ماليزيا.. ظلال ثقيلة لانتخابات ملقا المحلية على الحكومة والمعارضة

يقول وزير الخارجية الماليزي الأسبق إن مفهوم الاستقرار السياسي عند الملايويين هو أن تكون السلطة بيدهم، مع مشاركة العرقيات الأخرى، وهو ما جعلهم يرجّحون كفة تحالف الجبهة الوطنية بقيادة حزب "أمنو" في الانتخابات المحلية.

أفراد من الشرطة يصطفون للإدلاء بأصواتهم مبكرا في انتخابات ولاية ملقا (غيتي)

كوالالمبور- لم تكد نتيجة الانتخابات المحلية في ولاية ملقا الماليزية تُعلَن السبت الماضي حتى بدأ قادة المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو) التلويح بانتخابات عامة مبكرة، وقد عكست العملية الانتخابية، برأي كثير من المراقبين، حالة التصدّع الذي يعاني منه ائتلاف الحكومة المركزية.

في هذه الأثناء، بادر نائب رئيس حزب أمنو، محمد حسن، بدعوة الحكومة إلى تجاهل اتفاق التعاون مع المعارضة، الذي يضمن استقرار الحكومة، ويفترض أن ينتهي العمل به في يوليو/تموز من العام المقبل.

وقال حسن، في تصريحات صحفية، إنه تحدث مع رئيس الوزراء إسماعيل صبري بهذا الشأن، وبيّن أن التعاطف الشعبي الذي حصل عليه تحالف الجبهة الوطنية يجعل الوقت مناسبا لإجراء انتخابات البرلمان المركزي.

وقد حكم تحالف الجبهة الوطنية ماليزيا بقيادة (أمنو) أكثر من 6 عقود، وخسر السلطة في انتخابات عام ٢٠١٨، ثم عاد إليها عام ٢٠٢٠ ضمن شراكة مع أحزاب أخرى منافسة.

وتهيمن الأحزاب الملايوية على تشكيلة الحكومة المركزية، وهي الحكومة الثالثة منذ انتخابات مايو/أيار عام 2018، وتعدّ امتدادا لحكومة محيي الدين ياسين الذي استقال في أغسطس/آب الماضي.

حامد البار وزير الخارجية الماليزي الأسبق: لعب أمنو على الوتر العرقي في حسم الانتخابات المحلية لمصلحته (الجزيرة)

العامل العرقي

ويرى وزير الخارجية الماليزية الأسبق حامد البار أن الفوز الساحق لتحالف الجبهة الوطنية من شأنه أن يقصّر عمر الحكومة المركزية، لا سيما مع وجود تصدعات كبيرة بين أركانها الرئيسة وهي: حزب أمنو الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، وحزب بِرساتو (وحدة أبناء الأرض) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، والحزب الإسلامي الماليزي (باس).

ويعزو البار حسم الجبهة الوطنية الانتخابات المحلية في ملقا بغالبية الثلثين (21 من 28 مقعدا) إلى تفوّق حملتها الانتخابية على الأحزاب الأخرى، وتجنيدها جيشا إلكترونيا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وكذلك التواصل الفردي المباشر مع الناخبين في ظل غياب حملات انتخابية جماعية بسبب إجراءات كورونا.

وبرأي البار، فإن الوسائل المبالغة مكّنت ناشطي أمنو من التهويل من خطر حزب العمل الديمقراطي الذي يهيمن عليه ذوو الأصول الصينية.

ويضيف وزير الخارجية الأسبق -للجزيرة نت- أن تجربة حكومة "تحالف الأمل" بعد انتخابات 2018 عززت المخاوف لدى الملايويين، مضيفا أن "تمكّن الصينيين والهنود من مؤسسات الدولة أثار مخاوف الملايويين، وهو ما استغله أمنو بشكل كبير، فظهر كأنه يخيّر الناخب الملايوي بين الحفاظ على الوطن والدين معه أو ضياعهما باختيار حزب العمل الديمقراطي".

وهو ما يؤكده البار بقوله إن مفهوم الاستقرار السياسي عند الملايويين هو أن تكون السلطة بيدهم مع التعاون ومشاركة العرقيات الأخرى.

الرغبة في الاستقرار السياسي

ويؤيد المراقبون ما ذهب إليه البار من أن الرغبة في الاستقرار السياسي كانت عاملا رئيسيا في الزخم الذي حصل عليه أمنو والجبهة الوطنية.

