اتهامات لقيس سعيد بـ "المتاجرة" بها.. هكذا تعيش سيدي بوزيد الذكرى الـ 11 لثورة تونس

في وقت يرى بعض البوزيديين في إعلان يوم 17 ديسمبر عيدا وطنيا، ردا لاعتبار محافظتهم وثورتهم، يقول آخرون إن ثورة "سيدي بوزيد" لكل التونسيين ضد الفساد "ومن يريد مقاومة الفساد بحق عليه ألا يستبد بالسلطة".

منيرة حجلاوي_صورة محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت
محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية في مدينة سيدي بوزيد (الجزيرة)

سيدي بوزيد- يحيي أبناء محافظة سيدي بوزيد، في الوسط الغربي لتونس، الذكرى الـ 11 لإطلاقهم شرارة الربيع العربي، على وقع إصدار الرئيس قيس سعيّد أمرا رئاسيا يقضي باعتبار 17 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة يوم عيد للثورة، بدلا عن 14 يناير/كانون الثاني.

ويأتي قرار سعيّد في ظل تصاعد الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ إعلانه، يوم 25 يوليو/تموز الماضي، تفعيل المادة (80) من الدستور، واتخاذه إجراءات "استثنائية" أقال بموجبها الحكومة وجمّد البرلمان ورفع الحصانة عن كافة نوابه، مما أحدث انقساما في الشارع التونسي بين مرحّب بخطواته واعتبارها تصحيحا للمسار، وبين رافض لها باعتبارها انقلابا على الدستور.

ووصل الانقسام إلى سيدي بوزيد، مهد الثورة، وتباينت آراء أبنائها بين مهلل لقرارات سعيّد لفائدة المحافظة ومن بينها محاكمة عدد من مسؤولي المنطقة بتهم فساد، وعدّوا ذلك عرفانا لها بالجميل، وبين منتقد رأى فيها "متاجرة بالثورة".

منيرة حجلاوي_مجسم عربة محمد البوعزيزي مفجر الثورة التونسية_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت
مجسم عربة البوعزيزي في سيدي بوزيد مهد الثورة (الجزيرة)

خطوة منقوصة

في تعليقه على قرار اعتماد تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول عيد الثورة الرسمي، يثمّن ميمون خضراوي، شقيق شهيد الثورة عبد الباسط خضراوي، هذه الخطوة "لأن الثورات تؤرخ ببداياتها خاصة وأن أبناء سيدي بوزيد -ولمدة 10 سنوات مضت- كانوا يحتفلون بمفردهم بهذا اليوم، ويعتبرونه عطلة رسمية دون باقي المحافظات".

ويقول خضراوي للجزيرة نت إن القرار لن يغيّر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة بالمحافظة، واصفا إجراءات 25 يوليو/تموز بنقطة التحول الإيجابية فيما يتعلق بوضع حد لمسألة ترذيل البرلمان (الحط من فعاليته) من قبل كتلة الحزب الدستوري الحر المحسوبة على النظام السابق، غير أنها كما قال "خطوة لم تكتمل لأنها لم تول اهتماما بالأزمة الاقتصادية الخانقة لتونس".

ويشدد على أن الطبقة الوسطى في تونس اضمحلت في ظل غلاء المعيشة على كل المستويات، وغياب خطى أخرى ملموسة وإستراتيجيات واضحة لتفعيل تلك الإجراءات.

وبشأن وعود سعيّد بمحاسبة الفاسدين، يرى أنه لم تتم إلى الآن محاسبة "كبار الفاسدين ممن دمّروا البلاد وحكموها من وراء الستار، وأجرموا في حق الشعب، وأن النصر الحقيقي للثورة هو بتحسين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة".

كما شدد على أنه "لا مجال لتغيير الدستور الذي جاء بالدماء ولضرب الحقوق والحريات والعودة إلى برلمان مشوّه كما كان عليه سابقا" حاثّا الرئيس على إشراك الصادقين للوصول بتونس إلى بر الأمان "لأننا نريدها تونس الجميع والديمقراطية".

