معتقلو إجراءات الجيش بالسودان.. ماذا قالوا عن ظروف وكيفية اعتقالهم بعد الإفراج عنهم؟

SPLM-N Secretary General Yasir Arman meets cabinet members on peace process in Khartoum
إبراهيم الشيخ آخر من أطلق سراحه من قيادات الحكومة المعزولة (الأناضول)

الخرطوم- يقول "كتاب" الانقلابات العسكرية في السودان، بصفحاته المتعددة، إن التحرك الناجح يحتاج لإعلان حالة الطوارئ، والمسارعة في توقيف كافة المعارضين.

هذا ما جرى صبيحة 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث قامت السلطات العسكرية بتوقيف عدد من قادة الحكومة الانتقالية، وحاضنتها السياسية، على مستوى العاصمة الخرطوم والولايات، إلى جانب اعتقال عدد من النشطاء والصحفيين.

وبعد توقيع الإعلان السياسي بين قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، بدأت السلطات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وكان آخرهم وزير الصناعة في الحكومة المعزولة والقيادي بحزب المؤتمر إبراهيم الشيخ اليوم الثلاثاء، وعضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، أمس الاثنين، في حين لا يزال آخرون -حتى كتابة التقرير- رهن الاعتقال.

وثارت أسئلة كثيرة بشأن دواعي الاعتقال، والطريقة التي يتم بها، ومدى قانونية الخطوة، ذلك إلى جانب معرفة أسباب إطلاق سراح هؤلاء، وإذا كان وراءها صفقة سياسية.

مخاوف وإشاعات

أحاطت ظلال من الشك المصحوب بالخوف الشارع السوداني صبيحة يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول والأيام التالية له، جراء العجز الكبير في الوصول إلى المعلومات الموثوقة بشأن المعتقلين، لا سيما في ظل انقطاع خدمة الإنترنت، ورداءة شبكات الاتصالات.

وسرت أنباء عن تعرض بعض المعتقلين للضرب المبرح، على يد عناصر القوات الأمنية، إلى حد نقلهم إلى المشافي في حالاتٍ خطرة.

وكان البرهان، في أولى ظهور صحفي بعد "الانقلاب"، أكد سلامة المعتقلين، وتعهد بإطلاق سراحهم، والتعامل القانوني مع من توجه له تهم جنائية.

تباين بشأن المعاملة

وصف ماهر أبو الجوخ المفوض المالي والإداري لشركة الأندلس، المالكة لقناة طيبة، والخاضعة لعمليات المراجعة بواسطة لجنة إزالة تمكين نظام عمر البشير؛ تعامل القوة التي اقتادته من منزله صبيحة الانقلاب "بالاحترافي".

وقال أبو الجوخ للجزيرة نت إن قوة عسكرية مسلحة تقدر بنحو 10 إلى 15 عنصرا أمنيا بالأزياء المدنية، وصلت منزله بضاحية الدروشاب (شمالي الخرطوم)، في الثالثة والنصف صبيحة يوم "الانقلاب"، وأمروه بمصاحبتهم لصدور أمر اعتقال بحقه.

وأشار إلى أن قائد القوة سمح له بارتداء ملابس لائقة، وتجهيز حقيبة صغيرة تحوي ملابس ومتعلقات شخصية، ومن ثم اقتيد إلى معتقل أمني معروف "بالثلاجات" لبرودة غرفه، ويقع بمدينة بحري (شمالي العاصمة).

وقال إنه خلال الاعتقال الذي امتد 33 يومًا لم يتعرض لأي عنف لفظي أو جسدي، وتمت معاملته ورفاقه باحترام، بعكس ما كان يجري إبان حقبة نظام الرئيس المعزول عمر البشير على حد وصفه. لكنه عاد وأضاف أن حجزهم تمّ بطريقة انفرادية، مما حصر أمر مقابلته بقية المعتقلين من قبيل الصدفة بممرات المعتقل، أو إبان فترات الرياضة اليومية، وهو ما أدى إلى دخولهم في عزلة تامة عما يجري بالخارج.

