4 مقابل 4.. مصالح وعقبات تتقاطع على رقعة التطبيع المصري الإسرائيلي

السيسي (يمين) خلال استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة- بالتزامن مع مرور أكثر من عام على تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعواصم عربية -بترحيب مصري- أعلنت القاهرة وتل أبيب تعزيز قوات الجيش المصري في سيناء، بتعديل نادر للملحق العسكري لاتفاقية السلام الموقعة عام 1979 والمعروفة إعلاميا وشعبيا باسم (كامب ديفيد).

وتزامن التعديل مع تحذيرات أطلقها شيخ الأزهر أحمد الطيب، مما يعرف بـ"السلام الإبراهيمي" الذي يحمل في جوهره -وفق مراقبين- القبول الإقليمي (دينيا وشعبيا) بإسرائيل، إضافة إلى دراسة إسرائيلية حذَّرت من تداعيات دور النقابات المصرية في إعاقة تطبيع العلاقات شعبيا.

التقارب الأمني والدبلوماسي بين البلدين إضافة إلى المساعي الإسرائيلية نحو تطبيع شعبي مماثل، يشير إلى وجود نقلة نوعية في تطوير العلاقات، في وقت ترى فيه القاهرة أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت أكثر مرونة من حكومة سلفه بنيامين نتنياهو.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره المصري سامح شكري، الأسبوع الماضي في واشنطن، أشاد بلينكن بتطور العلاقات المصرية الإسرائيلية، قائلا إن بلاده "لم تر العلاقات بين مصر وإسرائيل أكثر قوة مما هي عليه اليوم".

وفي ضوء تزامن التعديل النادر للملحق العسكري لاتفاقية السلام، وتحذيرات الأزهر من "الإبراهيمية"، وإلقاء إسرائيل الضوء على الدور النقابي المصري، ترصد الجزيرة نت أبرز 4 مصالح تتقاطع مع 4 عقبات على رقعة التطبيع بين البلدين.

أولا: المصالح الأربع من زيادة التطبيع

تعددت المصالح المشتركة التي تقاطعت بين مصر وإسرائيل مؤخرا وأسهمت في تزايد وتيرة التطبيع بين الطرفين، لكن يمكن رصد أبرز تلك المصالح في النقاط الأربع التالية:

1- التنسيق الأمني والعسكري
قبل أسبوع، أعلن الجيشان المصري والإسرائيلي -في بيانين منفصلين- تعديل الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الجانبين، من أجل تعزيز قوات حرس الحدود المصرية وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في مدينة رفح شمالي سيناء، والتي كانت محظورة على الجيش إلا بتنسيق مع إسرائيل. ويمكن رصد مدى الفائدة التي ستعود على القاهرة وتل أبيب، من وراء التعديل، في المؤشرات التالية:

  • ما أفصح عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل توليه الرئاسة عام 2014، عن إمكانية تعديل الاتفاقية.
  • عزا السيسي -آنذاك- التعديل، بألا تكون الأراضي المصرية منطلقا لشن هجمات ضد إسرائيل.
  • يتوافق ذلك مع رغبة إسرائيل في تهدئة عمقها الجنوبي من أية هجمات محتملة.
  • رغبة إسرائيل في ملاحقة طرق دعم وإمدادات المقاومة الفلسطينية في غزة.
  • التعديل يسهم أيضا في إعادة التموضع العسكري المصري بسيناء، بما يعزز من فرص نجاح الخطط التنموية والسياحية.
  • تدعيم الإجراءات الاحترازية الاستثنائية بسيناء، والتي اتخذتها السلطات المصرية بالتزامن مع إلغاء قانون الطوارئ.
  • الحد من تهريب المخدرات والذخيرة والمواد التي يمكن أن تستخدم في صناعة الأسلحة.

