فلسطينيو 48 يرفضون تصريحات منصور عباس بشأن يهودية الدولة

يرجع الناشط الجماهيري علي حيدر حالة الفوضى والتردي في أوساط فلسطينيي 48 إلى ضعف الأحزاب السياسية الفلسطينية بالداخل، وتراجع ثقة الجماهير بقيادات الأحزاب والقوى الممثلة بالكنيست، وخاصة منصور عباس وقائمته.

رئيس القائمة الموحدة د.منصور عباس : لسنا بجيب أحد لا اليمين ولا معسكر اليسار الصهيوني
رئيس القائمة الموحدة النائب بالكنيست منصور عباس: إسرائيل قامت كدولة للشعب اليهودي وستبقى كذلك (الجزيرة)

القدس المحتلة – أجمعت القوى السياسية والحزبية والشعبية في الداخل الفلسطيني على رفضها تصريحات رئيس حزب القائمة الموحدة، منصور عباس، والذي أقر بأن "إسرائيل قامت كدولة للشعب اليهودي وستبقى كذلك" ووصفت قيادات من فلسطينيي 48 هذا التصريح بـ "الانحدار السياسي والوطني" الذي لا يمثل إلا حركته وحزبه.

وفي قراءة لتصريحات عباس ونهج قائمته، قال أستاذ العلوم السياسية البروفيسور إبراهيم أبو جابر "هذه التصريحات جاءت متناغمة مع ما أطلق عليه النهج الجديد الذي تبنته القائمة الموحدة التابعة للحركة الاسلامية الجنوبية. وهي غير مفاجئة لأنها متوقعة بعد المشاركة في الكنيست، لا بل وفي الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، فلولا دعمها لما شكّل نفتالي بينيت حكومته".

وأكد أبو جابر، وهو من مؤسسي حزب "الوفاء والإصلاح" بالداخل الفلسطيني -للجزيرة نت- أن "هذه التصريحات اعتراف صريح بقانون القومية العنصري أو ما يسمى (قانون يهودية الدولة) الذي جسد سياسة الفصل العنصري، وهو سلبنا حقنا في وطننا، وجعل منا أشبه برعايا أجانب مقيمين لا مواطنين".

وكان الكنيست أقر عام 2018 "قانون القومية" أو ما يعرف بـ "قانون يهودية الدولة" الذي يمنح اليهود فقط ممارسة حق تقرير المصير في البلاد، وقال نواب وسياسيون عرب إنه استهدف الإضرار بحقوق فلسطينيي 48 أو من يطلق عليهم "العرب في إسرائيل".

وقال أبو جابر إن تصريحات عباس تُعد "آلية نسف للرواية الفلسطينية، وتنكّر للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني في وطنه، ومساومة رخيصة على الثوابت الدينية والوطنية لفلسطينيي 48 مقابل فتات".

وبحسبه، فإن مشاركة الأحزاب العربية في انتخابات الكنيست أنتجت "خطابا متأسرلا" يتساوق أحيانا مع الخطاب الإسرائيلي، ويحاول بعض أعضاء الكنيست العرب، مثلما هو حال منصور عباس، التقرب للمجتمع اليهودي عبره وإن تطلب ذلك مداهنتهم والقبول بروايتهم الباطلة.

صورة 6 البروفيسور إبراهيم أبو جابر من مؤسسي حزب "الوفاء والإصلاح" بالداخل الفلسطيني.
البروفيسور إبراهيم أبو جابر: مشاركة الأحزاب العربية بانتخابات الكنيست أنتجت خطابا متأسرلا (الجزيرة)

تحجيم "دُعاة الأسرلة"

وعليه، فالمطلوب لمواجهة "هذا النهج"، كما يقول أبو جابر، مقاطعة انتخابات الكنيست أولا، ثم العمل على رفع مستوى وعي فلسطينيي الداخل بخطورة التساوق مع الرواية الإسرائيلية ومآلاته على الداخل الفلسطيني، بل والشعب الفلسطيني برمته ومخالفته لقواعد العمل الوطني.

ويضيف القيادي في حزب "الوفاء والإصلاح" أنه لا يعقل تكون قائمة عربية سببا في تشكيل حكومة إسرائيلية، في ظل كل الممارسات العنصرية والفاشية ضد فلسطينيي الداخل، وفي باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن جملتها القدس، ومع تدنيس المقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى.

ودعا أبو جابر إلى توحيد الجهود والتنسيق المشترك بين تركيبة المجتمع الفلسطيني بالداخل، وأهمها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، للحض على التمسك بالثوابت في هذه البلاد، والعمل بقوة على تثبيت الرواية والهوية الفلسطينية "بغية تحجيم دعاة الأسرلة والتعايش مع الاحتلال".

أما بخصوص السؤال عن البديل عن المشاركة بالكنيست، يقول أبو جابر "يجب تفعيل وتطوير لجنة المتابعة بانتخاب أعضائها بصورة مباشرة، وتأسيس صندوق مالي قُطري وفق رؤية اقتصادية محكّمة، ورفع مستوى الوعي في صفوف مجتمعنا والتأكيد على انتمائنا وهويتنا الوطنية، وتشجيع العمل الشعبي والجماهيري بالداخل الفلسطيني".

ضعف الأحزاب وتراجع ثقة الجماهير

وعلى الصعيد الشعبي، قال الناشط الجماهيري، المحامي علي حيدر، إن تصريحات رئيس القائمة الموحدة الأخيرة بشأن الإقرار بيهودية الدولة "ليست اجتهادا خاطئا فحسب، بل هي سقوط مدوّ وضرب للثوابت الوطنية والقومية والإنجازات التاريخية للأجيال السابقة وتحطيم لأحلام الأجيال الفلسطينية القادمة".