كومبو لـ عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي سليمان المعروف ب "واد الفكي" ووزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف المعروف بـ "سلك"
خالد عمر (يمين) ومحمد الفكي من أبرز قيادات المكون المدني الذين اعتقلوا قبل أن يفرج عنهم لاحقا (الصحافة السودانية)

وسبق لماهر أن خضع للاعتقال إبان الثورة على البشير، ولم يفرج عنه إلا بعد الإطاحة بالنظام، وفي هذه المرة تمّ الإفراج عنه قبل أيام فقط، بعد التوقيع على الإعلان السياسي الذي نص في أحد بنوده على إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وبعد تهديدهم بالدخول في إضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم.

وقدّر أبو الجوخ أن أسباب اعتقاله مردها تحذيره المستمر من وجود إرهاصات بانقلاب عسكري ضد الحكومة الانتقالية، وسخر من المزاعم التي تقول إن اعتقالهم تم بعقد صفقة سياسية، أو بعد مشاورات بينهم وبين قادة الانقلاب.

في المقابل، كتب وزير رئاسة مجلس الوزراء في الحكومة المعزولة خالد عمر يوسف عن ظروف توقيف مغايرة تعرض لها، "حيث تم الاعتداء عليه بالضرب أثناء توقيفه" كما قال، بيد أن خالد عاد وأمّن على كلام أبو الجوخ بشأن التعامل المحترم الذي وجدوه داخل المعتقل.

وبشأن ظروف اعتقال وزير الصناعة المعزول إبراهيم الشيخ، استنكرت زوجته المحامية أماني مالك، في لقاء مع قناة "سودان بكرة" الطريقة القاسية التي تعاملت بها القوة المنفذة لأمر الاعتقال.

وقالت إن أفراد القوة التي يعتقد أنها خليط من عدة كيانات أمنية، أثارت الذعر وسط أفراد أسرتهم، بل ووجه أحد عناصر القوة السلاح إلى رأس الشيخ مباشرةً.

تحركات

وكانت بعض الأسر وهيئات الدفاع طالبت بإطلاق سراح المعتقلين بصورة فورية، محملة السلطات مسؤولية أية أضرار تطالهم.
وضمن خطابات عديدة اطلعت عليها الجزيرة نت، نشير إلى خطاب أسرة القيادي بلجنة إزالة التمكين وجدي صالح، وخطاب هيئة الدفاع عن رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور.

واعتقل غندور بعد أقل من 24 ساعة من إطلاق سراحه على يد النائب العام المُقال بعد أيام من تسلم الجيش السلطة.
وألقي القبض على غندور لأول مرة في 29 يونيو/حزيران 2020 بتهمة الضلوع في التخطيط لأعمال تخريبية.

Sudan's Foreign Minister Ibrahim Ghandour is seen during a meeting with Egypt's Foreign Minister Sameh Shoukry (not pictured) in Cairo, Egypt June 3, 2017. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
إبراهيم غندور أعيد اعتقاله بعد أقل من 24 ساعة من إطلاق سراحه بعد أيام من تسلم الجيش السلطة (رويترز)

استجابة للضغوط

يشدد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي عمار عوض على أن قادة الانقلاب استندوا في تحركاتهم ضد المعارضين إلى قانون الطوارئ الذي ما يزال ساريا. وقال عوض للجزيرة نت إن عمليات الاعتقال الأخيرة في طابعها تشير إلى مساعي العسكر الرامية إلى تأمين الأوضاع الجديدة من التحركات المناوئة وإن جرت التسويق للاعتقالات بوجود تهم جنائية ضد الموقوفين.

ورجح عوض أن يكون إطلاق سراح المعتقلين نتاجا للضغوط التي تعرض لها النظام داخليا وخارجيا، علاوة على تعهدات قادته بإنفاذ الخطوة عقب التوقيع على الإعلان السياسي.

وإن كان النظام السوداني بدأ إخلاء المعتقلات من الساسة بناء على نصوص الإعلان السياسي، فالمخاوف ما تزال قائمة اليوم، مع استمرار حالة الطوارئ، ووجود اتجاه قوي لملاحقة المعارضين في المحاكم بتهم التحريض على الفتنة، والإساءة للجيش السوداني.

المصدر : الجزيرة