مخيم جنين مجددا.. لماذا اشتبكت أجهزة الأمن الفلسطينية مع مسلحين؟

أهم ما يميز المقاومة في جنين هو وحدة الأجنحة العسكرية في المدينة ومخيمها، واحتواؤها على كم كبير من الأسلحة والذخائر

حركتا حماس والجهاد الإسلامي نفتا أي علاقة لفصائل المقاومة بالفلتان وإطلاق النار على مقار السلطة (الأناضول)

رام الله – يعود مخيم جنين مجددا إلى الواجهة، لكن هذه المرة ليس في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، وإنما في العلاقة المتوترة -غالبا- مع السلطة الفلسطينية.

فقد شهدت مشارف المخيم (شمال الضفة الغربية) خلال اليومين الماضيين مواجهات بين السكان ومسلحين فلسطينيين من جهة، وقوة أمنية فلسطينية من جهة أخرى.

وبث ناشطون مقاطع فيديو تسمع فيها أصوات تبادل إطلاق النار، وصورا تظهر مهاجمة مركبات الأجهزة الأمنية بالحجارة.

وبينما تقول السلطة الفلسطينية إنها في عملية مستمرة لفرض الأمن تقول حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إن الهدف مجموعات مقاومة تلاحقها إسرائيل وتتخذ من المخيم ملاذا، ودعتا -عبر الجزيرة نت- إلى الحوار للحفاظ على رمزية المخيم من جهة وسيادة السلطة من جهة أخرى.

ويحظى المخيم برمزية خاصة منذ اجتياحه في أبريل/نيسان 2002، حيث تصدت الأجنحة العسكرية مجتمعة للاجتياح الإسرائيلي الذي أوقع نحو 52 شهيدا، وجرى فيه تدمير نحو 150 منزلا، وفي المقابل قتل 23 جنديا إسرائيليا.

جنين والهروب الكبير

لا يمكن النظر إلى أحداث جنين بمعزل عن تمكن 6 أسرى من المحافظة ذاتها من تحرير أنفسهم من سجن جلبوع الإسرائيلي في ما عرف بـ"الهروب الكبير" في 6 سبتمبر/أيلول الماضي، فقد ظهر في حينه ملثمون من مختلف الفصائل -بينهم مسلحون من حركتي الجهاد الإسلامي وحماس- ضمن ما عرفت بـ"الغرفة المشتركة" والتي تعهدت بتوفير الحماية للأسرى الفارين إذا وصلوا إلى المخيم، قبل إعادة اعتقالهم.

وبعد حادثة الهروب تكرر إطلاق النار على حاجز "الجلمة" الإسرائيلي (شمالي جنين) وأهداف إسرائيلية أخرى، بل يتكرر إطلاق النار على القوات الإسرائيلية في كل مرة تقتحم فيها المدينة.

القيادي بحماس وصفي قبها المسيرة الشبابية لدعم الأقصى بنابلس
القيادي في حماس وصفي قبها الذي كانت جنازته الحاشدة وظهور مسلحين من حماس والجهاد مصدرا لقلق السلطة (الجزيرة)

الجنازة الخطيرة

ثم جاءت جنازة القيادي البارز في حركة "حماس" في جنين وصفي قبها في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتي شهدها آلاف الفلسطينيين، وتخللها إطلاق نار في الهواء من قبل مسلحين يرتدون شارات مختلف الفصائل.

ما حدث في جنازة قبها كان استثنائيا من حيث مشاركة مسلحي حماس والجهاد، وربما هذا ما دفع مسؤولا فلسطيني لوصفها بالخطيرة.

ووصف كمال أبو الرب نائب محافظ المدينة لإذاعة "عَلم" المحلية أول أمس السبت مسيرة تشييع قبها بأنها "مؤشر خطير، كانت الحشودات من كل الضفة الغربية"، وقال إن ما يجري في جنين ليس حملة وإنما "عمل أمني مستمر من أجل فرض النظام والقانون على الجميع".

وحول مجريات ما حدث مساء يوم الجمعة الماضي، قال إن قوة أمنية حاولت اعتقال "أحد مثيري الشغب وإطلاق النار" فقابلها سكان المخيم بإلقاء الحجارة على قوات الأمن، مشيرا إلى تعرض القوة لإطلاق النار وإصابة مركبة بالرصاص.

وكشف مصدر فلسطيني من مخيم جنين للجزيرة نت أن جنازة قبها كانت مفاجئة، إذ استعدت الأجهزة الأمنية للجنازة في مدينة جنين، فيما جرى تحويل الجنازة والدفن إلى مخيمها، مما أتاح حضورا أكبر لمشيعين وظهور العناصر المسلحة.

ووفق المصدر ذاته، فقد جرى مؤخرا إحضار قوات أمنية من محافظات أخرى تمهيدا لدخول المخيم، لكنه يستبعد نجاح الخطة "لأن سكان المخيم يرفضون وجود السلطة".

جهود لحفظ الأمن

من جهتها، نقلت وكالة الأنباء الرسمية أمس الأحد عن محافظ جنين أكرم الرجوب قوله "إن كافة أبناء المؤسسة الأمنية يبذلون جهودا كبيرة في حفظ الأمن والنظام وإرساء سيادة القانون".

