بعد قانون أثار جدلا.. لجان سرية تبحث عن متعاطي المخدرات بالجهاز الإداري في مصر

حملات توعية من خطورة المخدرات تتجول بين الموظفين في المؤسسات الحكومية المصرية (مواقع التواصل الاجتماعي)

 القاهرة ـ دخل عزام مقر الإدارة التعليمية بالقاهرة، وشرع في طقوس العمل اليومية المعتادة، ثم استأذن للخروج في مأمورية خارجية، فمنعه الأمن بقرار من الإدارة، نظرا لوجود لجنة طبية من وزارة الصحة، جاءت فجأة لإجراء فحص المخدرات وكشف الموظفين المتعاطين.

ونشطت مؤخرا لجان الكشف والتحليل لمتعاطي المخدرات بين الموظفين تطبيقا للقانون رقم 73 لسنة 2021 والذي ينص على إنهاء وظيفة متعاطي المخدرات، وهو القانون الذي بدأ تطبيقه منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري.

ولم تقتصر مفاجأة عزام على منعه من الخروج وإجباره على التحليل، بل فوجئ بدخول ممرض معه إلى دورة المياه للتيقن من أنه لا يستعين ببول صديق، بدا الأمر محرجا ومضحكا في آن واحد، حيث يقول للجزيرة نت إن بعض زملائه لم يتمكنوا من إنجاز المهمة بسبب الحرج واضطر بعضهم لتناول أدوية مدرة البول.

بعد انتهاء المهمة، اصطف الموظفون بانتظار استلام بطاقات الهوية الشخصية، التي سلموها للجنة لتسجيل بياناتهم قبيل الدخول، وقفوا في ترقب محاولين التغطية عليه بضحكات متوترة ساخرة من الموقف المحرج، إذ علموا أن الموظف الذي سيتبين تعاطيه للمخدرات، لن يتسلم بطاقة هويته إلا من الإدارة لكي تتخذ معه الإجراءات اللازمة.

سيناريو مشابه

ذات السيناريو جرى في شركة المياه بالقاهرة، مع اختلاف طفيف، وهو العثور على سائق بالشركة، تبين  تعاطيه، عوقب بالخصم والإنذار بالفصل.

يقول أيمن عبده ـوهو موظف بالشركةـ إن التوتر كان سيد الموقف عقب هذا الاكتشاف، إذ أقسم السائق على أنه يأخذ فقط أدوية ومسكنات بشكل منتظم لتخفيف آلام العظام والمفاصل.

وأشار أيمن في حديثه للجزيرة نت إلى أن الأمر أقلق زملاءه من أن تظهر الأدوية في التحليل، خاصة أن الأدوية المخدرة والمسكنات القوية يمكن أن تظهرهم كمتعاطين.

مخاوف وتطمينات

مخاوف الموظفين ظهرت بسبب القانون الجديد، وفق طبيب في إحدى اللجان، رفض ذكر اسمه، مؤكدا إجراء التحليل للعينة المشكوك فيها في معامل تابعة للوزارة، وليست فقط في مكان العمل، للتأكد من أن العينة هي لمتعاطي مخدرات فعلا وليست متأثرة بأدوية يتم تناولها.

ويحق للموظف اللجوء إلى مصلحة الطب الشرعي طلبا لفحص العينة ـمحل الخلافـ على نفقته الخاصة، أو يمكن طلب توقيع الكشف الطبي عليه بذات اليوم الحاصل فيه التحليل.

وتلتزم الجهات المختصة أو مصلحة الطب الشرعي بإخطار جهة العمل بالنتيجة النهائية للتحليل، فإذا تأكدت إيجابية العينة، يتم إنهاء خدمة العامل، وتحدد اللائحة التنفيذية القواعد والإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه المادة، وحقوق العامل خلال فترة الإيقاف، وبعد إنهاء خدمته.

وتستند لجان الفحص في عملها على عنصر مفاجأة الموظفين بمختلف المصالح والشركات الحكومية، لذلك فالسرية تامة في تحرك اللجنة الخاصة بالتحليل سواء للوزارة أو أي جهة تابعة لها، إذ يجري إعلام أعضاء اللجنة في نفس يوم التحرك للوجهة التي ينبغي الذهاب لفحص موظفيها.

وتتشكل اللجنة من ممثل لصندوق مكافحة الإدمان، وممثل للأمانة العامة للصحة النفسية، وممثل لمصلحة الطب الشرعي، وممثل للجهة التي يتم فيها إجراء التحليل.

وتحفظ اللجنة خصوصية الموظف، مع ضمان التأكد من نسبة العينة إليه، ثم تقوم بإجراء التحليل المبدئي والكشف الاستدلالي أمام الشخص بنفسه عبر شرائط الكشف السريع خلال ربع ساعة.

