صدمة وتحفظ وانتظار.. كيف ينظر الشارع السوداني إلى اتفاق البرهان حمدوك؟

لم يركز الجدل الذي ساد مجالس السودانيين ومنصاتهم على مضمون الاتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك بقدر اهتمامهم بدواعي إقدام حمدوك على هذا التوقيع، حيث يرى كثيرون أن الرجل خذل مؤيديه بينما يدعو آخرون للتريث وعدم التسرع في الحكم على قبول حمدوك الاتفاق.

عبد الله حمدوك (يمين) والفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان عقب توقيعهما الاتفاق السياسي بعد أكثر من 3 أسابيع من الإجراءات التي قام بها الجيش (الأوروبية)

الخرطوم – انقسم الشارع السوداني بصورة كبيرة حيال الاتفاق السياسي الذي جرى توقيعه أول أمس الأحد بين قائد الجيش رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك بعد أسابيع من الاحتقان السياسي الذي ميز الساحة السياسية على مدى الـ3 أسابيع الماضية بعد الإجراءات التي قام بها قائد الجيش وحل بموجبها الحكومة المدنية وعطل بعض بنود الوثيقة الدستورية وأعلن حالة الطوارئ بالبلاد.

ولم يركز الجدل الذي ساد مجالس السودانيين ومنصاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي على مضمون الاتفاق وما إذا كان يمثل مخرجا للأزمة بقدر اهتمامهم بدواعي إقدام حمدوك على هذا التوقيع؛ حيث يرى كثيرون أن الرجل خذل مؤيديه وهو يمد يديه لقائد الجيش المتهم بالانقلاب على الشركاء المدنيين في ائتلاف الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، كما يعتبر البرهان في نظر هؤلاء مسؤولا عن دماء عشرات الشباب الذين قضوا بيد قوات أمنية خلال المواكب السلمية التي خرجت للاعتراض على قراراته المتخذة في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي .

وفي المقابل يدعو آخرون للتريث وعدم التسرع في الحكم على قبول حمدوك بالاتفاق من واقع أن الرجل كان قيد الإقامة الجبرية لأكثر من 3 أسابيع ولا يعرف حجم الضغوط التي تعرض لها للقبول بالتوقيع مع البرهان لا سيما أنه أمضاه بعد أقل من ساعتين على مغادرته محبسه الإجباري، كما يقولون.

وخلال مقابلة حصرية مع الجزيرة قال عبد الله حمدوك إن ما حصل في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من إجراءات بيد قائد الجيش ليست سوى استيلاء على السلطة بطريقة غير دستورية، ثم يضيف بالقول "في كل الأعراف ذلك انقلاب" ويشرح لاحقا أسباب موافقته العودة للعمل مع الفريق الذي انقلب عليه بالقول "الخيارات في الدنيا تظل محكومة بما هو ممكن.. نحن توصلنا لهذا الاتفاق لنفتح الطريق أمام بلادنا لتسير في طريق الحكم المدني".

 

 

مبررات غير مقنعة

ومع ذلك يرفض أحمد الطيب الطالب بجامعة السودان اتفاق الرجلين ولا يبدو مقتنعا بالمبررات التي ساقها حمدوك، ويقول الطيب للجزيرة نت إنه لم يحفل حتى بمعرفة بنود الاتفاق وإن ظهور حمدوك بجانب البرهان وحميدتي كان كافيا أمامه ليصرف النظر عن متابعة التفاصيل، ويضيف "مباشرة خرجت للانضمام إلى الاحتجاجات الرافضة للاتفاق".

أما طلال التوم أحد شباب لجان المقاومة فيقول للجزيرة نت -بينما كان منشغلا بوضع قطع من الإسمنت لإغلاق طريق جانبي بضاحية السجانة إمعانا في التعبير عن رفض الاتفاق- إن توقيع البرهان وحمدوك على اتفاق مشترك كان "لطمة" في وجوه الشباب الثائر ضد العسكر وسلوكهم العدواني في مواجهة المتظاهرين السلميين، ويرى أن توقيع الاتفاق ليس سوى تأزيم للأوضاع لأن رافضيه أكثر من مؤيديه علاوة على أنه لن ينهي آلة القتل كما يزعم حمدوك وفق رأيه.

