تقهقروا وقبلوا التفاوض.. هل سلم التيغراي بالهزيمة أم يستعدون لمواجهة قادمة؟

عوامل متداخلة أسهمت في تراجع التيغراي، أولها الضغط العسكري من القوات الإريترية في إقليم العفر، والمشاركة الفاعلة للقوات الخاصة للإقليم، والتفوق الجوي الذي أظهرته قوات الحكومة المركزية الإثيوبية باستخدام الطائرات بدون طيار.

زعيم جبهة تحرير تيغراي هدد قبل شهور بالوصول إلى "أعداء تيغراي حيث يكونون" (الفرنسية)

بعد 13 شهرا من دوران رحاها، ما زالت الحرب بين الحكومة المركزية في إثيوبيا و"جبهة تحرير تيغراي" تحمل المفاجآت من خلال تقلباتها الميدانية، وآخرها إعلان الناطق الرسمي باسم جبهة تيغراي، غيتاشيو رضا، الانسحاب من إقليمي أمهرة وعفر والتراجع باتجاه إقليم تيغراي، "لفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية"، على حد قوله.

ويُعد هذا أكبر تراجع للتيغراي منذ يونيو/حزيران الماضي، بعد أن انطلقت قواتهم نحو إقليمي عفر وأمهرة، وكانت في طريقها إلى العاصمة أديس أبابا.

لكن المفاجأة المدوّية مؤخرا تمثلت في إعلان جبهة تيغراي القبول بالتفاوض مع الحكومة الإثيوبية، وهو ما رفضته وبشدة منذ بدء الحرب نهاية عام 2020.

وليس هذا فحسب، فقد قبلت جبهة تيغراي التفاوض من دون أن تقف عند الشروط التي وضعتها حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، والتي تمثلت في انسحابها من كامل إقليمي عفر وأمهرة، خلافا لما أعلنته في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن "ذلك غير ممكن على الإطلاق".

ماذا وراء تراجع جبهة تحرير تيغراي؟

خلال أقل من شهر أُخرِجت قوات تيغراي من إقليمي عفر وأمهرة، بل وأبعدت بعيدا عن العاصمة أديس أبابا التي كانت تهددها، مما دفع الدول لمناشدة رعاياها بإثيوبيا مغادرة العاصمة على وجه السرعة. لكن الميزان بدأ ينقلب ابتداء من إقليم العفر، وبدأت قوات التيغراي تخسر موقعا بعد آخر.

يقول المحلل العسكري السوداني أحمد عبد الكريم، إن عوامل متداخلة أسهمت في تراجع التيغراي، أولها تعرضها لضغط عسكري كبير من القوات الإريترية التي دفعت بفرق النخبة لديها إلى إقليم العفر، القريب منها.

إضافة إلى المشاركة الفاعلة للقوات الخاصة لإقليم عفر، في ظل التفوق الجوي الذي أظهرته قوات الحكومة المركزية الإثيوبية باستخدام الطائرات بدون طيار، التي لعبت دورا كبيرا في ضرب تجمعات وآليات ومعدات قوات التيغراي التي كانت تسيطر على مدن "كمبلوتشا" و"ديسي"، ووضعها في شبه حصار.

وحسب المحلل، فرض التطور العسكري على جبهة تيغراي التراجع إلى إقليمها، ولجوئها إلى حفر الخنادق حوله.

وفي العرف العسكري، يقول عبد الكريم -للجزيرة نت- حفر الخنادق يعني التمسك بالأرض والدفاع عنها، ولكنه يخالف مبدأ معروفا بأن "أفضل طريقة للدفاع الهجوم".

من ناحية أخرى، يعتقد الضابط السابق في الجيش الإثيوبي، هايلي ديستا، أن جبهة تيغراي تراجعت لأنها تريد تقليل خسائرها في ظل التفوق الجوي لقوات الحكومة.

ولذلك، يرى في تراجعهم أيضا تخطيطا لخطوة سياسية أخرى، "فالانكماش العسكري إلى داخل تيغراي قد يتبعه انكماش سياسي".

غير أن المحلل العسكري عبد الكريم تحدث عن احتمال آخر و"هو أن يكون التيغراي تعرضوا إلى ضغوط دولية، خاصة من الولايات المتحدة"، مستدلا بحديث غيتاشيو حول التراجع لفتح الباب أمام المساعدات الإنسانية.

ويؤيد حديث المحلل العسكري ما كتبه الدبلوماسي الأميركي السابق والمختص في منطقة القرن الأفريقي، كاميرون هيدسون -على حسابه الرسمي في تويتر- أمس الثلاثاء أن "انسحاب التيغراي سيضع المسؤولية على عاتق الحكومة المركزية بشأن الوضع الإنساني".

