التصعيد في أوكرانيا.. غياب أممي وحذر ألماني واهتمام بريطاني وحماس أميركي

تبقى الولايات المتحدة على رأس الدول الأكثر تشددا مع روسيا فيما يخص أوكرانيا، والأكثر حماسة لدعم كييف والإنفاق على تسليحها، في خضم التصعيد الراهن. لكن الموقف مختلف من دول أخرى مثل ألمانيا وبريطانيا وقبلهما الأمم المتحدة.

Volodymyr Oleksandrovych Zelensky - الصحافة الأوكرانية
​كييف تراقب بقلق مواقف الدول الغربية الحليفة وغياب الأمم المتحدة عن أزمتها (الأوروبية)

 كييف – في وقت تضج فيه الدول ووسائل الإعلام بالحديث عن مخاطر حشود روسيا العسكرية حول أوكرانيا، وإمكانية أن تكون مقدمة "غزو"، أو حتى شرارة حرب عالمية ثالثة، تغيب الجمعية العامة للأمم المتحدة عن المشهد تماما، فلا تصريحات ولا تعبير يذكر عن القلق والمخاوف، ولا دعوات إلى ضبط النفس، أو إلى اجتماعات طارئة لمجلس الأمن.

واللافت أكثر في هذا الإطار، عدم توجيه أي انتقادات، أوكرانية أو روسية أو غربية، للأمم المتحدة، وكأن الأمر لا يعنيها، أو لا يرق بحجمه إلى الدخول في دائرة اهتماماتها؛ رغم أنها ناقشت مرارا -فيما سبق- أزمات أوكرانيا، المتعلقة باحتلال روسيا شبه جزيرة القرم، والحرب في إقليم دونباس، وغيرها.

إنها شأن الكبار

تفسير هذا الأمر يعود -بحسب محللين- إلى حقيقة أن أزمة أوكرانيا الراهنة خرجت عن نطاقها الإقليمي، وتحولت إلى صراع مفتوح على كل الاحتمالات، بين دول كبرى بالدرجة الأولى.

يقول الإعلامي محمد زاوي "على خطورتها بالنسبة لأوكرانيا، الحشود العسكرية الروسية تحمل رسائل مهمة إلى الغرب، وتحديدا إلى الولايات المتحدة على رأس حلف الناتو (NATO)؛ والأمر بات أشبه بعملية استعراض عضلات أو كسر عظام بين الطرفين"، على حد وصفه.

ويضيف "الدول الكبرى تبحث من خلال الأمم المتحدة قضايا العالم، ولكن، عندما يخص الأمر الدول الكبرى نفسها، فلا حاجة -كما نرى- لمشاركة العالم والأمم المتحدة كمنظمة؛ و"لعبة الكبار" لا تحتاج إلى آراء الآخرين حول قواعدها".

ويستشهد على هذا الرأي بالقول "لم تحتج أميركا إلى إذن من الأمم المتحدة لغزو العراق وأفغانستان، وكذلك فعلت روسيا في سوريا".

إيجاب الكبار وقبول كييف

ويبدو أن كييف تدرك جيدا هذا الواقع، فهي ترى -بترقب- كيف تتحرك روسيا مع الولايات المتحدة وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ويضعون أجندة مباحثات للأزمة الأوكرانية في بداية العام القادم، تغيب عنها كييف نفسها.

تطمئن واشنطن نظيرتها الأوكرانية، بأنه "لن يتم اعتماد أي قرار يضر بمصالحها، ودون موافقتها"، ولعل هذا أبرز ما جاء في نتائج زيارة أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأميركي، كارين دونفريد، قبل أسابيع.

وبالمقابل، تُذكّر كييف "شركائها الغربيين"، كما تصفهم، بهذا الأمر، وتعتبر على لسان وزير خارجيتها، دميترو كوليبا، أن الاستجابة لمطالب روسيا حول "الضمانات الأمنية"، سيكون "أكبر إذلال للولايات المتحدة، ولحلف شمال الأطلسي منذ تأسيسه".

يدور الحديث هنا عن مطالب وقف التوسع الأطلسي شرقا، والانسحاب من دول أوروبا الوسطى، بحسب كوليبا.