2 – رعاية الملف الفلسطيني

خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، في مايو/أيار الماضي، شهدت القضية الفلسطينية تحولا غير مسبوق في السنوات الأخيرة لدى مصر، والتي قامت بدور بارز في المساعدة على وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، لذلك فإن زيادة وتيرة التطبيع من هذه الزاوية تحقق للطرفين مصالح عدة، أبرزها:

  • انتزاع مصر لدورها الإقليمي الذي تركته لقوى عربية أخرى، وتدعيم موقفها لدى الإدارة الأميركية.
  • ورقة ضغط مصرية لمواجهة المشاريع الإسرائيلية المحتملة التي قد تستهدف الأمن القومي كمشاريع نقل الغاز الخليجي إلى أوروبا.
  • امتصاص حالة الاستياء الشعبي في الداخل المصري، كما حدث خلال استنفار الأجهزة الرسمية والدينية والأحزاب، لدعم غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير.
  • من الناحية الإسرائيلية، رعاية القاهرة للملف سيمكّنها من الضغط على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، من خلال تجفيف عمليات التهريب عبر المعابر.
  • يضاف إلى ذلك الخبرة المصرية في رعاية ملف تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس.

3 – الطاقة وتصدير الغاز

  • قطاع الطاقة أصبح مجالا خصبا لتوطيد العلاقات، بعد الإعلان عن اكتشافات ضخمة من الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.
  • تسعى القاهرة وتل أبيب نحو التحول إلى مركز إقليمي للطاقة.
  • في أوائل 2019 دشنت مصر وإسرائيل ودول أخرى، منتدى غاز شرق المتوسط (EMGF) ومقره القاهرة.
  • مطلع 2020 بدأ ضخ الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى مصر، بقيمة تقدر بنحو 19.5 مليار دولار على مدى 15 عاما.
  • وصفت وزارة البترول المصرية الحدث بأنه يمثل تطورا مهما يخدم المصالح الاقتصادية لكلا البلدين.
  • يمكّن هذا التطور إسرائيل من نقل كميات من الغاز الطبيعي لديها إلى أوروبا عبر مصانع الغاز الطبيعي المسال في مصر.
  • في فبراير/شباط 2021، قام وزير الطاقة المصري طارق الملا بزيارة نادرة لإسرائيل.
  • خلال الزيارة اتفق البلدان على تدشين خط أنابيب بحري من حقل غاز ليفياثان إلى محطة التسييل في مصر.
  • في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ذكرت تقارير صحفية أن البلدين يفكران في مد خط أنابيب بري في شمال سيناء.

4 – التجارة والسياحة

  • زادت التجارة بين مصر وإسرائيل بشكل تدريجي منذ توقيع اتفاقية الكويز عام 2004.
  • بموجب الاتفاقية، تصدر القاهرة إلى الولايات المتحدة منتجات معفاة من الرسوم الجمركية، ومصنعة في مصر بمدخلات إسرائيلية.
  • تسهم الاتفاقية في جعل الولايات المتحدة شريكا تجاريا مركزيا لمصر وإسرائيل.
  • رغم القيود التي فرضتها جائحة فيروس كورونا عالميا، فإن سواحل سيناء استمرت في استقطاب أعداد قياسية من السياح الإسرائيليين.
  • تجاوز عدد السياح الإسرائيليين في سيناء 70 ألف سائح، خلال شهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين، وفق سفارة تل أبيب لدى القاهرة.
  • في أغسطس/آب الماضي، أعلنت هيئة الأمن القومي بإسرائيل، خفض مستوى التهديد الإرهابي في منتجعات سيناء وشرم الشيخ، لأول مرة منذ 17 عامًا.
  • في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبالتزامن مع احتفالات مصر بذكرى حرب 1973 ضد إسرائيل، هبطت طائرة تابعة لخطوط شركة مصر للطيران الحكومية بمطار بن غوريون الإسرائيلي، قادمة من القاهرة، وذلك للمرة الأولى التي تصل فيها طائرات الشركة حاملة شعارها الرسمي.

