سد النهضة وزحف التيغراي.. تساؤلات حول الموقف المصري من الصراع الإثيوبي

ethiopian nile dam
مع تأزم مفاوضات سد النهضة الإثيوبي تراقب مصر حرب التيغراي وتأثيراتها على قضية السد (وكالات)

القاهرة- في ظل استمرار أزمة سد النهضة، تراقب القاهرة عن كثب تصاعد النزاع المسلح في إثيوبيا، خاصة مع إعلان "الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي" انضمامها إلى القوات المتمردة في إقليم أورومو، متحدثة عن الاستعداد للزحف إلى العاصمة أديس أبابا.

وبات النزاع القبلي في إثيوبيا، يهدد استقرار حكومة أديس أبابا؛ في وقت طرحت فيه تساؤلات حول الموقف المصري من الوضع الراهن، وتأثير تلك الأوضاع غير المستقرة على ملف السد الذي تواصل إثيوبيا تشييده وتتخوف مصر والسودان من تأثيره السلبي على حصتهما من مياه نهر النيل.

ورغم الاتهامات الإثيوبية المتكررة وشبه المباشرة أحيانا بوقوف القاهرة وراء إثارة القلاقل في تيغراي وغيره من الأقاليم المتمردة، فإن مصر عادة ما تنفي تدخلها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ومن بينها إثيوبيا، كما أنها لم تشتبك سياسيا مع الصراع الدائر هناك.

وثمة تناقض مصالح مصري إزاء استدامة النزاع الإثيوبي -وفق مراقبين- يلفتون النظر إلى أن إشاعة مزيد من الفوضى بالعمق الجنوبي المصري، قد يمثل تدشينا لبؤر ساخنة جديدة، تخلق تهديدا إضافيا لمصر بعد سيناء وليبيا، كما يلفتون إلى المخاوف المحتملة من استمرار نزوح آلاف الإثيوبيين إلى السودان.

وفيما شدد خبير في الشأن الأفريقي والأمن القومي المصري على أن بلاده تراقب الأحداث الإثيوبية من منطلق الحرص على استقرار وأمن القرن الأفريقي، مع استبعاد استغلالها حالة الفوضى الراهنة لتسوية ملف السد، رأى دبلوماسي سابق أنها قد تكون فرصة لإعادة ترتيب الأوراق بما يتيح مجالا أوسع للتحرك في مسارات أخرى، خلافا للتفاوض السلمي في الملف المتأزم منذ 2011.

تيغراي وسد النهضة

في منتصف يوليو/تموز الماضي، أعلنت إثيوبيا أنها حققت هدفها للعام الثاني على صعيد ملء خزان السد، بالتزامن مع فشل الوصول إلى اتفاق برعاية الاتحاد الأفريقي، كما فشلت المساعي المصرية السودانية في الحصول على قرار من مجلس الأمن يعزز موقف البلدين، خلافا لما ظهر مؤخرا من إرهاصات شروع إثيوبيا في الملء الثالث لبحيرة السد دون اتفاق مع دولتي المصب.

والثلاثاء الماضي، قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إن عناصر "غير إثيوبية" انضمت إلى مقاتلي التيغراي، وتشارك في المعارك الدائرة بمناطق مختلفة في إقليم أمهرة، وهو تصريح يأتي في سياق تصريحات إثيوبية رسمية متعددة توجه اتهامات لأطراف خارجية بالسعي نحو تأجيج الأوضاع هناك؛ لأسباب كان بينها استهداف السد.

ففي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن الجيش الإثيوبي إحباط عملية تخريبية لاستهداف السد من قبل التيغراي، وسبق ذلك تصريحات للمتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي، قال فيها إن خروج الجيش يأتي في إطار التصدي لما سماها التهديدات الخارجية التي تهدف لعرقلة الملء الثاني.

وهذه الاتهامات، عادة ما عزاها مراقبون إلى كونها موجهة إلى مصر لاعتبارات الصراع حول مياه نهر النيل، خاصة أنه سبق أن اتهمت أديس أبابا، القاهرة والخرطوم، بدعم أعمال العنف بإقليم بني شنقول غومز -الذي يحتضن السد- إضافة إلى إعلان وكالة أمن شبكات المعلومات الإثيوبية، إحباط العديد من الهجمات السيبرانية كان مصدرها مصر في يونيو/حزيران 2020، بهدف تعطيل الأنشطة الاقتصادية والسياسية في إثيوبيا، فيما لم ترد السلطات المصرية على هذه الاتهامات.

ترتيب الأوراق

في هذا السياق، يرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير محمد مرسي، أن سقوط رئيس حكومة آبي أحمد من شأنه أن يعيد ترتيب الكثير من الأوراق في إثيوبيا وفي منطقة شرق أفريقيا، واعتبرها فرصة لإنقاذ مصر في ملف السد.

وأوضح مرسي، عبر صفحته بموقع فيسبوك، أن ذلك يمثل فرصة تتيح مجالا أوسع أمام مصر للتحرك على كل المسارات وليس المسار التفاوضي والسلمي فقط، وكذا أوراقا إضافية يمكن استخدامها للحصول على تنازلات تقترب من الحد الأدنى للمطالب المصرية في ملف السد.

متابعة وترقب

من جهته، استبعد الخبير في الشأن الأفريقي والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد، أي دور لمصر في تأجيج الصراع، مشيرا إلى أنه صراع مصالح في المقام الأول، وتطور إلى صراع عسكري بين الأطراف القبلية وحكومة أديس أبابا.

