التموضع العسكري الإيراني بسوريا تهديد أمني يؤرّق إسرائيل

لم تتمكن إيران من ردع اسرائيل عن توجيه الضربات لها بسوريا، ليس لأنها غير قادرة على ذلك، بل خشية تفاقم الصراع على نطاق يسمح بتدخل أميركي في حرب شاملة قد تشهد هجوما على مواقعه النووية.

العلم الإيراني بمدينة دير الزور شرقي سوريا (الفرنسية)

القدس المحتلة- يجمع محللون وباحثون إسرائيليون على أن إيران تشكل التهديد الإستراتيجي الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك من خلال تصاعد خطر تموضعها العسكري ومحاولات تأسيس مليشيات وقوات في سوريا، على غرار حزب الله في لبنان.

ووفقا لمراكز الأبحاث الإسرائيلية وتقديرات إستراتيجية، فإن تل أبيب تنظر ببالغ الخطورة لتعاظم قوة طهران وقدرتها على مهاجمة إسرائيل بطائرات مسيّرة مفخخة وصواريخ بعيدة المدى من العراق واليمن وغزة، وكذلك من سوريا.

ولا تتوقف الهواجس الإسرائيلية عند الأسلحة التقليدية والمسيّرات المفخخة ومنصات الصواريخ الإيرانية في سوريا، بل اخترقت المخاوف الفضاء الرقمي والعالم الافتراضي، حيث ترى تل أبيب -في حرب السايبر (الاختراقات الإليكترونية) التي تشنها مجموعات قراصنة إيرانية ضد أهداف مدنية وعسكرية اسرائيلية- خطرا يتهدد أمنها القومي، إلى جانب المشروع النووي الإيراني الذي تعتبره إسرائيل تهديدا وجوديا.

وتأتي هذه المخاوف، في وقت جدد سلاح الجو الإسرائيلي من هجماته على أهداف ومواقع تابعة لمليشيات إيرانية في سوريا، بعد تعليق الغارات لشهرين. وجاءت الهجمات عقب قمة سوتشي التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت.

تعزيزات عسكرية إسرائيلية بالجولان
تعزيزات عسكرية إسرائيلية سابقة بالجولان (الجزيرة)

قريبا من الجولان

يعتقد الصحفي الإسرائيلي المختص بالشؤون العربية يؤاف شطيرن أن التصعيد غير المسبوق من قبل طهران بالمسيّرات ومضادات الصواريخ، ضد أهداف إسرائيلية، يعكس السباق المحموم الذي تخوضه إيران لكسر القيود المفروضة عليها من أجل تعزيز وجودها العسكري في سوريا.

وعن دلالات تصاعد الخطر الإيراني في سوريا، يقول الصحفي الإسرائيلي للجزيرة نت "هذا يؤكد استمرار المحاولات الإيرانية لدعم وإسناد وإبقاء نظام الأسد بالحكم، وإلى جانب هذا الهدف المعلن، تعمل لتحقيق أهدافها المبيتة لتطوير قدراتها العسكرية وإقامة مليشيات موالية لها على الأراضي السورية".

ورجح الصحفي سعي إيران في هذه المرحلة لاستنساخ التجربة اللبنانية بإقامة ودعم حزب الله، حيث تسعى لإنشاء مليشيات عسكرية خاصة بها ومجموعات موالية لحزب الله فوق الأراضي السورية وعند خط وقف إطلاق النار بالجولان، لتصبح هذه القوات خطرا إستراتيجيا موجّها للعمق الإسرائيلي.

قيود تكبح إسرائيل

في هذه الأجواء، تجد تل أبيب ذاتها، يقول شطيرن "بحالة طوارئ غير معلنة لرفضها الإجراءات الإيرانية، والعمل على إحباطها وتدمير القدرات العسكرية".

لكن، ثمة قيود تكبح إسرائيل من التمادي في شن الهجمات والغارات على أهداف ومواقع في سوريا. إذ يقول الصحفي الإسرائيلي "روسيا صاحبة القول الفصل لما يحدث في سوريا، وبالتالي تخضع إسرائيل لرغبات ومصالح موسكو التي لا تطلق أيضا العنان لطهران في الأراضي السورية".