وكتب الإعلامي الطيب عبد الماجد على صفحته بالفيسبوك قائلا "الآن حمدوك بين صدمة مراهنين وتحفظ مؤملين وانتظار مراقبين"، ويضيف "أي دعوة لتأييده بالمطلق لن تجد صدى لأن حساسية المشاعر الآن قد لا تسمح بذلك، هناك مسائل يرفعها القلب للعقل فيستجيب العقل ويقوم بتمريرها والموافقة عليها".

 

 

وتعارض ندى الرشيد اتفاق حمدوك والبرهان بشدة وترى فيه تعقيدا إضافيا للمشهد السياسي المحتقن أصلا بسبب عمليات القتل الواسعة التي نفذتها القوات النظامية ضد الشباب السلميين ولا تخفي الشابة -وهي طبيبة صيدلية- دهشتها من موافقة رئيس الوزراء على العودة لمنصبه بكل تلك البساطة كما تسميها ومن دون ضمان أي محاسبة أو قصاص لمن قتلوا وهم غاضبون لأجل اعتقاله والوزراء ورافضين الانقلاب على حكومته الشرعية.

مخرج للأزمة

لكن عماد حسن يعد الاتفاق الموقع بين البرهان وحمدوك مخرجا مؤقتا للأزمة الحالية ويقول إنه استخدم أكباش فداء بداية من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وليس انتهاء بالأحزاب الأربعة التي كانت تتسيد المشهد السياسي والمتهمة بمنح الفرصة لـ"انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول" كذريعة وحيدة معلنة .

ويرى حسن -في حديثه للجزيرة نت- أن الاتفاق يظل مقبولا في حده الأدنى وهو عودة حمدوك إلى منصبه كرئيس وزراء، وانتظار تنامي هذه المقبولية لحين معرفة ما دار خلف الكواليس من جهة، وما سيفعله الرجل في مقبل الأيام من مواقف وقرارات تؤثر حقيقة على أرض الواقع السياسي، وبالتالي تخفف الاحتقان في الشارع وفي أروقة القوى السياسية، وبالتالي لا يمكن من وجهة نظره الحكم حاليا على الاتفاق السياسي نفسه، قبل معرفة ما تخبئه الأيام المقبلة.

 

 

من جهتها، تعتقد شهد التاي -وهي ربة منزل- أن انفراج الأزمة السياسية في السودان يعتمد على عاملين أولاهما التفاصيل التي سيشملها "اتفاق حمدوك- البرهان" والتي ستثبت مدى جدية الجيش واللجنة الأمنية في الإصلاح والتحول الديمقراطي، والعامل الثاني كما تقول للجزيرة نت يتمثل في مقدرة حمدوك على إقناع الشارع السوداني والكفاءات الوطنية بدعم تصرفه المستقل عن حاضنته السياسية التقليدية.

وتضيف "إذا قبلت اللجنة الأمنية بالإصلاحات المطلوبة في الجيش والقوات النظامية الأخرى بما يحقق شكل من أشكال الاستقرار الأمني وتمكن حمدوك من النجاح في إدارة الدولة بما يحقق استقرار اقتصادي نوعي في حياة المواطنين وإدارة المؤتمر الدستوري والعملية الانتخابية عندها فقط سيعبر السودان إلى آفاق الديمقراطية المستدامة".

 

 

ويرحب محمد جابر عبد الله -القيادي في حركة العدل والمساواة بقيادة بخيت دبجو- بـ"اتفاق حمدوك- البرهان" كخطوة مهمة لاستكمال الفترة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات في موعدها، ويشدد قبلها على ضرورة مراجعة إنفاذ كل اتفاقيات السلام المبرمة بين حكومة السودان وحركات الكفاح المسلح والالتزام بها، ومعالجة الاختلالات فيها بما يضمن تحقيق سلام شامل وعادل.

ويشدد جابر -في حديثه للجزيرة نت- على أهمية العمل على حماية النظام الدستوري والحفاظ علي الحريات الأساسية للعمل السياسي وحرية التعبير حاثا كل شركاء الفترة الانتقالية على بذل مزيد من الجهود لمعالجة القضايا العالقة على وجه السرعة لإكمال الانتقال السياسي بطريقة شاملة مع احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان واستكمال الانتقال الديمقراطي باعتبارها المخارج الأساسية لتسوية الأزمة السياسية في البلاد .

المصدر : الجزيرة