حشود من المقاتلين في إقليم تيغراي (مواقع التواصل)

ما السيناريوهات القادمة بعد تراجع التيغراي؟

في السيناريو الأول، يُتوقّع أن تتقدم قوات تيغراي نحو إريتريا إنفاذا للوعد الذي قطعه رئيس الجبهة دبرصيون جبر ميكائيل في يونيو/حزيران الماضي، عندما قال "سنذهب إلى أعدائنا حيث يكونون".

وقطعا، إريتريا داخلة في هذا التوعد؛ لوقوفها بجانب آبي أحمد في القتال ضد تيغراي بداية النزاع العام الماضي، ثم عادت الشهر الماضي ولعبت دورا رئيسيا في إخراج جبهة تيغراي من إقليم عفر. وما زالت منذ بدء الحرب تسيطر على الجزء الغربي من تيغراي المتاخم للسودان، وتحرم الإقليم من احتمال فتح نافذة عبر الحدود الغربية. كما أنها، بتموضعها هذا، تضع قوات تيغراي تحت الحصار.

ويشير المحلل عبد الكريم إلى البيان الذي أصدرته 7 تنظيمات إريترية الأسبوع الماضي، وإعلانها التحالف مع جبهة تحرير تيغراي، للقيام بأعمال عسكرية ضد حكومة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي.

ويرجح عبد الكريم وقوف جبهة تيغراي خلف البيان، لضعف التنظيمات السبعة، التي لم يُعرف لها تاريخ في العمل العسكري. مما يؤكد أن التيغراي يريدون استخدامها "كمخلب قط" فقط.

أما السيناريو الثاني، فيدور حول إمكانية اقتناع التيغراي بعدم جدوى التحالفات التي حاولوا نسجها في أثناء الحرب وخاصة مع الأورومو، الذين قرروا إيقاف عملياتهم ضد الحكومة في وقت كانت جبهة التيغراي تستفيد فيه من ضغطهم للتقدم نحو العاصمة.

ويقدّر الضابط السابق هايلي بأن حالة عدم الثقة التاريخية بين التيغراي والأورومو أضعفت من تحالفهما، ولقد "ظهر هذا في خلافاتهما حول من يحق له الدخول إلى أديس أبابا".

ويؤمن الأورومو بأن العاصمة جزء من أرضهم التاريخية، ويتمسّكون باسمها القديم "فيفني"، قبل أن يغيّره الإمبراطور "منليك الثاني"، في القرن التاسع عشر إلى أديس أبابا.

هل يعود التيغراي إلى خيار الانفصال؟

إزاء هذه التطورات، يبدو أن التيغراي يريدون استدعاء ما كتبوه في دستور جبهتهم عام 1975، بالدعوة إلى دولة التيغراي، قبل أن يسحبوا هذه النقطة من دستورهم في مؤتمر عقد مايو/أيار 1978.

ويعتقد المحلل عبد الكريم أن هذا السيناريو سيُجابه بمعارضة دولية، خاصة من الدول الغربية التي تريد إثيوبيا موحّدة لتكون حليفا قويا لها. إضافة إلى مخاوف من أن التصدع الإثيوبي سيضرب القرن الأفريقي كله.

أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة أفريقيا العالمية والمختص في الشأن الإثيوبي، الأمين عبد الرازق، فيستبعد الانفصال؛ لأنه سيضع إقليم تيغراي في كماشة بين إثيوبيا المتبقية وإريتريا المعادية له.

ويرى عبد الرازق أن الانسحاب الذي قام به التيغراي هو إجراء تكتيكي، وسيكون له ما بعده.

هل ينجح مسار التفاوض؟

أما السيناريو الثالث وهو الجلوس إلى طاولة التفاوض، فقد أغلق الباب أمامه تصريح وزير الدولة بمكتب الاتصال الحكومي الإثيوبي، اليوم الأربعاء، في تعليقه على تكوين مكتب رئيس الوزراء لجنة للحوار الوطني، مؤكدا أن "الحوار الوطني لا يعني الحوار مع جبهة تيغراي الإرهابية".

لكن الضابط السابق، هايلي، أشار إلى أن تأزّم الأوضاع الإنسانية في أقاليم عفر وأمهرة وتيغراي يجعل المجتمع الدولي يضغط على كل الأطراف للجلوس للحوار.

وعلى الرغم من هذه التطورات، فإن العالم قد يكون مضطرا لمراقبة المشهد الإثيوبي انطلاقا من الطبيعة الشخصية لأبنائه، والقادرة على كتمان ما تعتزم القيام به، ولا تبوح به حتى لأقرب المقرّبين.

المصدر : الجزيرة