وردا على حديث مسؤولين إثيوبيين عن مؤامرات خارجية تستهدف بلادهم، أوضح عبد الواحد -في تصريحات للجزيرة نت- أن الجيش الإثيوبي جيش نظامي، وحصل على أسلحة متطورة في الفترة الأخيرة، لكنَّه في الوقت نفسه تعرض للكثير من الخسائر.

وأضاف أن الصراع الإثيوبي يهدد مصر والسودان، وأن القاهرة تتابع تلك التطورات بدقة لأن استقرار القرن الأفريقي وشرق أفريقيا بما فيها إثيوبيا، له أبعاد على الأمن القومي المصري، مشددا على أن بلاده دائما ما تدعو للسلام الإقليمي وتأخذ المواقف الأممية لفرض الأمن والسلم الدوليين.

وتطرق الخبير الأمني إلى أن مصر كان لها دور مهم أثناء رئاسة الاتحاد الأفريقي في تطبيق مبدأ سياسة إسكات البنادق، وهي مبادرة 2063، ولكنها لم تكتمل في الشأن الإثيوبي؛ بسبب تعقد وتشابك الصراع داخليا مع مكونات خارجية، مشددا على أن مصر لا تستغل تلك الأحداث لتسوية ملف السد، وموضحا أن بلاده تعلم انشغال الحكومة الإثيوبية بحربها مع التيغراي، التي قد تطيح برأس السلطة، وقد تسفر عن حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.

وعن تهديدات الصراع في إثيوبيا على بلاده، أشار عبد الواحد إلى أنها تزيد من فرص الجرائم وتخلق بيئة حاضنة وخصبة للإرهاب، وانتشار جماعات الجريمة المنظمة كتهريب المخدرات والسلاح والبشر والهجرة غير الشرعية، في ظل وجود حدود كبيرة بين الدول، وكون المنطقة قبلية، والقبيلة الواحدة تنتشر في أكثر من دولة.

ولتجنب تلك المخاوف، لم يستبعد الخبير المصري، أن ترعى القاهرة وساطة بين أطراف النزاع لو رغبت أديس أبابا في ذلك، في إطار الحرص على الاستقرار الداخلي وتهدئة الأوضاع، مؤكدا عدم وجود مشاكل بين القاهرة وأديس أبابا، إنما هي فقط مسألة السد الذي لا ترفضه مصر، لكنّها تؤكد على ضرورة وجود ضوابط قانونية ملزمة، حتى لا يساء استخدامه بسوء نية أو بجهل.

مزاعم إثيوبية

وفي قراءته للتصريحات الرسمية لحكومة أديس أبابا بأن النزاع مع تيغراي يأتي في إطار التصدي للتهديدات الخارجية التي تستهدف سد النهضة؟ وهل هناك تحركات مصرية لتأجيج الصراع؟

ردّ الخبير الأمني بأن أديس أبابا فشلت في حربها ضد التيغراي وتحاول أن ترمي ذلك على دولة خارجية أو كيان إقليمي لم تحدده؛ حتى لا تثير غضب شعبها، مشيرا إلى أن استهداف قوات الحكومة في الإقليم المتمرد والسيطرة على آليات عسكرية وطائرات، يعني أن الخلل نابع من عدم كفاءة الجيش، وليس دعم دولة أو جهة خارجية للمقاتلين، على حد قوله.

وعزز رأيه بالقول إن تحليل الموقف العسكري على الأرض، يشير إلى أن إقليم تيغراي حبيس بلا منافذ، موضحا أن من جهة الشمال والشرق تحده إريتريا، والأخيرة معادية للإقليم، وسبق أن ساعدت القوات الإثيوبية في هجمات متفرقة، ومن جهة الغرب توجد منطقة الحمرة وهي فاصلة بين الإقليم والسودان وتتمركز بها قوات إثيوبية، لمنع تسلل المقاتلين إلى الداخل السوداني.

وأضاف أن سيطرة التيغراي على منطقة الحمرة الإستراتيجية، محفوفة بالمخاطر، نظرا لمحاصرتها من قبل 3 فرق عسكرية إريترية تتمركز بمنطقة أم حجر، وأخرى إثيوبية في الجزء الشرقي بإقليم العفر.

وتوقع أنه إذا سيطر التيغراي على منطقة الحمرة، فسيحققون مكاسب كبيرة وسيؤدي ذلك لسقوط الحكومة؛ نظرا لوقوعها بمنطقة مرور الطريق البري والسكة الحديد الواصلة بين أديس أبابا وجيبوتي، وهو خط يغذي أديس أبابا وتعتمد عليه بنسبة 90% في اقتصادها، حسب قوله.

أزمة معقدة

ومن جهته، أكد الدبلوماسي المصري السابق فرغلي طه، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الأزمة في تيغراي معقدة وتؤثر على المنطقة والعالم.

وفيما يتعلق بموقف بلاده منها، أوضح في تصريحات للجزيرة نت، أن النزاع في إثيوبيا يشهد ممارسات ضد الإنسانية، ويجري في نطاق المصالح الإستراتيجية المصرية السودانية نظرًا للجوار المشترك، مضيفًا "لا أمانع كمواطن مصري استخدام أية وسيلة في سبيل الدفاع عن المصالح المصرية".

وأشار إلى أن المبدأ في العلاقات الدولية، هو عدم التدخل في شؤون الغير، بينما تبقى المشكلة تجاوز إثيوبيا لهذه المبادئ، وعدم الحرص على علاقات طبيعية، وتهديد المصالح المصرية، رغم المفاوضات المستمرة في ملف السد منذ 10 سنوات.

المصدر : الجزيرة