تهديدات "بلا تأثير".. هل بدأ الغرب التراجع أمام روسيا في أوكرانيا؟

يقول الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "دين" (النهار) الأوكرانية، أوليكساندر بالي، إن التراجع الغربي وارد، ولكن، لا يصح اعتبار أنه بدأ بهذه الصورة المبكرة، وأن روسيا تتجه نحو تحقيق ما تريد.

Ukraine's President Volodymyr Zelenskiy visits combat positions in the Donetsk region
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يزور مواقع قتالية في منطقة دونيتسك (رويترز)

كييف- "ممتنون للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن تهديدات بايدن لبوتين بعقوبات قاسية لم يكن لها أي تأثير، ولم تثنِه عن حشد قوات أكبر في بحر آزوف، الذي تسيطر روسيا على 70% من مساحته"، بهذه الكلمات عبّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، عن موقف بلاده، التي تقع في قلب عاصفة غزو روسي محتمل، مطالبا بدعم أكثر قوة وتأثيرا على سياسات وقرارات الكرملين.

وعلى لسان وزير دفاعها، أوليكسي ريزنيكوف، انتقدت أوكرانيا حكومة المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، لأنها منعت حصولها على أسلحة نوعية عبر الناتو، وفق ما ذكرته مؤخرا صحيفة "بيلد" الألمانية.

هذه التصريحات تأتي بالتزامن مع زيارة أجرتها مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية والأوروبية الآسيوية، كارين دونفريد، إلى كل من كييف وموسكو وبروكسل، أكدت خلالها "دعم مسار التفاوض في إطار اتفاقيات مينسك للتسوية بشرق أوكرانيا".

كما تأتي في ظل حديث أميركي عن إمكانية نشر قوات في دول أوروبا الشرقية الحليفة في إطار "الناتو"، إذا ما صعّدت روسيا ضد أوكرانيا، دون إشارة إلى دعم مباشر لكييف حينها.

تأكيد تطبيق اتفاق "مينسك" بشرقي أوكرانيا
صورة من تحركات عسكرية أوكرانية سابقة تؤكد التمسك بتطبيق اتفاق "مينسك" الخاصة بدعم التسوية شرقي البلاد (الجزيرة)

هل تراجع الغرب أمام جحافل القوات الروسية؟

وعلى خلفية التصعيد مع أوكرانيا والغرب، أعلنت روسيا بدء مناورات على عدة جبهات قريبة من أوكرانيا؛ مما يعطي انطباعا بـ"تراجع غربي"، إن صح الوصف، بعد أسابيع من تصريحات التهديد والوعيد لموسكو.

يقول رئيس تحرير موقع "سترانا" (البلد) المعارض، إيهور هوجفا إن "الغرب عاد إلى طبيعته بعد صراخ ناجم عن الصدمة، فتخلى مجددا عن أوكرانيا عندما حصر أزمتها في زاوية تطبيق (أو عدم تطبيق) اتفاقيات مينسك، والتفاوض لحل أزمة شرق أوكرانيا مع روسيا سياسيا وسلميا؛ وسلطاتنا، بسذاجة معتادة، وافقت على ذلك"، على حد وصفه.

وأوضح هوجفا أن الأزمة الراهنة تتجاوز شرق أوكرانيا إلى حشود كبيرة في الشمال والجنوب أيضا، وتتعلق بإمكانية غزو روسي واسع، متسائلا "كيف يمكن تفسير هذا الاختزال؟ إلا إذا كان في حقيقته تراجعا غربيا عن الحزم والشدة، والعودة إلى عبارات الدعم الناعم لسيادة ووحدة وسلامة أراضي أوكرانيا، الخالي من أي مضمون عملي".

ضمانات تلبي مطالب روسيا

ويرى مؤيدو هذا الرأي أن "التراجع" يحمل تلبية غير مباشرة لما تريده روسيا، واستجابة لـ"ضمانات أمنية" تطالب بها الغرب عموما، وحلف الناتو على وجه التحديد.

