أميركا تبارك وقوى ثورية ترفض.. حمدوك يعود لمنصبه ويعتزم تشكيل حكومة تكنوقراط تركز على الانتقال الديمقراطي

Sudan military signs deal to reinstate ousted PM Hamdok
الاتفاق نص على إطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين (الأناضول)

استأنف رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك مساء الأحد مهامه من جديد بعد توقيعه اتفاقا سياسيا مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد، وفيما أشادت واشنطن بالاتفاق أكدت قوى ثورية رفضها للشراكة مع من سمتهم الانقلابيين

وقد باشر حمدوك مهامه من مكتبه في الخرطوم، ودعا السودانيين للتوافق وحقن الدماء.

وجاء الاتفاق بعد مرور نحو شهر على عزل حمدوك واعتقاله والعديد من أعضاء حكومته في تحرك اعتبره الجيش تصحيحا لمسار الثورة.

وقال حمدوك للجزيرة إن توقيعه على الاتفاق هدفه حقن دماء السودانيين، والحفاظ على مكتسبات العامين الماضيين، مشددا على أنه توافق مع قيادة الجيش على إجراء الانتخابات قبل يوليو/تموز من عام 2023

وأضاف أن الفكرة الأساسية في الحكومة المقبلة أنها حكومة تكنوقراط من كفاءات مستقلة، مؤكدا أنها ستركز على قضايا محدودة على رأسها التحول الديمقراطي.

وأردف قائلا "بناء الثقة بين الأطراف السودانية يحتاج إلى الوضوح والجدية ورحابة الصدر"، مشيرا إلى أنه تواصل مع طيف واسع من القوى السياسية أثناء وجوده قيد الإقامة الجبرية.

وعقب توقيع الاتفاق، قال رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان إن الاتفاق الجديد مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أسس لمرحلة انتقالية حقيقية، وإن ما تم تحقيقه جرى العمل عليه منذ ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على حد تعبيره.

وأكد أن الانسداد السياسي حتّم على الجيش ضرورة التوقف في مسيرة الانتقال، وإعادة النظر فيما تم وسيتم في المستقبل.

ووجّه البرهان الشكر لحمدوك، مؤكدا أنه كان جزءا من فريق التوسط بين المكونين العسكري والمدني وهو "محل ثقتنا وتقديرنا"، وفق قوله.

ومضى قائلا "لا نريد إقصاء أحد أو أي جهة في السودان، ونعاهد الشعب على الوصول لانتخابات حرة ونزيهة بنهاية الفترة الانتقالية".

في المقابل، نقل مراسل الجزيرة عن وزراء ائتلاف قوى "الحرية والتغيير-المجلس المركزي" في الحكومة السودانية المعزولة رفضهم اتفاق البرهان وحمدوك.

وفي ذات السياق، أطلقت السلطات السودانية سراح 4 معتقلين سياسيين بينهم عمر الدقير وياسر عرمان.

بنود الاتفاق

ويقضي الاتفاق بين رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس الحكومة المعزول عبد الله حمدوك بعودة الأخير رئيسا للحكومة خلال الفترة الانتقالية، وإطلاق سراح القياديين المدنيين المعتقلين منذ سيطرة الجيش على السلطة نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ويشمل الاتفاق أيضا استكمال المشاورات مع القوى السياسية باستثناء المؤتمر الوطني، والاستمرار في إجراءات التوافق الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحكم الفترة الانتقالية.

وينص الاتفاق على الالتزام الكامل بالوثيقة الدستورية إلى حين تعديلها بموافقة الجميع، ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين.

كما اتفق الطرفان على أن مجلس السيادة سيشرف على تنفيذ مهام الفترة الانتقالية من دون تدخل في العمل التنفيذي، فضلا عن التأكيد أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن لأمن السودان.

وشمل الاتفاق التحقيق في الأحداث التي جرت في المظاهرات من إصابات ووفيات، وتقديم الجناة للمحاكمة.

مظاهرات احتجاجية

في المقابل، خرجت مظاهرة في مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان) رفضا للاتفاق السياسي، وللمطالبة بعودة السلطة المدنية والقصاص في القتلى.

وكانت قوى سياسية قد دعت إلى مظاهرات ظهر اليوم الأحد في الخرطوم والولايات احتجاجا على قرارات قائد الجيش، وللمطالبة بتكوين الدولة المدنية.

وأظهرت مقاطع فيديو محتجين يرددون هتافات مناوئة لرئيس الحكومة عبد الله حمدوك عقب توقيع الاتفاق السياسي مع البرهان.