ثانيا: العقبات الأربع التي تواجه التطبيع

رغم دفء العلاقات المصرية الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، وتقاطع مصالح عدة بين الطرفين، فإن السمة الأبرز لها أنها علاقة رسمية حكومية، لم تمتد إلى الأوساط الشعبية والمؤسسات المدنية المصرية، فضلا عن مخاطر أمنية وإستراتيجية تتحفظ عليها القاهرة، ويمكن رصد أبرز تلك العقبات في النقاط الأربع التالية:

1 – النقابات المهنية

  • رغم تراجع الدور النقابي عموما في مصر بعد تقييد نشاطه في السنوات السبع الأخيرة، فإنه يحظى بمراقبة دائمة من قبل مراكز الدراسات الإسرائيلية.
  • تضم النقابات المهنية بمصر ملايين العاملين، ودأبت خلال العقود الماضية على لفظ كل منتسب إليها يزور إسرائيل أو يعلن دعما للتطبيع.
  • حسب دراسة لمعهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، فإن جماعة الإخوان المسلمين وقوى قومية عربية ويساريين، يمثلون جهات مركزية معارضة للتطبيع داخل النقابات.
  • بحسب المصدر ذاته، فإن النقابات تبقى في طليعة معارضي التطبيع، رغم تحسن العلاقات بين البلدين.

2 – الأزهر والإبراهيمية

  • ظهرت الأبعاد السياسية لـ"الإبراهيمية" في سبتمبر/أيلول 2020، مع تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتي الإمارات والبحرين، برعاية أميركية.
  • تعني اصطلاحا تجميع أتباع الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، وتنسب إلى نبي الله إبراهيم.
  • عارض كثيرون من علماء الدين الإسلامي والمسيحي هذه الدعوة وكان أبرزهم شيخ الأزهر أحمد الطيب.
  • قال الطيب قبل أيام إن الدعوة لـ"الإبراهيمية"، تبدو "في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار".
  • لم يذكر شيخ الأزهر أي بعد سياسي لـ "الإبراهيمية"، لكن معارضين لهذا التوجه اعتبروا حديثه سياسيا مغلفا بغطاء ديني.
  • يعتبر المعارضون أن "الإبراهيمية" هدفها سياسي بحت لدعم وتوسيع دائرة التطبيع.

3 – الرفض الشعبي

  • رغم كون مصر أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإن الرفض الشعبي لا يزال باقيا بقوة.
  • كشف استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (أميركي)، قبل عام أن المصريين ما زالوا يعارضون إلى حد كبير تلطيف العلاقات مع إسرائيل.
  • هناك استياء شعبي واسع النطاق بمصر من اتفاق أبراهام (وقعته الإمارات والبحرين مع إسرائيل في سبتمبر/أيلول من العام الماضي)، من احتمال ازدياد التعامل المصري مع الإسرائيليين.
  • لا يوافق الشعب المصري -بحسب الاستطلاع- على بعض سياسات حكومته التي انخرطت بشكل مكثف في تجارة الطاقة والعلاقات الأمنية مع إسرائيل.
  • لولا البيئة الشعبية المعارضة لإسرائيل لما استطاعت الكيانات النقابية أخذ مواقف حاسمة في هذا الشأن.

4 – أبعاد أمنية وجيوإستراتيجية

  • ثمة تهديد للمصالح الجيوإستراتيجية والأمنية المصرية إزاء تسارع وتيرة عمليات التطبيع.
  • التطبيع الإماراتي الإسرائيلي باتت له تداعيات سلبية على قناة السويس والموانئ المصرية، خلافا لتهديد دور القاهرة في رعاية الملف الفلسطيني.
  • في الصيف الماضي، عملت الإمارات وإسرائيل على تدشين خط يربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، لنقل النفط والمنتجات البترولية من الإمارات إلى إسرائيل ومنها إلى أوروبا، وحال تنفيذه وفق مراقبين، سيترتب عليه تقليل استخدام المرور بقناة السويس.
  • ثمة تداعيات سلبية عدة لاختراق إسرائيل للعمق الجنوبي والأفريقي لمصر، ولذلك يمثل تطبيع الخرطوم وتل أبيب تهديدا لمصر في ظل التطلعات الإسرائيلية التاريخية في مياه النيل.
  • قد يخلق التطبيع مخاوف من انسيابية التعاون بين تل أبيب والخرطوم على حساب القاهرة، في مجالات كانت مصر اللاعب الرئيسي المحتمل فيها على أرض السودان، كالزراعة والتعدين.

المصدر : الجزيرة