ويعتقد الصحفي أن قمة سوشي، التي جمعت بوتين وبينيت، أسست لمرحلة جديدة من التنسيق بين تل أبيب وموسكو بالأراضي السورية، مفادها تشكيل حالة ردع لمختلف اللاعبين بالساحة السورية، ومنح تل أبيب ضوءا أخضر لتقويض الدور الإيراني، لكن دون التسبب بتدمير كامل لقدرات طهران العسكرية في سوريا.

تصعيد عسكري إسرائيلي إيراني في سوريا
قصف إسرائيلي سابق لمواقع في سوريا قيل إنها إيرانية (الجزيرة)

روسيا تتحكم

ورغم تصاعد خطر إيران وتعزيز تموضعها العسكري في سوريا، يرفض شطيرن التقليل من الهجمات والغارات المنسوبة لإسرائيل بسوريا، قائلا "لولا ذلك، لكان الوجود والتأثير الإيراني بسوريا أضعاف ما هو عليه الآن".

وأوضح أن روسيا هي من تحدد موازين اللعبة على الأراضي السورية، وستبقى تسيطر على زمام الأمور، ولن تسمح لأي جهة سواء إيران والنظام، أو حتى إسرائيل، بتجاوز معادلة التوازن وخلخلة موازين القوى وحالة الردع.

وخلص شطيرن بالقول "إن ما يهم إيران من خلال وجودها بسوريا تشكيل قوة عسكرية تهدد إسرائيل باستمرار، وذلك بغية ردع الجيش الإسرائيلي عن هجوم وغارات مباشرة على مواقع المشروع النووي في إيران".

إحباط التعمق الإيراني

ويتفق مع ذلك، البروفيسور إفرايم كام الباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب والمختص بالشأن الإيراني، والذي أكد أن ما يهم طهران، في وجودها بالأراضي السورية واللبنانية، هو التهديد المستمر لإسرائيل وردعها عن تنفيذ أي غارات على منشآتها النووية.

وأوضح كام، للجزيرة نت، أن النظام الإيراني يعتبر إسرائيل تهديدا خطيرا، وهو ثاني أهم تهديد بعد الأميركي. وبالتالي، تعتبر طهران أن من المهم ردع تل أبيب عن الإضرار بأصولها ونفوذها في الشرق الأوسط. في حين ترفض إسرائيل القبول بالردع والتهديد، وتتصدى لمحاولات التموضع والتعاظم الإيراني.

واستعرض الباحث بمعهد دراسات الأمن القومي جوهر المواجهة الرئيسية بين إيران وإسرائيل، والتي تمركزت السنوات الأخيرة بالساحة السورية وعلى أطرافها، حيث تكرر الاستهداف الإسرائيلي لمواقع المليشيات المسلحة والحرس الثوري الإيراني.

ويعتقد كام أن إسرائيل تهدف من هذه الهجمات إلى تعطيل وتشويش التموضع الإيراني في سوريا، وإحباط محاولات طهران لبناء وتعميق قدراتها العسكرية جديدة بسوريا.

إسرائيل مصدومة لإسقاط طائرتها في سوريا
طائرة إسرائيلية أسقطت في سوريا عام 2018 (الجزيرة)

ردود محدودة

ويعتقد الباحث الإسرائيلي أن طهران لم تتمكن من ردع إسرائيل عن مواصلة الهجمات بسوريا، رغم الخسائر الفادحة والأضرار الجسيمة التي لحقت بالقوات الموالية لها هناك.

ويقول "صحيح أن الإيرانيين لديهم القدرة على الرد وضرب اسرائيل لردعها خاصة باستخدام صواريخ حزب الله وإيران نفسها" ويستطرد فيقول "لكن هذا قليل بالفعل".

ويضيف كام "إيران أطلقت حتى الآن صواريخ على أهداف إسرائيلية في حالات قليلة. وهذا ليس من قبيل الصدفة. إنه يعكس توجها إيرانيا حذرا، حتى لا يتدهور الصراع على نطاق واسع، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجند أميركا إلى جانب إسرائيل بالمواجهة الشاملة، وربما إلى الهجوم على المواقع النووية الإيرانية".

المصدر : الجزيرة