وأضاف أن "كل يد تمتد على رجال الأمن بالسوء هي يد آثمة غادرة تعيش على الفلتان والفوضى والتسلط على كرامات الناس وأرواحهم وممتلكاتهم"، وأدان "الأصوات المأجورة والمعزولة التي هاجمت في الأيام الماضية أبناء المؤسسة الأمنية في جنين".

أصابع إسرائيل وتغيير قادة الأمن

إسرائيل ليست بعيدة عما يجري في جنين، بل زعمت صحيفة يديعوت أحرونوت أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قرر تغيير قادة الأجهزة الأمنية في جنين، وأوعز بعملية عسكرية فيها بسبب ظهور مسلحي حماس والجهاد.

ونقلت الصحيفة مساء أول أمس السبت عن مصادر فلسطينية أن عملية كالتي تنفذ حاليا في جنين كانت مخططة قبل عام ونصف، لكنها ألغيت بعد تفشي فيروس كورونا، والذي بدأ في مارس/آذار 2020.

وأضافت أن السلطة الفلسطينية فقدت في الأشهر الأخيرة سيطرتها على أجزاء كبيرة من جنين بسبب تزايد "العصابات المسلحة"، مشيرة تحديدا إلى ارتباطها بالجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى وحماس.

وتقول الصحيفة إن دخول أجهزة الأمن الفلسطينية الأخير للمخيم كان البداية لعملية إعادة السلطة لجنين ودخول المخيم والبقاء فيه بشكل دائم.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أكد المتحدث باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية طلال دويكات وجود "تنقلات" في صفوف قادة الأجهزة الأمنية في جنين.

وأضاف دويكات في حديثه لإذاعة صوت فلسطين الرسمية أن "التنقلات جاءت في إطارها الطبيعي في إطار عملية تغيير هدفه تعزيز الحالة الأمنية، وشملت مدراء الأجهزة الأمنية في المحافظة".

الفصائل الفلسطينية في مخيم جنين شكلت غرفة عمليات مشتركة لصد أي عدوان إسرائيلي (الأناضول)

دعوة للحوار

حركتا حماس والجهاد الإسلامي دعتا عبر الجزيرة نت إلى الحوار، والحفاظ على رمزية المخيم من جهة، ومكانة السلطة من جهة أخرى، ونفتا أي علاقة لفصائل المقاومة بالفلتان وإطلاق النار على مقار السلطة.

ويقول القيادي في حماس خالد الحاج -وهو من مخيم جنين- إن "المخرج الحقيقي للأزمة الراهنة أن يفتح قادة الأجهزة الأمنية الجدد حوارا مع رجال وقامات المخيم الوطنية والإسلامية".

ودعا الحاج إلى "الحفاظ على المخيم ومكانته وقيمته وروحه الثورية المتوقدة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على مكانة السلطة بحيث لا يتم المساس بمكانتها أو سيادتها".

وينفي الحاج أن يكون مخيم جنين "يمثل حالة فلتان أمني أو وكرا للمخدرات وسارقي السيارات كما يزعم البعض"، بل إن "الإشكال مع المخيم أن مجموعات مقاتلة لإسرائيل ترفض دخول الاحتلال لمدينة جنين".

ويقول الحاج إن السلطة الفلسطينية لا تستطيع أن تفرض شيئا بالقوة على المخيم "والوجهة الصحيحة هي الحوار الحقيقي مع أهل المخيم والجلوس معهم والاستماع إليهم"، مشددا على أن المخيم بحد ذاته لا يشكل عبئا على السلطة أو حركة فتح، بل يشكل رافعة للوطن والمشروع الوطني والوحدة الوطنية، وأثبت جدارته عبر التاريخ، على حد قوله.

راية حماس وبندقية القسام في مخيم جنين
راية حماس وبندقية القسام في مخيم جنين تقلق إسرائيل وتربك السلطة (مواقع التواصل)

شيطنة المخيم

بدوره، ينفي القيادي في حركة الجهاد خضر عدنان للجزيرة نت أن تكون الحملة على مخيم جنين من أجل قضايا جنائية، إنما "لظهور سرايا القدس وكتائب القسام في تشييع جثمان الشهيد المهندس وصفي قبها كما صرح قيادي سياسي"، في إشارة إلى تصريحات نائب محافظ جنين.

ويتابع أن وجودهم "طبيعي في مخيم، كانت فيه حركة الجهاد الإسلامي والمقاومة الفلسطينية حاضرة بقوة في معركة المخيم (2002)، في وحدة حقيقية بين كافة الأذرع العسكرية: القسام وسرايا وشهداء الأقصى (محسوبة على حركة فتح)".

وشدد عدنان على أن سلاح حماس والجهاد لم ولن يرفع في وجه السلطة أو على الأجهزة الأمنية الفلسطينية، موضحا أن دخول عناصر أمنية تابعة للسلطة لمناطق جغرافية لا تعرفها قد يؤدي إلى "وقوع خسائر في الجانبين".

وأضاف أن الاحتلال يمتنع منذ 4 أشهر عن دخول مخيم جنين، ويريد من السلطة أن تقوم بذلك، مشيرا إلى أن القبضة الأمنية لن تفلح في التعامل مع أي منطقة بالضفة الغربية، وأن محاولة شيطنة المخيم ليست للصالح الفلسطيني العام، حسب قوله.

المصدر : الجزيرة