متاجرة بالثورة

بدوره، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي، الأمين البوعزيزي، أن ما حدث يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 كان ثورة اجتماعية وبمثابة "ثورة الأحفاد الذين يثأرون لأجدادهم خلال معركة التحرير الوطني، وتم التنكر لتضحياتهم أيام الحصاد".

ويقول الأكاديمي البوعزيزي للجزيرة نت إن الثورات تواريخ ورموز ومضامين "غير أن تونس تشهد بعد 25 يوليو/تموز ارتباكا في البناء الديمقراطي، وغيابا للمساءلة الاجتماعية، وترذيلا لرموز الثورة في ظل واقع انقلابي ضلل الناس وتنكّر لمضامين الثورة".

ويرى في إعلان سعيّد يوم 17 ديسمبر/كانون الأول عيدا رسميا للثورة، وفي هذه الظروف السياسية "مجرد استغلال واستبلاه وتضليل جديد وركوب على الأحداث وتجارة بالثورة خاصة بعدما أصبح الانقلاب محاصرا في الداخل والخارج". وقال أيضا "لم يبق له إلا الادعاء بالوفاء لتاريخ ثورة لم يكن له دور فيها".

ويشدد أن الثورة "ليست بوزيدية وإنما هي ثورة التونسيين جميعا، وأن من يريد مقاومة الفساد بحق عليه ألا يستبد بالسلطة لأن الاستبداد أبشع مظاهر الفساد وأجلاها".

منيرة حجلاوي_من رسومات ثورة الحرية والكرامة على جدران مدينة سيدي بوزيد_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت
من رسومات ثورة الحرية والكرامة على جدران سيدي بوزيد (الجزيرة)

تفاؤل كبير

مقابل ذلك، اعتبر الضابط المتقاعد من الحرس الوطني، محي الدين حامدي، اعتماد 17 ديسمبر/كانون الأول عطلة رسمية خطوة ممتازة، وأن الرئيس "أعطى بهذا القرار لكل ذي حق حقه".

وأبدى حامدي، في تصريحه للجزيرة نت، تفاؤلا كبيرا بتغيّر أوضاع سيدي بوزيد نحو الأفضل خاصة بعد إجراءات سعيّد الذي وصفه "بالرجل المثال والنزيه" الذي "يجابه عصابة كبيرة".

وبينما يقرّ بأن سيدي بوزيد "لم تأخذ حقها بعد كما يجب" فإنه يرى أن رئيس البلاد يأخذ بعين الاعتبار أوضاع المحافظة وقد ضمّنها في برنامجه الإصلاحي.

منعرج هام

من جهته، يرى الناشط السياسي والمدني، وسيم جدي، أن "تصحيح تاريخ المسار الثوري أعاد لأبناء سيدي بوزيد والمحافظات المهمشة الاعتبار الرمزي وكذلك لأجيال من المناضلين السياسيين والحقوقيين والنقابيين والمعطلين عن العمل، ولنقاء المطالب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية".

كما يعتبر أن قرارات 25 يوليو/تموز مثلت "منعرجا سياسيا هاما عبرت عن نبض الإرادة الشعبية في التحرر من عشرية شهدت أسوأ مرحلة برلمانية وسياسية وأزمة اقتصادية واجتماعية خانقة أنهكت المجتمع والدولة ومؤسساتها، وأصبحت تهدد مقوماتها".

ويقول جدي للجزيرة نت إن محافظة سيدي بوزيد تأمل بعد هذا الحدث، وتزامنا مع إحيائها ذكرى الثورة، أن يُترجم شعار "شغل حرية كرامة وطنية" على أرض الواقع عبر المشاريع، والتمييز الإيجابي، وتوفير فرص العمل، وتحقيق العدالة الاجتماعية والجهوية لأبنائها".

ويضيف أن قرارات سعيّد "المنقوصة" تنتظر برامج عملية وعاجلة وواضحة على المستوى الاقتصادي والتنموي والاجتماعي والسياسي تصاغ بشكل تشاركي، إلى جانب محاسبة "من أجرموا في حق الشعب التونسي والبلاد وفرطوا في سيادته الوطنية واستقلالية قراره" محاسبة عادلة.

المصدر : الجزيرة