنبية والذهب يساوى 35 مليارا و890 مليون دولار.
المصدر : الجزيرة