بين الصناعة الشعبية والرسائل الغربية.. قراءة في أسباب ودلالات إلغاء الطوارئ بمصر

تعديلات قانون الطوارئ بمصر.. توسيع لصلاحيات السيسي والجيش
قوات الشرطة المصرية تمتعت بصلاحيات واسعة في ظل إعلان الطوارئ (الجزيرة)

القاهرة- بين الصناعة الشعبية والضغوط الخارجية تتراوح دلالات وأبعاد الإعلان المفاجئ للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بإلغاء حالة الطوارئ المعمول بها منذ سنوات.

وإعلان السيسي -الذي يأتي وسط انتقادات دولية لملف حقوق الإنسان في مصر- ينهي نظريا مرسوما كان يتم تجديده كل 3 أشهر منذ عام 2017.

وبموجب حالة الطوارئ، يحق للسلطات إخلاء مناطق وفرض حظر التجول واتخاذ إجراءات أمنية مشددة ومعاقبة المخالفين بالسجن، وحظر التجمعات والمظاهرات، إذا ثبت وجود خطورة قد تمس الأمن الوطني أو تهدد استقرار الدولة بوجودها.

وفي حين رحب محللون وسياسيون بالقرار، فإن تخوفاتهم كانت حاضرة بشأن إذا كان الإلغاء مجرد "رسالة للخارج لن تغير بشكل جذري الأوضاع الداخلية في بلادهم"، وعلى الجانب الآخر ساد ترحيب واسع بين مؤيدي النظام.

محاذير دولية

لم يستبعد محللون وسياسيون ارتباط قرار إلغاء الطوارئ بالضغوط الخارجية على المستويين الأوروبي والأميركي على القاهرة في ملف حقوق الإنسان. وما يعزز ذلك أن القرار جاء بعد أقل من شهرين على إعلان إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حجب 130 مليون دولار من 1.3 مليار دولار تتلقاها مصر من المساعدات السنوية.

وكان الكونغرس الأميركي بدأ منذ عام 2014 فرض شروط حقوق الإنسان التي من شأنها أن تمنع جزءا من المساعدات العسكرية لمصر، لكن الإدارات السابقة أصدرت ما تسمى استثناءات الأمن القومي لتجاوز القيود.

وفي العام الماضي، قال بايدن -خلال حملته الانتخابية- إنه لن يكون هناك "المزيد من الشيكات على بياض" للسيسي.

وكان الصحفي الخبير بالشؤون الدولية عبد العظيم حمّاد تطرق في مقال له إلى قرار الكونغرس تعليق جزء من المعونة لمصر، بوصفه جولة حرجة وليست حاسمة في العلاقات بين البلدين.

وذكر الكاتب المصري أنه في ضوء متابعة نتائج زيارات رسمية ومجتمعية (بتنسيق رسمي) إلى واشنطن، وتصريحات المسؤولين الأميركيين، فإن إدارة بايدن تحتاج أو تطلب من القاهرة إبداء مرونة أكبر في مسألة حقوق الإنسان، كي يتم رفع التعليق عن المبلغ الموقوف من المعونة.

وعبر صفحته الشخصية بفيسبوك، تساءل حمّاد عن أسباب القرار في "يوم انقلاب (عسكري على المكون المدني) بالسودان، وقبل أسبوع من القمة الدولية للمناخ"، التي من المقرر أن تستضيفها أسكتلندا، وقد يحضرها السيسي.

رسالة للخارج

تعقيبا على ذلك، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة أن القرار قد يكون مرتبطا بمشاركة السيسي في مؤتمرات دولية، أو ترتيب لقاء له مع بايدن، لكنه أشار إلى عدم وجود تأكيدات رسمية واضحة حيال ذلك، أو اشتراطات بإلغاء حالة الطوارئ لتمرير مثل هذه اللقاءات.

وفي تصريحات للجزيرة نت، يعتقد نافعة إمكانية الربط بين إلغاء الطوارئ وأحداث خارجية كثيرة، لكن من المستبعد أن تكون الأحداث السودانية مرتبطة به، حسب اعتقاده.

وأوضح الأكاديمي المصري أن هناك تصورات بأن الانقلاب العسكري على المكون المدني في السودان مؤيد من قبل النظام المصري، إضافة إلى أن السيسي لم يكن مضطرا لاتخاذ خطوة رفع الطوارئ لقوة وضعه الداخلي وعدم تعرضه لاهتزازات خارجية.

"أفلح إن صدق"

ومرحبا بالقرار، قال نافعة إن الإلغاء كان مفاجئا وحدثا كبيرا، خاصة أن الفترات التي حُكمت فيها مصر بالقوانين العادية كانت قليلة.

وشدد على ضرورة أن تعقب ذلك خطوات أخرى تنتهي بالإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وإلغاء قرارات حظر السفر والتحفظ على الأموال، مضيفا أنها "خطوة في الاتجاه الصحيح، وأفلح (السيسي) إن صدق فيها".

