بعد 4 أشهر من إجراءاته الاستثنائية.. ألا يزال قيس سعيّد محافظا على زخمه الشعبي والحزبي بتونس؟

الرئيس التونسي قيس سعيد
الرئيس التونسي قيس سعيّد (مواقع التواصل)

تونس- مع دخول الإجراءات الاستثنائية التي أقرّها الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو/تموز الماضي شهرها الرابع، يتصاعد حجم القلق الذي يرد هذه المرة على لسان قوى سياسية ومدنية داعمة له، مطالبين إياه بتوضيح برنامجه والخروج من حالة الاستثناء التي تعيشها البلاد.

ويرى مراقبون أن عدم اكتراث سعيد بالأحزاب والقوى الوطنية التي دعمته في مسار 25 يوليو، وإقصاءها من الحوار الذي كان سيشكل أرضية للخروج من حالة الانسداد السياسي، وذهابه نحو تنفيذ مشروع "البناء القاعدي" والدعوة لاستفتاء إلكتروني، وسعت دائرة معارضيه ولو جزئيا.

ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي، تعاني تونس أزمة سياسية حادة، حيث بدأ الرئيس سعيّد سلسلة قرارات "استثنائية"، منها تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه النيابة العامة، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.

وترفض غالبية القوى السياسية في تونس هذه الإجراءات، وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

دعم مشروط

ولم تُخفِ قيادات من حركة الشعب -التي تُعدّ من أبرز الأحزاب الداعمة بقوة لإجراءات الرئيس- عن مخاوفها وخشيتها من تواصل الإجراءات الاستثنائية دون تسقيف زمني، داعية الرئيس لتوضيح برنامجه وتشريك القوى السياسية والمنظمات الوطنية في الحوار.

وكان القيادي في الحركة هيكل المكي قد صرّح لوسائل إعلام محلية أن حزبه سيحمي 25 يوليو/تموز حتى من قيس سعيد ذاته، لافتا إلى أن أصواتهم ستكون عالية في وجه أي انحراف بمسار 25 يوليو من أجل أي مشروع آخر أو بناء قاعدي قد يذهب فيه الرئيس.

المخاوف من انحراف قيس سعيد بالسلطة، وردت أيضا على لسان النائب في البرلمان المجمدة أعماله عن حركة الشعب سالم لبيض الذي خصص مقالا مطولا لتقييم أداء الرئيس، مشيرا إلى أن التدابير الاستثنائية استوفت مدتها ولم يعد هناك خطر داهم أو جاثم يهدد البلاد، إلا الانفراد بالسلطة والحكم.

لبيض دعا الرئيس أن يلعب دور الأب المجمع لا دور السياسي المنفر الذي كلما تكلم أضاف إلى رصيده معادين جددا، وبدلا من أن يوسع جبهة الأصدقاء يزيد من حجم فسطاط الأعداء، وفق تعبيره.

وفي هذا الخصوص، يوضّح القيادي بحركة الشعب أسامة عويدات -للجزيرة نت- أن ما وصفها بلحظة 25 يوليو/تموز كانت فارقة في تاريخ تونس، وأنهت 10 سنوات من "منظومة الفساد"، لكن حزبه بات يخشى ألا تحقق هذه اللحظة الأهداف التي قامت من أجلها.

وأضاف ما نعيبه في مسار قيس سعيد بعد ذلك التاريخ هو البطء في اتخاذ الإجراءات والغموض في مشروعه الإصلاحي، مما يدخل الشك والقلق في صفوف من سانده خصوصا الشباب الذي ينتظر العدالة الاجتماعية.

وعبّر عويدات عن خشيته من أن تستغل منظومة ما قبل 25 يوليو هذه الهنات لإعادة التموقع من جديد في المشهد السياسي، داعيا الرئيس لإشراك الأحزاب والمنظمات الداعمة لإجراءاته في الحوار الوطني.

ودعا القيادي في حركة الشعب الرئيس أن يكون في مستوى الثقة التي منحتها له الفئات المهمشة والفقيرة، وأن يتراجع عن قراره عدم تفعيل القانون رقم 38 الخاص بتشغيل الشباب المتعطل عن العمل ممن طالت بطالتهم، فضلا عن فئة عمال الحظائر.

ويتهم جزء كبير من الشباب العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات العليا، الرئيسَ بنكث عهوده الخاصة بتفعيل القانون رقم 38 الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب وختمه الرئيس وأمر بنشره في الجريدة الرسمية للبلاد، ليصرح منذ يومين أنه قانون غير قابل للتنفيذ.

