حذرة تترقب.. هكذا بدت الخرطوم اليوم الرابع لقرارات البرهان

يعد خفوت حركة المواطنين المعلم الأبرز لجولتنا التي استغرقت زهاء 3 ساعات باستثناء مظاهر نادرة لتجمعات قليلة في المخابز أو محطات المواصلات لا سيما وأنه اليوم الأول لفتح الجسور بين مدن العاصمة الثلاث.

Civil disobedience against military takeover in Sudan
عودة الحركة التدريجية بالشوارع بعد فتح الجيش الجسور بين مدن العاصمة الثلاث (الأناضول)

الخرطوم – بدأت الحياة تدب في مفاصل العاصمة الخرطوم عقب أيام من شبه حال الشلل التي تلت قرارات قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وذلك طبقا لجولة أجرتها الجزيرة نت ظهر اليوم الخميس داخل مدينة بحري شمال الخرطوم.

وشقت مركبة النقل الصغيرة -التي نقلتنا إلى وسط المدينة- شوارع إسفلتية موشحة باللون الأسود الداكن جراء حرق الإطارات ضمن عملية احتجاجية واسعة شهدتها العاصمة على فض الشراكة مع المدنيين، وفرض حالة الطوارئ بالبلاد.

ووجدت المركبة التي تشق طريقها إلى المحطة الوسطى (إحدى أكبر نقاط تجمع المواصلات العامة) صعوبات كبيرة، إذ ما تزال بعض قطاعات الطريق مغلقة بالكامل بالمتاريس المشيدة بواسطة الحجارة وأحيانا بأعمدة الإنارة المعدنية وتارة بالكتل الخرسانية وجذوع الأشجار، وليس نهاية بأكوام القمامة متى ما عزت الوسائل.

ولم يجد سائق العربة بدا من سلك بعض الطرق والشوارع الفرعية تحاشيا بالمناطق المغلقة للمتاريس، خاصة في ضاحية شمبات شبه المغلقة أمام حركة السير.

Sit-in protest in front of Sudanese Presidency ends
بعض الشوارع ما تزال مغلقة (الأناضول)

صمت وترقب

ويعد ميدان الرابطة بشمبات أحد أهم المعالم الثورية بالبلاد، ونقطة تجمع بارزة للمحتجين في كل التحركات التي تلت احتجاجات ثورة 2013 ضد نظام البشير.

وداخل المركبة التصقت أعين الركاب بالنوافذ لرصد ما يجري أو ربما جرى خلال الأيام الفائتة، في ظل سيادة صمت بين الركاب الذين أجبرتهم الظروف على الخروج من دون أن نلحظ شيئا من جدالاتهم المعتادة في شأن أحوال السياسة والاقتصاد بالرغم من فرض سائق المركبة تعريفة مضاعفة على تكلفة الخط.

ويرجح أن تكون التعريفة الجديدة في بعض خطوط النقل عائدة لملامح أزمة الوقود التي بدأت تطل برأسها، بجانب لجوء أصحاب المركبات لاتخاذ مسارات بديلة تزيد من زمن الرحلة ومعدلات صرف الجازولين والبنزين.

وخارج المركبة تلمح بالعين المجردة غالبية المؤسسات على الشارع الرئيس وهي موصدة الأبواب خاصة البنوك وفروع شركات الاتصالات والمطاعم والكافتيريات بينما بعض من الصيدليات والبقالات ومحال بيع الأثاث عاودت نشاطها مجددا، وإن كان الحذر باديا في هذه العودة مع اختيار بعض أصحاب المحال فتح أبواب دون الأخرى وكأنما هو تكتيك انسحاب سريع متى استدعت الضرورات.

وفي الطريق الممتد تتراص عشرات المركبات أمام محطات الوقود المغلقة، ولم نصادف في رحلتنا سوى محطة وحيدة عاملة في منطقة موقف شندي عند مدخل شمبات الشمالي في ظل إقبال كثيف من السائقين.

