يوم صرخ عبد الناصر: فليبق كل في مكانه.. جدل مستمر بشأن حادث المنشية

Gamal Abdel Nasser Speaking in Front of Microphones (Original Caption) Nasser on Arms Pact with Czechs. Cairo, Egypt: The Egyptian prime minister Colonel Gamal Abdel Nasser, gesticulates in front of the microphones as he speaks on the Egyptian deal to buy arms and munitions from Czechoslovakia.
رغم مرور هذه السنوات الطويلة على محاولة اغتيال عبد الناصر، فإن الواقعة -المعروفة باسم "حادث المنشية"- لا تزال محل جدل (غيتي)

القاهرة- واكبت الذكرى الـ77 لمحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أكتوبر/تشرين الأول 1954، تأييد أحكام بالسجن قبل أيام لمدد متفاوتة على 293 متهما بمحاولة اغتيال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مرتين، إحداهما في السعودية أثناء تأديته العمرة والثانية في مصر.

ورغم مرور هذه السنوات الطويلة على محاولة اغتيال عبد الناصر، فإن الواقعة -المعروفة باسم "حادث المنشية"- لا تزال محل جدل.

وقعت الحادثة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954، حين قام متهم يدعى محمود عبد اللطيف بإطلاق 8 رصاصات تجاه عبد الناصر -الذي كان وقتئذ رئيسا للوزراء- أثناء إلقائه خطابا في منطقة المنشية بالإسكندرية، أسفرت عن إصابات في الحضور، بينما نجا منها عبد الناصر ليلقي كلمات انفعالية حماسية في الحاضرين.

وواصل عبد الناصر إلقاء خطابه، قائلا "أيها الرجال فليبق كلٌ في مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار".

جدل وشكوك

وتستند الشكوك إلى اعترافات مقربين من عبد الناصر بأنه دبر عددا من المؤامرات لتثبيت وجود مجلس قيادة الثورة في الحكم، وإحراج المطالبين بالديمقراطية.

وفي كتابه "الآن أتكلم"، يقول عضو مجلس قيادة الثورة السياسي البارز لاحقا خالد محيي الدين، إن عبد الناصر اعترف له بأنه دفع المال لقيادات عمالية لقيادة مظاهرات تناهض الدعوة للديمقراطية، بدعوى تأجيل الأمر ريثما تستقر الثورة في الحكم.

وفي تفاصيل حادث المنشية، يستند المشككون إلى هزلية أدلة الإثبات، ومنها ما ذكرته صحيفة الأهرام وقتها من أن عامل بناء وجد سلاح الجريمة، فسافر من الإسكندرية إلى القاهرة سيرا على قدميه لمدة أسبوع، ليُسلمه بنفسه إلى جمال عبد الناصر.

وتوجّه الاتهام إلى أهم خصوم عبد الناصر وقتها وهم جماعة الإخوان المسلمين، فحوكمت قيادات الجماعة بدءا من المرشد العام، وأسفرت المحاكمة عن إعدام بعضهم وحبس آخرين.

وفي سياق جدل الحادث وعدم توثيق المعلومات، انتقدت الكاتبة المقربة من الحكومة المصرية البرلمانية لميس جابر لجوء بعض قنوات التلفزيون إلى شخص مزيف ادعى مشاركته في محاولة اغتيال عبد الناصر، مؤكدة أنه لم يكن من المتهمين في القضية أصلا.

وأضافت جابر في مقال منشور بصحيفة الوطن المصرية أن الحكاية بدأت منذ 7 سنوات تقريبا برجل يدعى خليفة عطوة، ادعى أنه المتهم الثالث في قضية محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، وخرج في عدد من القنوات وتحدّث ببعض المعلومات الباقية لديه من تلك الأوقات، ولكنها مشوشة وغير مرتبة وكثير منها تأليف.

