ما الحسابات التي حكمت تفاعل واشنطن مع قرارات البرهان؟

رغم العقوبات الطويلة والمشددة من واشنطن على نظام البشير؛ فإنها أخفقت في تحقيق النتائج المرجوة، حيث لم تغير سلوك حكومته بشكل ملموس ولم تفرض تغييرا بطبيعة الحكم. وهو ما يثير التساؤل عن جدوى حجب مساعدات عن الخرطوم بعد قرارات البرهان.

مباحثات المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان Jeffrey Feltman بالعاصمة السودانية الخرطوم
الغموض لا يزال يكتنف مباحثات المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان مع طرفي الأزمة في الخرطوم (الجزيرة)

واشنطن – لم يتحدث الرئيس الأميركي جو بايدن ولا وزير خارجيته توني بلينكن ولا مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان على الهواء، ولم يوجه الرئيس حديثا للأمة الأميركية أو للشعب السوداني، كما كان الحال قبل 8 سنوات عندما قام وزير الدفاع المصري آنذاك عبد الفتاح السيسي بانقلاب ضد حكومة ورئيس مدني منتخب.

حينها ظهر الرئيس الأميركي باراك أوباما بعد ساعات متحدثا على الهواء مباشرة، وتحدث كذلك كبار أركان إدارته.  ويشير تعامل إدارة بايدن مع المستجدات في السودان إلى تراجع ومحدودية أهمية السودان في سلم أولويات المصالح الأميركية في المنطقة.

ولأكثر من 20 ساعة، التزم وزير الخارجية بلينكن الصمت تجاه تطورات الأوضاع السودانية قبل أن يعرب عن تنديده بما شهدته الخرطوم أمس الاثنين. وغرد بلينكن منددا بما أقدم عليه الجيش السوداني بالقول "ترفض الولايات المتحدة حل الحكومة الانتقالية في السودان من قبل قوات الجيش، وتدعو إلى استعادتها لسلطاتها فورا دون شروط مسبقة".

وقبل ذلك بساعات صدر بيان من مكتب الوزير بلينكن جاء فيه "أن اعتقال رئيس الوزراء السوداني حمدوك وغيره من القادة المدنيين أمر غير مقبول، وندعو قوات الأمن إلى ضمان سلامتهم وإطلاق سراحهم فورا".

هل تقدر واشنطن على صد الانقلاب؟

ويحذر كاميرون هدسون -المسؤول السابق عن ملف السودان في إدارة الرئيس باراك أوباما والخبير حاليا بالمجلس الأطلسي- في مدونة نشرها المجلس، من مغبة توقع أن أميركا والغرب قادرون على منع الانقلاب.

وفي الواقع، كما يقول، "قبل ساعات فقط من الانقلاب، أخبر اللواء عبد الفتاح البرهان المبعوثَ الأميركي الخاص إلى القرن الأفريقي جيفري فيلتمان أنه سيبقى ملتزما بالحكم المدني".

ويشرح هدسون قائلا لقد "اتخذ الجيش هذا القرار وهو يعرف تماما العواقب المحتملة لأعماله. ولذلك، ففي حين أن الإدانة الدولية والأميركية ستكون سريعة وبالإجماع، فمن غير المرجح أن تكون كافية لعكس هذه الانتكاسة في المسار الديمقراطي السوداني".

دول الإقليم وحسابات واشنطن

يقول ويل ويشسلر -المسؤول السابق ومدير برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي- في مدونة المجلس، إن استيلاء الجيش على السلطة سيكون له صدى أبعد من السودان. وأشار إلى أن معظم القوى الإقليمية "التي لها مصالح في السودان لم تشارك واشنطن أبدا بشكل كامل في التزامها بالانتقال الديمقراطي".

ويضيف "سيرحب بعض الجيران بلا شك بهدوء بالانقلاب ووعده المفترض بمزيد من الاستقرار"، ويدعمهم في ذلك سجل السودان الذي عانى حتى الآن من حوالي 16 محاولة انقلاب منذ عام 1956.

ويرى ديفيد شين -مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق للشؤون الأفريقية والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن- أن مصر قد دعّمت علاقتها العسكرية بالسودان، في وقت تتحالف فيه المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة مع قوات الدعم السريع، وهي جماعة شبه عسكرية قوية متمركزة في دارفور وتتنافس أيضا على السلطة في الخرطوم.

