خلفت إرباكا سياسيا داخليا.. ما الرسائل التي حملها وزير خارجية إيران إلى لبنان؟

Lebanese Foreign Minister Abdallah Bou Habib shakes hands with his Iranian counterpart Hossein Amirabdollahian in Beirut
عبد الله بو حبيب (يمين) لدى استقباله ببيروت نظيره الإيراني أمير حسين عبد اللهيان (رويترز)

بيروت – غادر وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان بيروت مخلفا وراءه إرباكا سياسيا داخليا، وكشفت لقاءاته الرسمية، وفق كثيرين، عجز لبنان عن نسج علاقة واضحة وصريحة مع إيران، أمام المجتمعين الخليجي والغربي.

وحطّ الضيف الدبلوماسي عقب انطلاق ثالث ناقلة وقود إيرانية نحو مرفأ بانياس السوري -بعد قدوم الأولى منتصف أغسطس/آب الماضي- لتدخل لبنان برا بالصهاريج، برعاية حزب الله اللبناني، عبر المعابر غير الشرعية.

ورأى عبد اللهيان أن زيارته تكسر "الحصار الظالم" وتكرّس رؤية بلده لدور لبنان بالصراع مع إسرائيل، في حين بدا لبنان الرسمي حذرا ومربَكا. فشدد رؤساء الجمهورية ميشال عون، والبرلمان نبيه بري، والحكومة نجيب ميقاتي على ضرورة تعزيز مسار المفاوضات بين إيران والسعودية، وهذا يعني، في رأي محللين، أن الرسالة الرسمية تربط بعض أزمات لبنان بالخلاف الإيراني السعودي.

وكانت السعودية الغائبة الحاضرة، فصرّح عبد اللهيان في مؤتمره الختامي، أمس الجمعة، أن محادثات طهران والرياض تسير في "الاتجاه الصحيح".

تزامنا، قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إن "السعودية قبلتي السياسية والدينية"، قُبيل مغادرته بيروت إلى الأردن، استكمالا لمباحثات مدّ الغاز والكهرباء عبر "الخط العربي" بين مصر والأردن وسوريا ولبنان.

Lebanon's President Michel Aoun meets with Iranian Foreign Minister Hossein Amirabdollahian at the presidential palace in Baabda, Lebanon October 7, 2021. REUTERS/Mohamed Azakir
الرئيس ميشال عون دعا عبد اللهيان إلى تعزيز التقارب بين إيران ودول المنطقة (رويترز)

مغريات اقتصادية أم سياسية؟

ونقل عبد اللهيان ثوابت طهران بمساعدة لبنان اقتصاديا، مؤكدا مواصلة بلاده إرسال ناقلات المشتقات النفطية، عارضا بناء معملين لتوليد الكهرباء، والإسهام في إعمار مرفأ بيروت، وتوفير الحاجات الغذائية والطبية، شرط أن تطلب الدولة ذلك رسميا.

لكن ميقاتي شدد أن مساعدات إيران يجب أن تحترم منطق الدولة، بعد أسابيع مما وصفه بـ"حزنه" لدى عبور صهاريج النفط الإيرانية.

وهنا، يضع علي درويش، نائب كتلة "الوسط" البرلمانية برئاسة ميقاتي، زيارة عبد اللهيان وقبله رئيس الوزراء الأردني بشير الخصاونة في خانة تعاون لبنان مع الخارج، وفقا للبيان الوزاري.

وذكّر درويش بأن الحكومة تعترف فقط بالمعابر الشرعية للدولة، عند إدخال مساعدات ومواد من الخارج، وقال للجزيرة نت "إن انتظام الدولة وعمل الحكومة سينفي الحاجة إلى إدخال الوقود عبر المعابر غير الشرعية"، وإن ميقاتي يعمل على إحداث صدمات إيجابية للداخل والخارج والخليج ضمنا.

ولدى سؤاله عن تعاطي الحكومة مع عروض إيران، أجاب درويش أن لبنان محكوم بالتوازنات، و"قبول المساعدات الخارجية يشترط عدم إحراج لبنان مع الأشقاء العرب".

واللافت دعوة الرئيس عون الوزير عبد اللهيان إلى تعزيز التقارب بين إيران ودول المنطقة (تحديدا السعودية)، علما أن فريقه السياسي (التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل) حليف أساسي لحزب الله.

ويرى وليد الأشقر، عضو المكتب السياسي بالتيار الوطني الحر، أن إسرائيل العدو الوحيد للبنان، ومن ثم يتعاطى مع جميع الدول على السواء، ويحمّل الجيش مسؤولية عبور الصهاريج الإيرانية المعابر غير الشرعية، و"إن كان لبنان يحتاج إلى مساعدات خارجية لتوفير المحروقات".

ويحصر الأشقر علاقة فريقه بحزب الله في جملة محددات، مؤكدا تمايز التيار عن الحزب، وقال للجزيرة نت "نحن حلفاء للحزب، نلتقي معه في مواجهة إسرائيل، ونختلف في ملفات داخلية وخارجية، وندعو لأفضل العلاقات مع الدول حتى التي تربطها علاقة سيئة بحزب الله".

وجهات متضاربة

الانتقاء الحذر للتعابير الرسمية غداة زيارة عبد اللهيان قابله تضارب عميق بالفهم السياسي لدور إيران بلبنان، إذ يرى مؤيدو حزب الله، ومنهم الكاتب والمحلل السياسي وسيم بزي، أن طهران تواصل عبر لبنان تحقيق مكاسب إقليمية ضد أميركا وإسرائيل والسعودية.

