سدا لعجز التمويل أم للإجبار على التعليم؟ غرامة مالية على الطلاب المتغيبين بمصر

طلاب يحاولون مغادرة المدرسة بالقفز فوق أسوارها (الجزيرة نت- أرشيف)

القاهرةـ 120 طالبا يتزاحمون في الصف الدراسي الذي يدرس به الطفل إياد، وهو عدد ضخم بحساب مساحة الصف وعدد المقاعد المتوفرة به، ومع ذلك فإن إياد يذهب يوميا لمدرسته الإعدادية بالجيزة مدفوعا لا بالرغبة في التعلم وحسب، بل كذلك بإجبار والديه له على الذهاب للمدرسة تجنبا لغرامات أقرتها وزارة التعليم لإلزام الطلاب بالحضور.

وشددت الوزارة على تغريم الطالب المتغيب لمدة 10 أيام متصلة 10 جنيهات، وإن تكرر الغياب تكررت الغرامة، مع الإلزام بدفع رسوم إعادة القيد بالمدرسة حال تخطي الطالب المدة القصوى لأيام الغياب.

يعتقد إياد (فضلنا عدم ذكر اسمه الكامل) أن حصيلة ما يتلقاه من علم بالمدرسة هي حصيلة ضعيفة، فوسط الزحام الكبير بالفصل الواحد، ومع قلة إمكانيات المدرسة والمدرس، يخرج بفائدة قليلة، مضيفا في حديثه للجزيرة نت "ورغم ذلك أذهب، فلا بديل".

وكان الأمل لدى أولياء الأمور أن ترجئ الوزارة الدراسة ريثما تمر الموجة الرابعة من كورونا، وجاء إعلان الوزارة بأن الدراسة في موعدها قبل شهر ليخيب الآمال، مع التشديد على حضور الطلاب رغم أن الفيروس أصبح يصيب الأطفال في هذه الموجة بخلاف الموجات السابقة التي لم تكن تصيبهم إلا قليلاً، بحسب وزارة الصحة.

وشددت الوزارة في قرار صدر مؤخرا على توقيع غرامة بقيمة جنيه واحد إذا تخلف التلميذ أو انقطع عن المدرسة دون عذر مقبول لمدة 10 أيام متصلة أو منفصلة في مدارس التعليم الأساسي الرسمية أو الخاصة، وتكرر هذه الغرامة باستمرار تخلف التلميذ عن الحضور كل 10 أيام (الدولار= نحو 15.7 جنيها).

وتحرص أم ملك على اصطحاب ابنتها التلميذة بالمدرسة الابتدائية يوميا رغم أن المدرسة تقع بعيدا عنها في منطقة فيصل بالجيزة، مضيفة للجزيرة نت بعد أن حرصت على ضرورة الاكتفاء بكنيتها دون اسمها أن هذا القرار "أضر ابنتها بسبب ازدحام الفصل، فهي ملتزمة بطبيعتها بحضور ابنتها، ولا تحتاج لإلزام رسمي، لكن هذا الإلزام أجبر آخرين غير ملتزمين بالذهاب، وبعضهم يحضر أبناءهم لا للتعليم ولكن لأنه لا بديل أمامهم لإشغال أبنائهم".

أولياء أمور طلاب ينتظرون أبناءهم أمام إحدى المدارس (الجزيرة)

غياب كامل

أما على مستوى الصف الثالث الثانوي الذي يمثل ختام مرحلة الدراسة قبل الجامعية، فيشهد غيابا شبه كامل للطلاب، بحسب عزت هلال، وهو مدرس ثانوي بالقاهرة يقول إنه يذهب يوميا إلى المدرسة ويقوم مع زملائه بالتدريس لطلاب الصفين الأول والثاني بينما يفضل طلاب الصف الثالث الغياب وتعويض ذلك بالدروس الخصوصية التي يعتقدون أنها أفضل بالنسبة لهم وستساعدهم أكثر على تحقيق أحلامهم بحصد درجات عالية تمكّنهم من الالتحاق بكليات القمة في الجامعة.

يقول هلال للجزيرة نت إن الوزارة ليس من حقها حرمان طالب من التعليم أو دخول الامتحانات لعدم سداده المصروفات أو الغرامات، وكل ما يمكنها فعله هو حجب نتيجته، أو عدم تسليمه شهادة بها، فليس من الممكن فصل كل هؤلاء الطلاب المتغيبين.