ويعلق الباحث في الشؤون السياسية والأمنية أحمد مولانا، قائلا إن هذا الحادث على أهميته لا يمكن الجزم بحقيقة وقوعه وفق رواية السلطة ولا رواية خصومها من جماعة الإخوان المسلمين.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى مولانا أنه كان هناك توجه عام لاستهداف عبد الناصر، لكن شهادات أخرى تفيد بأنه جرى اختراق المجموعة المنفذة والتنسيق مع محمود عبد اللطيف، لكي يظهر الأمر على هذا النحو وينجو عبد الناصر، ويحقق أهدافه، وهذا التنسيق غير مؤكد هو الآخر، بحسب وصفه.

ولفت مولانا إلى أن رواية السلطة -بحسب نصوص التحقيق في حادث المنشية التي نشرها المؤرخ عبد العظيم رمضان- متماسكة إلى حد كبير.

الرواية الرسمية

وتقول المحاضر الرسمية إن الجاني محمود عبد اللطيف منتم للإخوان المسلمين، وكان جالسا أمام عبد الناصر، وطاشت رصاصاته رغم قرب المسافة، لتصيب المحيطين بعبد الناصر.

وتشير محاضر التحقيق إلى أن المؤامرة لم تكن مقصورة على اغتيال عبد الناصر فقط، بل كانت هناك خطة مرسومة لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة ونحو 160 من ضباط الجيش.

وذكرت التحقيقات أن هناك مؤامرة أخرى دبرها البكباشي أبو المكارم عبد الحي من ضباط الجيش، لنسف الطائرة التي أقلّت عبد الناصر.

والمتهمون في الواقعة -إضافة لمحمود عبد اللطيف- هم: يوسف طلعت، وهنداوي دوير، وإبراهيم الطيب، الكاتب والمفكر الإسلامي عبد القادر عودة، ومحمد فرغلي، ومرشد الإخوان المسلمين آنذاك حسن الهضيبي.

وحُكم على هؤلاء المتهمين بالإعدام شنقا، وخفف الحكم على الهضيبي وخرج بعد ذلك بالعفو الصحي، بينما حكم على متهمين آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، أو بالسجن 15 عاما، بينما حصل ثلاثة على البراءة، منهم عبد الرحمن البنا، شقيق مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا.

وخلال المحاكمة  كان القضاة ضباطا من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وسميت بمحكمة الشعب، وأصدرت الحكم بعد أقل من شهرين من الواقعة، وكان عدد الذين حكمت عليهم المحكمة 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254، ووصل عدد المعتقلين في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1955 إلى 2943 معتقلا.

شكوك الماضي والحاضر

وفي ذكراها الـ77، اعتبر مغردون أن السلطة في مصر على مر العصور دأبت على اصطناع المؤامرات لتبرير وتمرير أهدافها، ومنها حادث المنشية الذي كان الشرارة الأولى لترسيخ الحكم العسكري في البلاد، بحسب وصفهم.

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمؤرخ عماد أبو غازي تعليقا على الحادث: "حقق مجلس قيادة الثورة غايته من التحالف مع الإخوان ولم يعد في حاجة إليهم، وأدرك الإخوان أنهم وقعوا في فخ، وأن حريتهم في الحركة التي وعدهم بها عبد الناصر في مفاوضاته معهم في مارس/آذار 1954 بدأت تتبدد، إلى أن بدأ الصدام بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة في يوم الجمعة 27 أغسطس/آب 1954".

وفي مقال منشور بصحيفة الشروق، تابع الكاتب المصري وزير الثقافة الأسبق قائلا: "بدأت الأمور بين الطرفين تسير من سيئ إلى أسوأ، إلى أن كانت القطيعة النهائية مع حادثة المنشية التي رفعت رصيد عبد الناصر شعبيا، وساعدت في التفاف الجماهير حوله، كما استفاد النظام من الحادث استفادة سياسية كبيرة".

المصدر : الجزيرة