في حين يجد النائب السابق فارس سعيد -من قوى 14 آذار المناهضة لحزب الله- أن لبنان يخضع مرغما لسلطة الأمر الواقع الإيراني.

لكن الكاتبة والمحللة السياسية روزانا بومنصف تضع تقدم إيران في سلّة التقاطعات الإقليمية، مذكرة بدورها الأساسي بالإفراج عن تشكيل حكومة ميقاتي بالاتصال الرئاسي بين طهران وباريس.

ووصف وسيم بزي زيارة عبد اللهيان لبيروت بـ"المحطة الأهم" بعد عودته من الشام وموسكو وقمة بغداد، لأن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله "شريك أساسي بالقرار الإقليمي لإيران".

وأصاب الزائر الإيراني -في رأي بزي- هدفين هما وضع البصمة الرسمية للحضور الحيوي لإيران بالعراق وسوريا ولبنان، وتكريس التنسيق والتشاور مع أهم شخصية لديهم، أي الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، باللقاء معه أول أمس الخميس.

وقال للجزيرة نت إن زيارة عبد اللهيان بعد وصول الوقود الإيراني منسقة، مذكرا بأن المبادرات الإيرانية فرضت على واشنطن مسارا موازيا، كردة فعل، بإعطاء الضوء الأخضر لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية.

ويرفض بزي وصف العروض الإيرانية بغير العملية، بل إنها وضعت الكرة بملعب الدولة اللبنانية، وما يعيق الانفتاح على مشاريع إيران الاقتصادية، حسب بزي، 3 أمور:

  1. سيطرة أميركا غير المباشرة على مفاصل الدولة العميقة، المالية والإدارية والأمنية، وهي غير مستعدة للتفاعل مع خيار شرقي أو إيراني يستفز واشنطن.
  2. ادّعاء وجود عقوبات على إيران، يسهل الهرب من مشاريعها.
  3. تعقيد علاقات لبنان الخليجية والدولية، جعله ساحة مواجهة لا ساحة مشاريع وحل.

ودعا بزي السعودية "للتنافس الإيجابي مع إيران بمساعدة لبنان بدل الانكفاء"؛ قائلا إن خصوم طهران الإقليميين استسلموا لقوة نفوذها بلبنان؛ "بعد مواجهة البحار الإيرانية-الإسرائيلية، وإعلان نصر الله أن سفن إيران أراض لبنانية، فوسع  قواعد الاشتباك بما يضر مصالح أميركا وإسرائيل".

ويتوقع بزي أن تكون مفاوضات ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، وصراع البلوكات النفطية "الساحة الساخنة قريبا لفرض عنصر ردع جديد".

Iranian Foreign Minister Hossein Amirabdollahian gestures after his joint press conference with Lebanese counterpart Abdallah Bou Habib, in Beirut
زيارة عبد اللهيان لبيروت سبقها انطلاق ثالث ناقلة وقود إيرانية نحو مرفأ بانياس السوري في طريقها إلى لبنان (رويترز)

زيارات استعراضية

بالمقابل، يصف فارس سعيد جولات عبد اللهيان بـ"الاستعراضية، وترمي إلى بث الرسائل بدوائر القرار العربية والغربية، للقول إن نفوذ إيران يمتد بالمتوسط، والقرار الأمني والعسكري وربما الاقتصادي للبنان، بجيبها".

ورأى أن استقبال عبد اللهيان الفصائل الفلسطينية ببيروت يدعو للقول أيضا إن "جزءا من القرار الفلسطيني بيد إيران"، وقال للجزيرة نت إن الاستعراض الإعلامي لناقلات الوقود الإيرانية هدفه سياسي، لأنها لا تسد حاجة سوق المحروقات.

ويرى سعيد أن زيارة عبد اللهيان أطاحت الحدود الوهمية التي سعى ميقاتي إلى رسمها بين حكومته وحزب الله، مبررا الصمت السعودي والغربي بـ"الإدراك أن لبنان الضعيف أسير الاحتلال الإيراني".

لكن روزانا بومنصف تستغرب إعطاء زيارته طابعا استثنائيا، "لأن إيران ترسل موفديها عند كل حدث لبناني مفصلي ومهم".

وترى أن من أهداف زيارة رئيس الحكومة الأردني وإسراع الدبلوماسيين الأجانب إلى بيروت أخيرا عدم إعطاء إيران مجالا للزيارة الدبلوماسية الأولى، عقب تشكيل الحكومة.

وتصف بومنصف موقف حكومة ميقاتي بالحرج، "لأن ميقاتي يسعى للانفتاح على الخليج،في حين وصل النفط الإيراني عشية تشكيل الحكومة، وبخرق ممنهج ومتواصل للسيادة اللبنانية، وكان مؤذيا لانطلاقتها".

وقبل أيام، رأت واشنطن أن حزب الله يقوم بما وصفته "لعبة علاقات عامة"، وأن استقدام الوقود من إيران الخاضعة للعقوبات ليس حلا مستداما لأزمة الطاقة اللبنانية.

وترى الكاتبة أن موقف أميركا ضعيف لتبرير صمتها فقط، "في حين منحتهم مكاسب خرق 3 عقوبات: على إيران، وسوريا، وحزب الله".

والسبب في رأيها أن واشنطن تُطفئ الخلافات الجانبية مع إيران لإيجاد أرضية مشتركة لمفاوضات فيينا.

وقالت إن "ما ينقص إيران التعامل مع لبنان دولة إلى دولة"، وترى أن التقارب السعودي الإيراني قد ينعكس إيجابا، ولا يعني مساعدة السعودية للبنان الغارق في صراعات وأزمات متضاربة.

المصدر : الجزيرة