ويؤيد حديث هلال بانعدام القدرة على تنفيذ الغرامة على أرض الواقع، مشيرا إلى أنه ليس قرارا جديدا، بل صدر من قبل بنفس القيمة قبل عامين، ففي تصريحات لوكيل وزارة التعليم رضا حجازي أواخر عام 2018، أكد توقيع الغرامة وأن الهدف منها إطلاع ولي الأمر على حالة ابنه ودرجة انتظامه الدراسي حتى لا يخرج الطالب خارج بيته بدعوى الدراسة ثم يذهب إلى أماكن أخرى.

وتبرر مريم راضي، وهي طالبة بالصف الثالث الثانوي بإحدى مدارس الجيزة التجريبية لغات، غيابها المستمر هي وكثير من زملائها بأنه لا وقت لدى طلاب المرحلة الثانوية للمدرسة، فهم يحصلون على دروسهم في مراكز خاصة ولدى مدرسين خصوصيين مشهورين بتميزهم، بينما المدرسة ـ برأيها ـ تضييع وقت دون طائل، لانخفاض مستوى المدرسين من ناحية، وقلة الإمكانيات اللازمة للشرح من ناحية أخرى، بخلاف مراكز الدروس الخصوصية التي توفر مدرسين محترفين وبعضهم أساتذة جامعة.

ولا يختلف الأمر كثيرا في المدارس العامة، إلا في ارتفاع نسب الحضور قليلا عن نسب الغياب، فالمدرسون فيها يدرسون باللغة العربية، وهو ما يسهّل مهمة الطرفين، الطالب والمدرس، غير أن نسب الغياب وخصوصا في الصف الثالث تفوق نسب الحضور، بحسب طلاب تحدثوا للجزيرة نت.

ورأى أبو محمد، وهي كنية ولي أمر أحد طلاب المرحلة الثانوية، وفضل عدم ذكر اسمه، أن الوزارة لا يهمها من توقيع هذه الغرامات إلزام الطلاب بالحضور، "فأي فائدة للطلاب من تكديسهم في فصول بلا مقاعد ولا إمكانيات ولا مدرسين؟"، معربا عن اعتقاده بأن الوزارة تريد جمع الأموال من أولياء الأمور بهدف سد العجز المالي.

عجز المدرسين

وأقر مسؤولو الوزارة قبل أسابيع بوجود عجز فادح في أعداد المدرسين حد طلب الوزارة متطوعين بمقابل بسيط للتدريس سدا لهذا العجز دون الإقدام على تعيين مدرسين جدد رغم توفر الآلاف من خريجي كليات التربية المؤهلين لهذا العمل.

وصدر القرار الوزاري رقم 26 لسنة 2021 الخاص بسد العجز في هيئة التدريس بالتخصصات المختلفة من خلال العمل بنظام الحصة نظير 20 جنيها "1.25 دولار" للحصة الواحدة.

وطالبت قيادات نقابة المعلمين في اجتماع مع مسؤولي الوزارة قبل يومين بضرورة إيجاد حل جذري لمشكلة العجز في المعلمين الذي تجاوز 350 ألف معلم، طبقا لإحصاءات نقابة المعلمين.

ومع استمرار أزمة العجز، والتي تعني عدم توافر الأساس في العملية التعليمية وهو المدرس، يبدو من المستغرب، لدى متابعين، إصرار الوزارة على حضور الطلاب إجبارا بالغرامة، إلا إذا كان الهدف هو جمع الأموال لصالح صناديق الوزارة، كما يقول أبو محمد.

ويقول المنشور الرسمي الخاص بتوقيع الغرامات إنها ستودع في صندوق دعم وتمويل وإدارة وتشييد المشروعات التعليمية.

وأتاحت الوزارة رابطا لموقع إلكتروني يمكن ولي الأمر من متابعة حضور التلميذ بالمدرسة، دخل عليه محرر الجزيرة نت، فتبين أنه لا يعمل.

من جانبها، تؤكد وزارة التعليم المصرية أنها لم تعتمد على الغرامات وحسب لإلزام الطلاب بالحضور، بل حفزتهم للحضور بتوفير وجبة غذائية متكاملة روعي فيها مد الطالب بالطاقة اللازمة للتركيز الذهني، من أجل إعانته على مواصلة اليوم الدراسي دون إرهاق الأسر بنفقات التغذية اليومية.

وبحسب بيانات الوزارة، تتكلف الوجبة الواحدة نحو 6.5 جنيهات، أقل من نصف دولار، لنحو 13 مليون طالب، ما يقدّر بنحو 75 مليون جنيه إجمالي التكلفة اليومية للوجبات، أو نحو 4.5 ملايين دولار.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي