رغم التشدد الإيراني.. لهذه الأسباب تتفاءل واشنطن مع بدء مفاوضات فيينا

4 أسباب موضوعية تدعو إلى التفاؤل مع عودة التفاوض في الملف النووي الإيراني: أهمها التغيّرات الإقليمية بميل طهران إلى التطبيع مع دول الخليج، وسعي الأخيرة إلى الاستفادة من رفع العقوبات عن إيران وإصدارها بيانا مشتركا مع واشنطن بهذا الخصوص، ثم هدف حكومة رئيسي لرفع العقوبات كونها أساسا في دبلوماسيته، ووجود اتفاق عام 2015 الذي يُسهل رفع العقوبات فنيا.

Iran nuclear deal talks in Vienna
محادثات سابقة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني في فيينا (الأناضول)

واشنطن – مع انطلاق جولة مفاوضات جديدة من مباحثات الملف النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا تتأرجح آراء الخبراء الأميركيين حول مخرجات هذه الجولة التفاوضية الأولى بعد توقف امتد لنحو 5 أشهر.

وفي حين هناك تفاؤل بالتقدم نحو إعادة العمل بأغلب بنود الاتفاق القديم، يطلق كثير من المعلقين اليمينيين والجمهوريين أسهم تشاؤمهم مكررين نقاط الخلاف بين الطرفين الإيراني والأميركي، التي اتسعت منذ انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2018 من الاتفاق الموقع عام 2015.

وينطلق هذا التشاؤم من تشدد إدارة الرئيس جو بايدن وعدم العودة للاتفاق النووي، حسب ما تعهد خلال حملته الانتخابية من جانب، ووصول إبراهيم رئيسي للرئاسة ممثلا لسيطرة التيار المتشدد داخل إيران من جانب آخر.

وصول إبراهيم رئيسي إلى الرئاسة في إيران ممثلا لتيار متشدد يدفع إلى تعزيز التشاؤم من مفاوضات فيينا (الجزيرة)

سياق التشاؤم

عززت كثير من التقارير الأميركية عن جولة المفاوضات الجديدة فرص فشلها، ووصل البعض إلى توقع عدم جدية إيران بشأن العودة إلى اتفاق عام 2015، واستمرار سعيها للحصول على سلاح نووي.

ومنذ انسحاب واشنطن من الاتفاق، عادت إيران لتطوير برنامجها النووي في الوقت الذي أعادت فيه الولايات المتحدة فرض كل العقوبات التي رفعها اتفاق 2015، إضافة إلى مزيد من العقوبات على مختلف قطاعات الاقتصاد الإيراني.

وتتبنى الولايات المتحدة وإيران خطابا متشددا من المفاوضات، وسط إشارات صادرة من الطرفين باستعدادهما للانسحاب من جولة المفاوضات الجديدة.

وتهدف إدارة بايدن إلى العودة للاتفاق القديم مع إطالة أمده الزمني، في وقت يؤكد فيه فريق التفاوض الأميركي أنه لن يرفع العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب مرة أخرى، ما لم تعد إيران إلى الامتثال الكامل ببنود الاتفاق.

من جانبها، تهدف إيران إلى وقف كل العقوبات، في وقت رفعت فيه معدلات تخصيب مخزونها من اليورانيوم بنسبة 60%. وهو ما يخفض تقديرات الفترة التي تحتاج إليها لصنع قنبلة نووية من عام -بموجب اتفاق عام 2015- إلى بضعة أشهر في الوقت الراهن.

في المقابل، هناك 4 أسباب موضوعية تدعو للتفاؤل بشأن عودة التفاوض بين الطرفين، في وقت تتجاهل فيه أغلب التقارير والدراسات الأميركية الفرصة التي تمثلها القنوات الدبلوماسية، خاصة بعد إعلان الرئيسين الإيراني والأميركي دعمهما استئناف المفاوضات بهدف استعادة العمل باتفاق 2015، على الرغم من المخاوف من احتمالات الفشل.