وعن الدلالات والتداعيات المحلية، أشار إلى أن السيسي اختار أن يكتب على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت كان من المفترض أن تناقش ذلك مؤسسات الدولة، لمعرفة آثاره على الأرض، وهو ما لم يحدث؛ وبالتالي الأيام القادمة هي التي ستكشف ماذا سيحدث، وفق نافعة.

ولم يستبعد نافعة أن يكون إلغاء الطوارئ مرتبطا بقرب الإعلان عن الانتقال إلى العاصمة الإدارية (شرق القاهرة)، والحديث عن "جمهورية جديدة" في حكم السيسي.

وأوضح أن الرئيس المصري قد يكون يسعى لخطوات تزيد من شعبيته وتقنع الجماهير بأن الحالة الاستثنائية التي كانت تعيشها مصر وتقتضي إجراءات استثنائية قد انتهت، للتمهيد لمرحلة جديدة.

هل دانت الأمور للنظام؟

وردا على هذا السؤال، قال نافعة إن النظام سيجني من إلغاء الطوارئ مكاسب كثيرة، لكن ذلك سيتوقف على النتائج المترتبة من الانتقال إلى الوضع الطبيعي، وإذا لم تتغير فإن ذلك يعني مناورة من النظام السياسي.

وأشار إلى ضرورة الانتظار بعض الوقت لنرى إذا كانت الحقوق التي أهدرت عادت إلى طبيعتها أم لا، وحينها سيشعر الرئيس بثقة أكبر، وأن وضعه الداخلي ليس مهددا، وأن الضغوط الخارجية لم تعد تخيفه، وبذلك يمكن أن يتعامل مع دولة طبيعية تسودها القوانين والإجراءات العادية.

في المقابل، استبعد السياسي المصري أيمن نور أن تكون الأمور قد دانت للسلطة بعد إلغاء الطوارئ، أو أنه لم يعد هناك ما يهددها، مشددا على بقاء خلاف المعارضة كاملا مع نظام السيسي، والتأكيد على أهمية كثير من الإصلاحات.

وفي تصريحات للجزيرة نت، رحب نور بالعودة للمسار الطبيعي بإلغاء الطوارئ، لكنه شدد على أن القرار وحده ليس كافيا؛ لأن هناك كثيرا من النصوص المعيبة بالقانون تم نقلها إلى قوانين أخرى، مثل قانوني الكيانات الإرهابية والتظاهر، وفق قوله.

كما دعا المعارض المصري إلى ضرورة إجراء تعديلات عديدة في الدستور والقوانين "التي تم تصدير روح قانون الطوارئ إليها"، حتى تعود مصر إلى الحالة الطبيعية دستوريا وتشريعيا.

رسالة طمأنة

من جانبه، ذهب السياسي المصري مجدي حمدان، القيادي السابق بجبهة الإنقاذ والأمين العام المساعد بحزب المحافظين، إلى القول إن إلغاء الطوارئ "يثير الدهشة في توقيته وفي طبيعة نشره على فيسبوك دون أن يخرج بإعلان رسمي كالعادة".

وتطرق حمدان -في تصريحات للجزيرة- إلى توقيت القرار وارتباطه بعوامل عدة؛ منها زيارات وفود مصرية لواشنطن، من دون أن تكلل أهدافها بالنجاح؛ لأسباب مرتبطة بالملف الحقوقي.

ورأى حمدان أن ملف الطوارئ به أسرار كثيرة، مضيفا "نحاول أن نفتش في هذه الأسرار، فنجد أن هناك إستراتيجية أعدت لحقوق الإنسان، وهي رسالة للخارج وليس للداخل، وكان لا بد أن يتم تدعيمها لطمأنة العالم بتنفيذ الحقوق الكاملة للإنسان بمصر".

وفي حين رحب حمدان بإلغاء الطوارئ، فإنه أبدى "عدم اطمئنانه بشكل كامل" تجاه القرار، مشيرا إلى قوانين أخرى -منها قانون الإرهاب- قد يتم الاستعاضة بها، كما يمكن تلمس حالة الطوارئ الملغية في التعامل الشرطي مع المواطنين، وهل هناك اختلاف أم ستظل كما هي، وفق قوله.

وأضاف حمدان أن إلغاء الطوارئ له أبعاد اقتصادية أيضا هدفها طمأنة المستثمر الأجنبي، وليس المصري الذي لم يعد يمتلك ما يدفعه للاستثمار المحلي بسبب العديد من الضرائب التي تعرض لها مؤخرا.

وشدد على أنه لم يعد هناك ما يهدد السلطة أو يجبرها على اتخاذ القرار، بعد أن جرى تغييب المعارضة والحياة الحزبية منذ سنوات.

المصدر : الجزيرة