وحال ثبوت إيجابية النتيجة، يتم تحرير محضر إثبات حالة، وتؤخذ العينة إلى المستشفى التابع له فريق التحليل، ليجري إجراء تحليل تأكيدي يستغرق بين 3 إلى 7 أيام عن طريق أجهزة طبية متخصصة.

وعقب التيقن من النتيجة، يتم إبلاغ صندوق مكافحة الإدمان بنتيجة التحليل، والذي بدوره يبلغ الجهات التابعة، لاتخاذ اللازم.

ولا يشمل القانون العاملين بالجهاز الإداري بالدولة وحسب، بل يشمل كذلك المؤسسات الخاصة ذات النفع العام، مع تكثيف حملات الكشف عن متعاطي المخدرات في المواصلات العامة وبين سائقي أتوبيسات المدارس.

بيانات مبشرة

ونشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء تقريرا عن جهود الدولة في مكافحة الإدمان خلال الفترة من 2014 إلى 2021، وذلك بالتزامن مع إصدار قانون فصل الموظف المتعاطي.

وأوضح التقرير دوافع الإدمان وأضراره، لافتا إلى إطلاق مبادرة "قرارك" الرامية إلى توعية العاملين بالمؤسسات والمصالح الحكومية بأضرار المخدرات، والتي شملت 500 ألف موظف منذ إطلاقها حتى الآن.

وأكد التقرير انخفاض نسبة تعاطي المواد المخدرة إلى 5.9% عام 2021 مقارنة بنحو 10.2% عام 2014، كما انخفضت نسبة الإدمان لـ2.4% عام 2021 مقارنة بنحو 3.4% عام 2014.

وذكر التقرير أن المتوسط السنوي لعدد مرضى الإدمان الذين تم تقديم العلاج لهم بلغ 101 ألف مريض، مع زيادة عدد مراكز علاج وتأهيل مرضى الإدمان بنسبة 133.3%، في حين وصل عدد المرضى المترددين على المراكز العلاجية لطلب العلاج والمتابعة من خلال الخط الساخن لعلاج الإدمان، إلى 116.517‏ مريضا خلال 10 أشهر بين عامي ‏2020 -2021.

ورصد التقرير المحافظات الأعلى من حيث عدد المتصلين بالخط الساخن لمكافحة الإدمان، وهي القاهرة بنسبة 33.68%، والجيزة بنسبة 12.33%، والإسكندرية بنسبة 9.22%.

وأوضح التقرير أن 45% من الحالات بدأت التعاطي في سن (15 – 20) سنة، و34% بدأت في سن (20 – 30) سنة، و14% من الحالات بدأت وعمر أفرادها أقل من 15 سنة، بينما أشار إلى أن 56% منهم لا يعملون، و نسبة 44% الباقية يعملون بالقطاعين الخاص والحكومي.

وأوضح التقرير أنه تم الكشف عن 448 ألف عامل بالمحافظات، بينما تلقى الخط الساخن 9329 اتصالا هاتفيا من الموظفين للعلاج من الإدمان، وذلك تزامنا مع إصدار قانون فصل الموظف المتعاطي، لافتا إلى أن نسبة التعاطي بين الموظفين انخفضت لـ1.7% عام 2021 بدلا من 8% عام 2014.

جدل

وأثار القانون الجدل منذ البدء في مناقشته عام 2019، واعتبر مغردون القانون قاسيا بحق أسر الموظفين الذين سيتضررون بوقف مصدر رزق عائلهم المتعاطي، ما يمكن أن يفاقم الأزمة ولا يحلها.

وربط متابعون بين هذه الإجراءات وتصريحات رسمية سابقة تعلن استهداف خفض أعداد الموظفين بمصر إلى مليوني موظف فقط، نزولا من 7 ملايين عند تسلم الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة عام 2014، استجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، باعتبار أن هذه الإجراءات تستهدف تصيد الموظفين المتعاطين لفصلهم، تحقيقا لخطة التخلص من ملايين الموظفين.

وتنفي تصريحات رسمية هذا التفسير، إذ أعلنت وزيرة التضامن الاجتماعي ورئيس مجلس إدارة الصندوق الإدمان نيفين القباج أن الباب مفتوح أمام الموظفين المتعاطين للعلاج، ومن ثم الاحتفاظ بمناصبهم، مؤكدة أن من يتقدم للعلاج طواعية يتم اعتباره مريضا ليعالج مجانا وفى سرية تامة.

وأعلنت الوزارة عن الخط الساخن لصندوق مكافحة الإدمان "16023"، مع توفير الخدمات العلاجية من خلال 28 مركزا علاجيا مجانيا، ليحق للموظف التقدم أيضا للعلاج حتى بعد تطبيق القانون دون أي مساءلة قانونية، طالما أنه تقدم من تلقاء نفسه للعلاج، ومن دون ذلك سيتم فصله في حالة ثبوت تعاطيه للمخدرات.

 

 

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة