هل تراجع حقا النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط؟

U.S.-led troops withdraw from Iraq's Taji base
جنود أميركيون في قاعدة التاجي العسكرية بالعراق (رويترز)

قالت ناشونال إنترست (The National Interest) إنه بات من الشائع أن نقرأ أو نسمع معلقين يقرون بأن موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد تراجع بشكل كبير، حتى أن بعضهم يرى أن نفوذ واشنطن هناك في طريقه للانتهاء تماما، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة يمكنها أن تظل قوة عظمى في المنطقة طالما أرادت ذلك.

فقبل 40 عاما -تضيف المجلة الأميركية- في تقرير للأميركي مارك كاتس الأكاديمي والباحث في "المجلس الأطلسي" (Atlantic Council)- أثار حلفاء واشنطن مخاوف مماثلة بشأن كيفية انسحاب الولايات المتحدة من الهند الصينية عام 1973 و"سماحها" بسقوط شاه إيران عام 1979 مما ألقى بظلال من الشك على التزامها تجاه حلفائها الآخرين، لكنها لم تغادر المنطقة آنذاك ولن تتركها الآن أيضا.

وتؤكد ناشونال إنترست أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان، فضلا عن إنهاء واشنطن عملياتها القتالية في العراق وبصمتها الصغيرة المتبقية في سوريا وعلاقتها الصعبة مع تركيا، تشير جميعها إلى أن نفوذ الولايات المتحدة بالمنطقة أضحى فعلا أقل مما كان عليه حتى ماض قريب.

لكن الفترة التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول، والتي تدخلت فيها الولايات المتحدة عسكريا في المنطقة وشكلت حكومتين جديدتين في أفغانستان والعراق، وأمِلت لاحقا في دعم التغيير الإيجابي في كل من ليبيا وسوريا، كانت "استثنائية" امتلكت خلالها الولايات المتحدة -أو بدت وكأنها تمتلك- تأثيرا أكبر بكثير من الآن.

ومع ذلك -تضيف المجلة- إذا قارنا نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط حاليا، بما كان عليه قبل 40 عاما في ذروة الحرب الباردة، نجد تشابها ملحوظا.

ففي عام 2021 تمتلك أميركا نفس الحلفاء تقريبا الذين كانوا لديها عام 1981، إسرائيل ومصر والأردن والسعودية وباقي دول الخليج العربية والمغرب. أما علاقتها بتركيا فرغم أن البلدين حليفان رسميا إلا أن صلاتهما ليست في أفضل حالاتها، لكنها كانت كذلك أيضا آنذاك في أعقاب الغزو التركي لقبرص الشرقية عام 1974 وعلاقة أنقرة العدائية مع حليف أميركي آخر، اليونان.

وتشير المجلة إلى أن كثيرا ممن يرجحون فقدان أميركا لنفوذها في الشرق الأوسط يلمحون لتنامي نفوذ روسيا بالمنطقة، بيد أن هذا الحضور الروسي ليس أمرا استثنائيا أو مثيرا للإعجاب إذا ما قورن بسنوات خلت.

ففي عام 1981 كان الاتحاد السوفياتي القوة العظمى ذات النفوذ الأبرز في كل من سوريا والعراق وجنوب اليمن وليبيا وأفغانستان، كما كانت لديه علاقات أوثق بكثير مع الجزائر واليمن الشمالي مقارنة بالولايات المتحدة، أما الآن فأصبحت روسيا -على النقيض من ذلك تماما- تشارك نفوذها في سوريا مع الإيرانيين وفي ليبيا مع تركيا وأطراف أخرى، في حين تأثيرها بأفغانستان واليمن والعراق محدود.

وقد يرى البعض -بحسب المجلة- العلاقات المتنامية التي طورتها كل من روسيا والصين مع حلفاء أميركا في المنطقة على أنها معطى يجب أن يثير قلق واشنطن، لكن خلال فترة الحرب الباردة كان الاتحاد السوفياتي يحاول أيضا بنشاط إضعاف -أو حتى الإطاحة- بالحكومات المتحالفة مع واشنطن، أما الآن فتسعى كل من موسكو وبكين إلى العمل مع حكومات المنطقة المتحالفة مع الولايات المتحدة وليس إضعافها.

ولا يبدو -تختم المجلة- أن كلتا القوتين المنافستين لأميركا تحاولان إقناع هذه الحكومات من أجل إنهاء تحالفاتها مع واشنطن، والتحالف بدلا من ذلك معهما أو مع أحدهما، كما أنهما ليستا في الواقع على استعداد للعب دور الضامن الأمني الذي اضطلعت به الولايات المتحدة في علاقتها بحلفائها في المنطقة.

المصدر : ناشونال إنترست