حذر ألماني فرنسي

وبالتزامن مع "الغياب الأممي" والترقب الأوكراني، جاءت المواقف الألمانية والفرنسية حذرة ومتأنية من التصعيد الراهن، على ما يبدو، مقتصرة على عبارات الدعم السياسي التقليدية لكييف، والتلويح بعقوبات قاسية على موسكو في حال "الغزو".

غرابة المواقف مبنية على أن كلا من ألمانيا وفرنسا معنيتان، قبل كثيرين بالأزمة الأوكرانية، وتدخلان معا في إطار "رباعية النورماندي" للتسوية في إقليم دونباس، التي تضم أيضا أوكرانيا وروسيا.

يقول المحلل السياسي، أوليسكي بيلاشكو "منذ سنوات يميل الموقف الألماني الفرنسي نحو التهدئة وإعادة تطبيع العلاقات مع روسيا، لا سيما بحكم تأثر البلدين بالعقوبات والعقوبات المضادة، واهتمام برلين بإطلاق مشروع "نورد ستريم 2″ لنقل الغاز الروسي، مباشرة إلى أراضيها عبر بحر البلطيق".

ويضيف للجزيرة نت "ألمانيا من أشد المعارضين لتسليح أوكرانيا في مواجهة روسيا، ويبدو أن انشغالها بتولي مستشار جديد، وبأزمة "نورد ستريم 2″، وانشغال فرنسا بالانتخابات الرئاسية المقبلة، يدفع كلتا الدولتين لتمني انتهاء الأزمة الراهنة بأقل الخسائر، ودون مزيد من التوتر مع موسكو".

اهتمام جيوسياسي بريطاني

وبالمقابل، أظهرت الأزمة الراهنة اهتماما بريطانيا غير مسبوق بالملف الأوكراني، لدرجة دفعت مسؤولين إلى التعبير عن استعداد بلادهم "لإرسال جنود" إلى أوكرانيا، وخاصة في بداية التصعيد الراهن حولها.

في مقال بصحيفة "فزغلياد" الروسية، مدير معهد السياسة الأوكراني روسلان بورتنيك يفسر هذا الاهتمام بالقول "بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي، قررت لندن المشاركة بقوة في القضايا الملحة على جدول الأعمال العالمي، كأوكرانيا وغيرها".

ويرى بورتنيك أن "المملكة المتحدة تسعى إلى تحقيق أهداف جيوسياسية، بحرمان روسيا من السيطرة على البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط​".

ويعتقد الخبير أن "التأثير في أوكرانيا يتيح للبريطانيين شغل مكان دول أوروبية أخرى، وإلى حد ما، مكان الولايات المتحدة حتى".

حماسة أميركية بدافع المصالح

وتبقى الولايات المتحدة على رأس الدول الأكثر تشددا مع روسيا فيما يخص أوكرانيا، والأكثر حماسة لدعم كييف والإنفاق على تسليحها، في خضم التصعيد الراهن.

وبالإضافة إلى الأسباب المتعلقة بمواقف "دعم السيادة وسلامة الأراضي وحق تقرير المصير"؛ لواشنطن مصالح في المنطقة، حددها أوليكسي هاران، مدير مركز "المبادرات الديمقراطية"، في حديث سابق مع الجزيرة نت، بما يلي:

  • ممانعة روسيا، والحد من تنامي نفوذها الإقليمي والدولي على حساب النفوذين الأميركي والغربي عموما.
  • إعادة بناء جسور الثقة بين الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد فترة حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب.
  • طمأنة دول الجوار الأوكراني، الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، التي تعتبر أنها قد تكون هدفا لاحقا لـ"عدوان روسيا" بعد أوكرانيا.
  • عرقلة مشروع "نورد ستريم 2″ لنقل الغاز، الذي ترى فيه واشنطن وأوكرانيا خطرا جيوسياسيا كبيرا على أوروبا، يمكن روسيا من التحكم بعصب الطاقة وأسعارها، ويحد من حجم فرص الولايات المتحدة في سوق الغاز الأوروبي".
  • إشغال موسكو بصراع يؤرقها، وربما يستنزفها، لثنيها عن الدخول في أي تحالف إستراتيجي مع بكين، "عدوة واشنطن الرئيسية" في وقتنا الحالي.
المصدر : الجزيرة