وبحسب إيهور هوجفا، فإن الحوار بين الروس والأميركيين، كما أظهر اجتماع القمة الأخير، وحّد الغرب حول فكرة أنه ليست هناك حاجة لدخول أوكرانيا إلى حلف الناتو حاليا، حتى لا تتأزم العلاقات مع موسكو أكثر، على اعتبار أن هذا يشكل أهم الضمانات التي تطالب بها روسيا. مضيفا "إذا لم يحدث أي تفاقم عسكري عالمي، فمن غير المرجح أن تتغير هذه الفكرة في السنوات المقبلة".

ويصف هوجفا طي ملفات عضوية أوكرانيا في الحلف، ودعمها بأسلحة متطورة، واحتلال القرم، وشبكات نقل الغاز الأوكرانية المهددة بسبب مشروع "نورد ستريم 2″، وأمن الطاقة الأوروبية بشكل عام، بالخذلان الجديد لكييف، والهزيمة للغرب أمام روسيا.

سفينة بحرية أميركية تجري مناورات مع القوات الأوكرانية في البحر الأسود خلال فبراير/شباط 2021 (وكالات)

لم يتبدل..

ولكن كثيرين آخرين يرون أن موقف الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لم يتبدل، وأنه من السابق لأوانه الحديث عن تراجع أو نصر أو مكاسب لأي طرف على حساب آخر، بدليل أن واشنطن ستعزز حضورها العسكري في دول الحلفاء، وروسيا تستعجل التفاوض مع "الناتو".

يقول الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "دين" (النهار) الأوكرانية، أوليكساندر بالي، إن التراجع الغربي وارد، ولكن لا يصح اعتبار أنه بدأ بهذه الصورة المبكرة، وأن روسيا تتجه نحو تحقيق ما تريد.

وتساءل في هذا الإطار "هل انتظرنا وصول قوات غربية تحارب روسيا وتوقفها عند حدها، حتى نقول إن الغرب تراجع عن هذا؟ وهل جاءتنا عبارات رفض جديدة للعضوية أو للحصول على أسلحة نوعية، حتى نقول إن الغرب أدار لنا ظهره؟".

وتابع "الإدارة الأميركية بدأت تكتيكات توحد واشنطن مع العواصم الأوروبية في مواجهة روسيا، بإبقاء أبواب التفاوض الممكنة مفتوحة، مع الاستعداد لما هو أسوأ".

هاجس الناتو

والأسوأ هنا، بحسب أصحاب هذا الرأي، تصعيد عسكري يؤدي إلى حرب إقليمية أو حتى عالمية، تكون فيها أوكرانيا ساحة رئيسية للمواجهة بين المعسكرين.

يرى المحلل أوليكساندر بالي أن "أوكرانيا حائط الصد الأول أمام التوسع والأطماع الروسية في القارة الأوروبية، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، والأمور وصلت إلى درجة لا يصح فيها القول إن أوكرانيا هي من تحتاج فقط إلى الناتو من أجل حمايتها، لأن الأخير أيقن أنه هو أيضا بحاجته إلى أوكرانيا لحماية دوله المجاورة".

ويعتبر المحلل السياسي أن "روسيا تدرك هذا الواقع، ولهذا تخشى فكرة ضم أوكرانيا المجاورة إلى عضوية الحلف أكثر من أي وقت مضى، كما تخشى فرض عقوبات "جديّة" عليها، يبدو أنها توحّد الغرب، ولا تزال مطروحة كخيار ردع قوي، حتى من قبل برلين، التي ترتبط مع موسكو بمشروع خط أنابيب "نورد ستريم 2″ الضخم، باعتباره سلاحا جيوسياسيا روسيا".

وعلى حد قوله "يبقى الأمن أولوية أمام أية مصالح أخرى، وأعتقد أنه ليس من مصلحة شركاء أوكرانيا الغربيين تركها وحيدة في مواجهة روسيا اليوم، والأخيرة ستتحمل تبعات قاسية، وفق حجم وطبيعة مغامراتها".

المصدر : الجزيرة