ولاحظنا كذلك عودة عجلة الحركة بين الخرطوم ومدن ولاية نهر النيل شمالي البلاد، وإن لازمها البطء الشديد حيث تراصت مركبات النقل الكبيرة في الموقف العام في ظل ندرة وشح كبير للركاب.

Sudanese army remove barricades from streets in Khartoum
الجيش يرفع حواجز  وضعها محتجون من أحد شوارع العاصمة (الأناضول)

ويعد خفوت حركة المواطنين المعلم الأبرز لجولتنا التي استغرقت زهاء 3 ساعات ذلك باستثناء مظاهر نادرة لتجمعات قليلة في المخابز أو محطات المواصلات، لا سيما وأنه اليوم الأول تقريبا لعودة الحركة وفتح الجسور بين مدن العاصمة الثلاث الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان.

وفي المحطة الوسطى، عاودت معظم محال بيع إكسسوارات الهاتف أعمالها ربما في سانحة لاستغلال توقف شبكة الإنترنت، وضعف الاتصالات لنقل الناس من الاهتمام بتطبيقات الهاتف إلى الهاتف نفسه.

كذلك ظهر بعض الباعة المتجولين على هامش الرصيف وفي قلب حدث العودة، في حين شهدت المنطقة التي تضم بعض المشافي والصيدليات الكبرى حركة شبه اعتيادية من المرضى وذويهم.

وفي محطة المواصلات العامة، انتشرت العشرات من مركبات النقل الصغيرة والكبيرة تستجدي الركاب المتوجهين تلقاء مناطق مختلفة بالعاصمة.

واستغرق شحن المركبة الصغيرة، المتجهة إلى جسر الحلفايا شمال مدينة بحري، أكثر من نصف ساعة، مع أن ذلك الأمر لا يستغرق إلا دقائق معدودة في الأحوال العادية وأوقات الذروة.

انتشار أمني كثيف

ومن أهم ملاحظات الجزيرة نت، في محيط المحطة الوسطى، الوجود الكثيف للعناصر العسكرية والأمنية التابعة لقوى مختلفة استنادا إلى الأزياء العسكرية.

وانتشرت عربات الدفع الرباعي التي تحمل عناصر أمنية يلوح أفرادها عادة بالعصى والهراوات أو يضربون أسطح السيارات بعصيهم أو أعقاب أسلحتهم، أو يكتفون بإطلاق صرخات مدوية يبدو أن مصدرها الزهو ببسط العسكر سيطرتهم على مقاليد الحكم.

Sudanese army remove barricades from streets in Khartoum
انتشار أمني مكثف بشوارع العاصمة (الأناضول)

وتكفلت بعض هذه العربات الصغيرة بقيادة رتل من الجرافات والشاحنات الكبيرة المسؤولة عن إزالة المتاريس بالشوارع الرئيسية، خاصة بالقرب من منطقة سوق "سعد قشرة" أحد أكبر الأسواق التجارية بالبلاد.

وشكا تاجر المواد الغذائية بسوق بحري محمد فضل المولى (44 سنة) من ركود كبير في حركة البيع والشراء، وأقر بوجود شح في توفير معظم البضائع جراء الصعوبات الناجمة عن تحرك مركبات نقل البضائع الأيام الفائتة.

وتحدث للجزيرة نت عن ارتفاع أسعار المنتجات والسلع الغذائية مقابل انخفاض أسعار أخرى على رأسها السكر، متوقعا تراجعا في معظم أسعار السلع بانتهاء أزمة إغلاق موانئ شرق السودان.

وفي ملمح لما هو آت، قال للجزيرة نت محمد خضر (24 عاما) عضو لجان المقاومة إنهم لن يتراجعوا عن التصعيد وإقامة المتاريس لا سيما مع اقتراب موعد مواكب 30 أكتوبر/تشرين الأول لمناهضة الانقلاب العسكري، على حد توصيفه.

بدورها قالت مريم محي الدين (29 عاما) وهي موظفة بأحد البنوك التجارية -للجزيرة نت- إنها لن تعاود العمل قبل انجلاء الرؤية ومعرفة إلى أين ستتجه معركة التدافع بين الجيش والمحتجين، السبت المقبل.

المصدر : الجزيرة