وأكد حيدر أن النهج الذي يقوده النائب عباس "خطير ومراهق ومغامر" مشددا على ضرورة أن يواجه بشكل حازم وصارم من قبل الإرادة الجماعية العربية الفلسطينية. وقال إنه لا يمكن، باسم التسهيلات المادية والوعود الموهومة، التنازل عن الهوية الوطنية والقومية.

وردا على سؤال للجزيرة نت بشأن كيفية مواجهة خطاب "القائمة الموحدة" الداعمة للائتلاف الحكومي، والمتناغم مع السياسات الإسرائيلية، قال حيدر "يترتب على لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية وضع حد لهذا التردي الذي تقوده القائمة الموحدة".

وأشار إلى أن حالة التردي القائمة والفوضى المتفاقمة بأوساط فلسطينيي 48 هي نتاج ضعف الأحزاب السياسية الأخرى، وتراجع ثقة الجماهير بقيادات الأحزاب والقوى الممثلة بالكنيست.

ويعتقد حيدر أن هذه الحالة تُلزم بإعادة الثقة بالعمل السياسي، وإعادة هيكلة وبناء لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية في الداخل، وانتخابها بشكل ديمقراطي، وعدم اقتصار العمل السياسي على الجانب البرلماني.

ويمثل فلسطينيو الداخل، عام 2021، أكثر من 20% من سكان إسرائيل (التي قامت في المناطق التي احتلت مباشرة بعد النكبة) ويعدّون بنحو 1.8 مليون مواطن، ينحدرون من 160 ألف فلسطيني بقوا في بلدانهم بعد نكبة 1948.

صورة 8 عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني المحامي رياض محاميد،
المحامي رياض محاميد: منصور عباس يدعم حكومة بينيت وتشريعاتها العنصرية (الجزيرة)

مقايضة الحقوق وتزييف للوعي

ويتفق عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني، المحامي رياض محاميد، مع الموقف ذاته، موجها انتقادات شديدة اللهجة للنائب منصور عباس، ومؤكدا أن إسرائيل -لمن خانته الذاكرة- قامت على نكبة وأنقاض الشعب الفلسطيني وتهجيره وتشريده من وطنه بالمجازر، وسلب أرضه وممتلكاته.

وقال محاميد إن هذه الحقائق لا يمكن لأي كان تزييفها وتجاوزها، محذرا من نهج وتصريحات عباس الهادفة إلى تزييف الوعي وطعن الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.

وفيما يبرر بعض المقربين من "القائمة الموحدة" بأن تصريحات عباس بمثابة زلّة لسان، أكد محاميد للجزيرة نت أنها تعكس النهج والممارسات والأفعال على أرض الواقع والتي يقودها عباس و"الموحدة" بدعم حكومة بينيت وتشريعاتها العنصرية وحربها على الشعب الفلسطيني.

وحسب محاميد، فقد عمدت اسرائيل على مدار سنوات إلى تفكيك النضال السياسي لفلسطينيي الداخل، وضربت وحدتهم الوطنية، عبر تجريم العمل السياسي وتصنيف التيارات والقوى الوطنية والإسلامية بين "متطرف" و"معتدل" من وجهة النظر الإسرائيلية.

وقال إن المؤسسة الإسرائيلية تستهدف المشروع السياسي لفلسطينيي 48، والسعي للإبقاء عليهم رهينة لسياساتها بعد أن فشلت في ترويضهم و"أسرلتهم" بهدف إيجاد حالة داخلية تعتمد على تيارات وقوى عربية توافق على "مقايضة الحقوق المدنية بالثوابت الوطنية والمواقف السياسية".

يهودية الدولة

وأمام هذه الانتقادات والتحذيرات من نهج "الموحدة" كتب النائب منصور عباس تعليقا على حسابه على "فيسبوك" بعنوان "بعض الحق أقرب إلى الباطل" في سياق تبرير تصريحاته بشأن "يهودية الدولة" والرد على الانتقادات الموجهة ضد النهج الذي يقوده والداعم للائتلاف الحكومي بإسرائيل.

وكتب يقول "حين يُصرّ البعض على النطق بأنصاف الحقائق، وتشويه بعضها، فإنهم بذلك يصرون على تمويه الناس. حينما أصف الواقع صادقا، احتراما لوعي الناس، فإنني بذلك أهدف إلى التعامل معه واختيار التوجه الصحيح لإدارة نضالنا وتحقيق النجاح في الإجابة على سؤال ماذا نريد؟ وليس ماذا لا نريد؟".

وتمسّك عباس بتصريحاته بشأن "يهودية الدولة" مضيفا "تعريف الدولة اليوم بسيط قانونيا وديموغرافيا: إسرائيل دولة يهودية. وحتى إذا تجاوزنا القانون (القومية) فإن الحل يكون بدولتين مستقلتين فلسطين وإسرائيل، والتي تنادي بها أحزاب كثيرة عربية ويهودية، تحققان رؤية السلام والأمن والشراكة والتسامح بين إسرائيل وفلسطين في مناطق الضفة وغزة وشرقي القدس".

وخلص للقول "مشروعنا تمكين مجتمعنا العربي وترسيخ أقدام أبنائه في أراضيهم من دون تزييف للحقائق. نبين لهم الواقع على حقيقته، وفي المقابل نسعى لإزاحة الظلم عنهم من خلال تغيير السياسات الظالمة".

المصدر : الجزيرة