وقالت لجنة أطباء السودان إن متظاهرا قتل برصاص الجيش خلال احتجاجات في مدينة أم درمان.

وأضافت في بيان "بهذا يرتفع عدد القتلى منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 41".

وفي وقت سابق، قالت لجنة أطباء السودان المركزية إن قوات الأمن استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين مع اقترابهم من القصر الرئاسي.

وأضافت اللجنة أن قوات الأمن أطلقت الغاز المسيل للدموع داخل مستشفى الخرطوم التعليمي من دون مراعاة للمصابين والمرضى.

تباين سياسي

سياسيا، أعلن تحالف "قوى الحرية والتغيير-مجموعة المجلس المركزي" تمسكه بموقفه الرافض لأي مفاوضات أو شراكة مع من وصفهم بالانقلابيين غير الشرعيين.

وأكد المجلس المركزي للحرية والتغيير أنه غير معني بأي اتفاق مع ما وصفها بالطغمة الغاشمة، معلنا العمل بكل الطرق السلمية لإسقاطها، كما يقول البيان.

وكان عضو المجلس المركزي جمال إدريس قد قال للجزيرة إن الاتفاق الجديد يمثّل حمدوك وحده ولا يمثل قوى الحرية والتغيير، معلناً العزم على مواصلة التصعيد من خلال المظاهرات لإسقاطه، معتبرا أن حمدوك رضخ لمطالب من وصفهم بالانقلابيين.

وأعلن تجمع المهنيين السودانيين رفضه الاتفاق السياسي الموقع في وقت سابق من اليوم الأحد بين الجيش ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ووصفه باتفاق الخيانة.

وقال التجمع في بيان "إن اتفاق الخيانة مرفوض جملة وتفصيلا، ولا يخص سوى أطرافه".

كذلك أعلن حزب التجمع الاتحادي رفضه أي اتفاق مع المكون العسكري، مؤكدا انحيازه للشارع وتصعيد النضال السياسي ضد العسكريين حتى تسليم السلطة لحكومة مدنية خالصة.

في المقابل، أيّد رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر الاتفاق السياسي.

وقال ناصر إن الاتفاق على حمدوك جاء وفقا لما يجده من قبول في الداخل والخارج، حسب تعبيره.

من جانبه، قال الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي محمد بدر الدين للجزيرة إن الاتفاق السياسي مقبول، لأنه تحدث عن توسيع قاعدة المشاركة ونبذ الإقصاء السياسي.

أما محمد زكريا القيادي بحركة العدل والمساواة السودانية وجبهة الميثاق الوطني فقال للجزيرة إن الاتفاق خطوة تاريخية ستسهم في وقف الاحتقان السياسي.

لقاء البرهان (وسط) وحميدتي (يسار) مع رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك قبيل التوقيع عل الاتفاق السياسي (الجزيرة)

أما وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن فقد حث جميع الأطراف بالسودان على إجراء مزيد من المحادثات لإكمال المهام الانتقالية بقيادة مدنية.

وأشاد وزير الخارجية الأميركي بالاتفاق السوداني لكنه حذر من استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين.

وكتب بلينكن على تويتر "أنا متشجع بالتقارير التي تفيد بأن المحادثات في الخرطوم سوف تؤدي الى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وإعادة رئيس الوزراء حمدوك إلى منصبه ورفع حالة الطوارئ واستئناف التنسيق".

وأضاف "كما أكرر دعوتنا إلى القوات الأمنية بالامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين".

قبيل الاتفاق

وكان حمدوك عقد اجتماعا مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في حين أعلنت قوى سياسية رفضها اتفاقه مع المكون العسكري.

وفي وقت سابق اليوم الأحد، رفع الجيش السوداني الإقامة الجبرية عن رئيس الوزراء المعزول عبد الله حمدوك عقب اتفاق معه للعودة إلى منصبه خلال الفترة الانتقالية، في حين تتواصل الاحتجاجات ضد قرارات سابقة للمكون العسكري.

وقال مكتب رئيس الوزراء السوداني المعزول عبد الله حمدوك لرويترز إن الجيش السوداني رفع القيود عن تحركات حمدوك، وسحب قوات الأمن التي كانت متمركزة خارج منزله اليوم الأحد.

وتم اعتقال حمدوك وزوجته فجر 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل إعادتهما إلى منزلهما مساء اليوم التالي ووضعهما قيد الإقامة الجبرية.

المصدر : الجزيرة + وكالات