ويقول جمال شمس الدين، وهو شخصية اجتماعية يرأس منظمة غير حكومية، إن الناخبين فضّلوا العودة للاستقرار السياسي على محاكمة الساسة على ماضيهم، بخاصة أن ماليزيا لم تشهد استقرارا منذ الإطاحة بحكومة الجبهة الوطنية في آخر انتخابات عامة.

ويعزو كثيرون خسارة حزب برساتو، رغم كونه في السلطة، إلى رفض شعبي للنواب الذي يبدلون ولاءهم بعد انتخابهم، فمعظم ممثلي برساتو في البرلمان انتخِبوا على قائمة أمنو في الانتخابات السابقة.

رئيس الوزراء الماليزي محيي الدين ياسين (رويترز)

خيارات الائتلاف الحاكم

ووضعت نتائج انتخابات ملقا الحكومة المركزية أمام واقع جديد، هو تفرّد حزب واحد بحكومة الولاية، في حين حصل تحالف "العقد الوطني"، الذي يقوده حزب برساتو، على عضوين في المجلس التشريعي المحلي فقط.

وبعد أن كان الحزب يقدم نفسه على أنه من يقود الائتلاف الحاكم، سارع رئيسه محيي الدين ياسين إلى رفض فكرة حلّه والانضمام إلى أمنو، في محاولة للحفاظ على تماسك الحكومة.

ويرى البار أن الحزب الإسلامي (باس) ارتكب خطأ كبيرا بمحاولته أن يكون بديلا لحزبي برساتو وأمنو، وتسبب في شكوك كبيرة بشأن صدق اتفاق التفاهم الذي وقّعه مع أمنو قبل سنتين، وذلك باقترابه كثيرا من برساتو عندما وصل إلى السلطة.

ويعتقد مقربون من الحكومة أن خيارها، حاليا، الإبقاء على تماسكها، في حين يسود اعتقاد بأن الوقت لن يطول حتى يبدأ الخلاف على توزيع المرشحين على الدوائر الانتخابية في الانتخابات المقبلة، وهو ما قد يعجل بانهيارها.

أنور ابراهيم
أصوات قادة المعارضة نادت باستقالة الزعيم في البرلمان أنور إبراهيم "بسبب الأداء السيئ في الانتخابات" (الجزيرة)

مصير الرموز السياسية

وفي هذه الأثناء، تعالت أصوات تنادي باستقالة أنور إبراهيم من زعامة المعارضة في البرلمان بعد "الأداء السيئ في انتخابات ملقا"، لكن القيادي في حزب العمل الديمقراطي زيد إبراهيم طالب قادة المعارضة بالبحث عن بديل لزعامتها قبل المطالبة باستقالة زعيمها.

ويتشكل "تحالف الأمل" المعارض من 3 أحزاب هي: عدالة الشعب بقيادة أنور إبراهيم، والأمانة الوطنية بقيادة وزير الدفاع الأسبق محمد سابو، والعمل الديمقراطي.

وبينما لا يظهر في الأفق بديل عن أنور إبراهيم، فإن الدعوة للبحث عن بديل تشير، برأي مراقبين، إلى أزمة تمر بها المعارضة.

ورأى محللون سياسيون أن زاهد حميدي رئيس حزب أمنو قد يكون المستفيد الأكبر من نتائج الانتخابات، فقد تعززت مكانته بعد أن أظهر عنادا كبيرا في وجه حكومتين سابقتين.

وكان أول تصريح له بعد فوز حزبه أنه سيعمل جاهدا لإقرار قانون يجرّم تبديل ولاء أعضاء البرلمان، ويمنع انتقالهم من حزب إلى آخر بعد الانتخابات.

أما رئيس الوزراء الأسبق نجيب عبد الرزاق، الذي تلاحقه تهم الفساد، فقد استعاد شعبيته، ولا يستبعد مراقبون أن يتوصل إلى صفقة مع الحكومة تنهي الأحكام القضائية بحقه وتوقف ملاحقته.

ويرى البار أن للحملة الواسعة، التي وجّهت ضد نجيب عبد الرزاق وزاهد حميدي، آثارا عكسية، فبدلا من حرقه شعبيا، أثارت تعاطف الملايويين معه.

 

المصدر : الجزيرة