وتخوض هذه الفئة من الشباب -التي تؤكد أنها كانت من أبرز المساندين للرئيس ولإجراءات 25 يوليو- تحركات احتجاجية ضده في أكثر من محافظة تونسية، وصلت حد اقتحام مقارّ حكومية وتنفيذ اعتصامات داخلها بهدف الضغط على السلطات لتنفيذ تعهداتها السابقة.

تغير المواقف

بدورها، اتهمت رئيسة حزب الدستوري الحر عبير موسي التي تعد -بحسب مراقبين- أكبر المستفيدين من إجراءات الرئيس، بعد إطاحته بخصمها اللدود حركة النهضة من الحكم، باستغلاله إمكانات الدولة للتسويق لمشروعه السياسي الجديد.

وقالت عبير في تصريحات إعلامية إن "الرئيس يسعى بعد 25 يوليو/تموز لتأسيس دولة الخلافة، وبأنه ضحك على ذقون التونسيين"، كما اعتبرت دعوته لإجراء استفتاء إلكتروني مع الشباب بأنها جريمة بحق الدولة واستغلال لأموال الشعب، لتحقيق منافع شخصية وأهداف سياسية.

وأعلن الدستوري الحر عن توجيهه محضر تنبيه لوزير تكنولوجيات الاتصال يحذره فيه من مغبة الاستجابة لطلب الرئيس إجراء حوار مع الشباب عبر المنصات الإلكترونية، واعتبار ذلك جريمة يعاقب عليها القانون من خلال "استعمال السلطة لتنفيذ منفعة سياسية شخصية".

غياب برنامج حكم واضح للرئيس وعدم تحديد سقف زمني للخروج من حالة الاستثناء، دفع أيضا بمنظمة اتحاد الشغل للخروج عن صمتها، حيث صرح ناطقها الرسمي سامي الطاهري بأن منظمة الشغيلة "لن تقبل بمشهد يتم فيه التصحير السياسي والاجتماعي، وإلغاء دور الأحزاب والمنظمات".

شرعية على المحك

وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الأمين العام السابق للتيار الديمقراطي محمد عبو -الذي كان من أبرز المساندين لإجراءات الرئيس، والداعين لتفعيل الفصل 80 من الدستور- أن الأخير انقلب على الهدف الحقيقي من مسار 25 يوليو، وانطلق في تحقيق مطامعه الشخصية على حساب مصلحة تونس.

وأشار عبو إلى أن تعامل الرئيس بعد 4 أشهر من التدابير الاستثنائية في علاقته بالمنظومة التي حكمت وبرموز الفساد، لا يعطي انطباعا بوجود رغبة حقيقية في الإصلاح ومحاربة الفساد والتطرق للقضايا المهمة.

وحذر -في ختام حديثه- من مغبة خرق الدستور، مضيفا أنه في حال قام سعيّد بتلك الخطوة فإنه يكون قد فقد شرعيته رئيسا للجمهورية، وتصبح كل الوسائل متاحة.

شعبية متواصلة

من جانبه، يرى المحلل السياسي طارق الكحلاوي أن قيس سعيد، رغم تراجعه في نوايا التصويت وثقة النخب بشكل خاص وارتكابه أخطاء في الحكم، فإنه لا يزال يحظى بشعبية بالغة، ولا يزال لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي.

ولفت -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن جزءا من النخب وإن أخذت موقفا منه واتهمته بالانقلاب على الدستور وعمله على خدمة مشروعه السياسي، فإنها غير مستعدة لأن تعلن عداءها له وأن تصطف مع حركة النهضة.

وأشار إلى أن أطرافا سياسية ساندت الرئيس طمعا، وكانت تعتقد أنه سيشركها في السلطة لتنقلب عليه بعد ذلك، وآخرون ساندوا إجراءات 25 يوليو نكاية في خصم أيديولوجي بعينه.

وشدد الكحلاوي على أن ما وصفها بالحصيلة الكارثية لمنظومة ما قبل 25 يوليو خلال السنوات العشر الأخيرة، "جعلت الرئيس يحظى بشعبية كبيرة مستغلا رصيد الكراهية ونقمة الشعب من الأحزاب التي كانت تحكم سابقا".

يشار إلى أن آخر استطلاعات الرأي أظهرت تراجعا ملحوظا في ثقة التونسيين بالرئيس قيس سعيد بـ11 نقطة مقارنة بالشهر الماضي، لكنه في المقابل لا يزال يحظى بأعلى رصيد مقارنة بغيره من الشخصيات السياسية بحدود 66%.

المصدر : الجزيرة