ويشير شين -في تقرير نشره موقع المعهد- إلى أن "كل هذا يحدث مع توسع الصراع في إثيوبيا المجاورة، وبقاء النزاع الحدودي السوداني مع إثيوبيا دون حل، وتنازع مصر والسودان مع إثيوبيا حول سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية".

ويضيف ويشسلر، أنه يلقي أيضا بالشك على تطبيع السودان مع إسرائيل، وهو المسار الذي تتمهل فيه السودان كثيرا. ويعتبر المتحدث أن مراسم التطبيع الرسمية -التي تفاوضت إدارة بايدن حولها مقابل حزمة مساعدات أميركية كبيرة للسودان- قد تم تأجيلها بسبب مشاكل في التوقيتات والجدولة.

ويعتقد ويشسلر أن ذلك لن يحدث "في أي وقت قريب"، لا سيما أن القانون الأميركي يمنع معظم أنواع المساعدات الخارجية في أعقاب الانقلابات، وبالفعل أعلنت وزارة الخارجية أمس الاثنين أنها ستوقف مساعدات بقيمة 750 مليون دولار للسودان.

من جانبها، تطالب ميشيل جافين الخبيرة في الشؤون الأفريقية بمجلس العلاقات الخارجية والسفيرة السابقة -في مشاركة لها على موقع المجلس- إدارة بايدن أن تذهب إلى استخدام سياسة حازمة لضمان أكبر قدر ممكن من التضامن المتعدد الأطراف في معارضة الاستيلاء على السلطة العسكرية.

وتقول جافين إن على واشنطن أن توضح لمصر والقوى الخليجية بأن دعم مدبري الانقلاب سيكون له تكاليف ملموسة. ولا تستطيع القوى الخارجية السيطرة على الأحداث في الأرض بالسودان. ولكن يمكنهم تقييد خيارات أولئك الذين سيختطفون الثورة السودانية لحماية وضعهم وثروتهم.

التنافس الأميركي مع روسيا والصين

يذكر زاك فيرتن الخبير بـ"معهد بروكينغز" (Brookings Institution)‏ والمسؤول السابق بوزارة الخارجية -في دراسة نشرها المعهد- أن الولايات المتحدة لديها مصالح في السودان تتجاوز الاعتبارات الإنسانية، وفي حين أن "السودان بعيد كل البعد عن الأولوية الجيوستراتيجية لواشنطن، لكن لا ينبغي التقليل من شأن تداعيات فشل عملية الانتقال الديمقراطي هناك".

وكتب فيرتن يقول "إن المجتمعات الحرة والمفتوحة في مختلف أنحاء العالم مستهدفة من قبل الصين وروسيا، وهما منافسان لأميركا، وسيرحبان بأي ظهور سلطوي متشابه لنظمهما الحاكمة".

ويشير فيرتن إلى ما هو أسواء من ذلك، وهو انهيار تجربة الانتقال الديمقراطي في السودان، ما قد يؤدي إلى فوضى وعدم استقرار تؤثر سلبا على الأوضاع في ليبيا ومصر وإثيوبيا، وهي منطقة هشة أصلا تضم ما يقرب من ربع مليار نسمة.

ما العمل.. مقاطعة أم تعامل؟

بخصوص التعامل المستقبلي مع الأوضاع المستجدة في السودان، قال زاك فيرتن إن واشنطن ناصبت حكومة عمر البشير العداء لأكثر من 3 عقود، فقد صنفت السودان دولةً راعية للإرهاب عام 1993، وفرضت الكثير من العقوبات التجارية والاقتصادية مرتين عامي 1997 و2006، وخفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية، ورفض المسؤولون الأميركيون الاجتماع مع البشير لأكثر من عقد من الزمان، وعزلت واشنطن السودان فعليا عن العالم الغربي.

لكن، يستدرك فيرتن، "في حين أن تصرفات نظام البشير تبرر بالتأكيد ردا قويا، إلا أن الحملة الأميركية ضده أخفقت في تحقيق النتائج المرجوة؛ فهي لم تغير سلوك حكومته بشكل ملموس ولم تفرض تغييرا في طبيعة الحكم".

المصدر : الجزيرة