وضوح هدف إيران برفع العقوبات

تتجاهل التقارير الأميركية بوضوح إبراز رغبة طهران الواقعية في رفع العقوبات عنها. ويكرر المسؤولون الإيرانيون بوضوح أن عودة إيران إلى طاولة المفاوضات هدفها واضح ومنطقي، وهو رفع العقوبات. وبالطبع تصر الحكومة الإيرانية على أنها ليست متلهفة إلى رفع العقوبات، وعلى أنه رغم صعوبة الوضع الاقتصادي، إلا أنه مستقر.

وقد ذكر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي مرارا وتكرارا أن رفع العقوبات هو هدف لحكومته، وكرر خلال حملته الانتخابية، ثم في مراسم تنصيبه، التأكيد على محورية هذا الهدف.

من جانبه، أشار وزير النفط الإيراني إلى نقص كبير في الاستثمار بالسنوات الأخيرة، وإلى أن إيران تحتاج إلى مبلغ ضخم يُقدر بـ160 مليار دولار لإعادة قطاع الطاقة إلى مساره الصحيح. وقال إن العقوبات حرمت إيران من 100 مليار دولار من عائدات النفط.

تغيّر الإطار الإقليمي

عارضت إسرائيل وبعض الدول الخليجية بشدة التوصل إلى اتفاق النووي عام 2015، واليوم تقف إسرائيل وحيدة في معارضتها التوصل إلى اتفاق جديد مشابه، أو إعادة العمل بالاتفاق القديم.

فقد برزت الدبلوماسية الإقليمية هدفا لحكومة إبراهيم رئيسي، خاصة ما يتعلق بتطبيع علاقات بلاده مع دول الخليج بعد توتر كبير في السنوات الأخيرة. وشهدت الأسابيع الماضية -بالفعل- نشاطا دبلوماسيا جمع طهران بالرياض وأبو ظبي، كل على حدة.

وتسهم هذه التطورات في الدفع الدبلوماسي للمحادثات النووية، حيث يحتاج الشركاء الإقليميون إلى رفع العقوبات الأميركية عن إيران لفتح آفاق التعاون الاقتصادي مع إيران.

من هنا، لم يكن مفاجئا صدور بيان مشترك من الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي أشاروا فيه إلى دعم استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي مع إيران)، وتطلع دول مجلس التعاون إلى الاستفادة من الفرص التي يخلقها تخفيف العقوبات.

وقد يدفع الدمج السياسي لإيران مع جيرانها بالمفاوضات النووية إلى الأمام إذا أدركت واشنطن طبيعة مستقبل علاقات الطرفين بعد رفع العقوبات، الذي يُتوقع معه أن تخف حدة معارضة بعض الدول الخليجية لأي اتفاق أميركي مع إيران، على النقيض من رؤيتها لاتفاق عام 2015.

ولفت بيان دول المجلس وواشنطن المشترك إلى أن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران -بعد رفع العقوبات الأميركية عنها- سيصب في مصلحة المنطقة بأسرها.

خبرة اتفاق عام 2015

من ناحية أخرى، توفر خبرة التفاوض والتوصل إلى توقيع اتفاق عام 2015، وما تبعه من تطبيق آلية رفع العقوبات عن إيران، بدائل سهلة يمكن العودة إليها للعمل على الجزء الفني المتعلق بالعمل على عودة الالتزام بالاتفاق النووي السابق.

وبهذا، لن تبدأ فرق التفاوض من الصفر في جولة مفاوضات فيينا الجديدة، ولا تطالب إيران ولا الولايات المتحدة بإعادة التفاوض بشكل أساسي على كل بنود الاتفاق. ويسعى الطرفان إلى الحصول على الصفقة القديمة لكن بشكل أفضل، وأن تكون أكثر استدامة زمنيا.

وتمتلك إيران والدول الست الكبرى المفاوضة فهما أكثر يسمح بعدم التعثر في تخفيف العقوبات، وهو ما عانى منه الاتفاق السابق عند إبرامه منتصف عام 2015.

المصدر : الجزيرة