إرهاب منظم.. 2021 الأكثر اعتداء من المستوطنين على الزيتون الفلسطيني

المستوطنات الإسرائيلية وجدار الفصل العنصري يعزلان أكثر من 600 ألف شجرة زيتون تتوزع على 50 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وبسبب منع أصحابها من قطفها، يُحرم الفلسطينيون مما يوازي 5% من مجموع إنتاجهم من زيت الزيتون.

جنود الاحتلال الإسرائيلي يرقبون مساعدة المتطوعين للمزارعين الفلسطينيين في قطف زيتونهم قرب أراضي سلفيت شمالي الضفة الغربية (الجزيرة)

نابلس- محمّلا بعدّة قطف الزيتون ومصطحبا أفراد عائلته، يقصد المزارع الفلسطيني نمر عيسى أرضه بمنطقة "الملصة" قرب مستوطنة "يتسهار" المقامة على أراضي جنوب نابلس بالضفة الغربية، لجني محصوله هذا العام، متحدّيا المستوطنين الإسرائيليين الذين استشرسوا بمهاجمة الشجرة الفلسطينية التاريخية.

وتشير إحصاءات رسمية ووقائع على الأرض إلى ارتفاع اعتداءات المستوطنين وممارستهم "الإرهاب" على المزارعين الفلسطينيين وأشجار الزيتون، وتحديدا خلال الموسم الحالي، الذي بدأ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ويستمر أكثر من شهر في عموم فلسطين.

وشهدت قرية بورين (قرب مدينة نابلس شمال الضفة الغربية) النصيب الأكبر من الاعتداءات التي يشنها مستوطنو "يتسهار"، المعروفين بتطرفهم وعنفهم ضد الفلسطينيين، حيث وثّق نمر عيسى 7 اعتداءات بين أكثر من 50 طالت قريته منذ بدء الموسم.

يقول عيسى للجزيرة نت "هذا رقم مهول، وخطير أيضا، فالمستوطنون مارسوا إرهابا ليس بقطع الأشجار أو حرقها كعادتهم، بل عمدوا إلى تخويف المواطنين ومنعهم من الوصول إلى أرضهم لقطع صلتهم بها نهائيا".

فلسطينيون يقطفون زيتونهم قرب مستوطنة "يتسهار" الجاثمة على أراضي المواطنين جنوب نابلس (الجزيرة)

بقصد القتل

يوم الخامس من أكتوبر/تشرين الأول الجاري تعرض عيسى وعائلته لأخطر الاعتداءات، وعلى مرأى من جنود الاحتلال، رغم دخوله أرضه بتنسيق فلسطيني إسرائيلي مسبق.

ويقول عيسى إن أكثر من 50 مستوطنا يحملون "سكاكين وبلطات" رشقوهم بالحجارة وألقوا عليهم الإطارات المشتعلة؛ فأصيبت طفلته الصغيرة بجروح، وقبل ذلك قطعوا وحرقوا 160 من أشجار زيتونه المعمرة، ورشوا الأشجار والمزروعات بالمواد الكيميائية، وأغرقوا الأرض بمياه المجاري منعا لاستصلاحها ثانية.

لكن المزارع عيسى واصل قطف زيتونه غير آبه بهجمات المستوطنين، ودون تنسيق مع الاحتلال، الذي قال إنه لا يمنحه سوى يومين للعمل بأرضه المقدرة بنحو 15 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع)، في حين يحتاج أكثر من شهر كي ينهي القطف. وهذا العام أنتج ما قطفه عيسى من زيتونه ربع طن من الزيت، ولو التزم بالمدة التي يحددها الاحتلال (يومين) ما أنتج 10% من الكمية.

وتجثم "يتسهار" ومستوطنتا "براخاه" و"جفعات رونين" فوق أراضي قرية بورين، وتصادر أكثر من 15 ألف دونم منها، ويقطنها مستوطنون متطرفون يستهدفون 6 قرى فلسطينية جنوب نابلس، أبرزها حوارة وعوريف.

أشجار زيتون فلسطينية تم قلعها بأيدي المستوطنين في منطقة نابلس شمال الضفة الغربية (الجزيرة)

سرقة وتكسير

وليس بعيدا عن بورين، كان الفلسطيني جبارة أبو سليم يندب حظه في أرض "اللّحف" بقريته "سالم" (شرق نابلس)، بعدما عاث المستوطنون فسادا بها وخرّبوها.

وبحزن كبير تحدث أبو سليم (60 عاما) للجزيرة نت، وقال إنه عندما وصل إلى أرضه قرب المستوطنة المسماة "ألون موريه" فوجد زيتونه سُرق وأشجاره كُسِّرت "بطريقة عدائية" تهدف إلى تهجير أصحاب الأرض وقطع علاقتهم بها للأبد.

وبعد عام كامل قضاه أبو سليم يرعى حقوله أملا في جني محصول جيد من الزيتون يعينه على شظف العيش وإعالة أسرته المكونة من 10 أفراد، بينهم طلبة جامعيون، لم يجد من الثمار ما يغطي نفقته وتعبه ليوم واحد. ويقدّر خسارته بأكثر من 200 كيلو من زيت الزيتون، وهي مأساة تتضاعف سنويا بمواصلة المستوطنين اعتداءاتهم.

وتعزل المستوطنات وجدار الفصل العنصري الإسرائيلي أكثر من 600 ألف شجرة زيتون تتوزع على 50 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وهو ما يُضعف إنتاج المحصول العام لزيت الزيتون الفلسطيني بنسبة تزيد على 5%.

الفزعة مبادرة فلسطينية لمساندة المزارعين في قطف الزيتون بالمناطق المهددة بهجمات المستوطنين (الجزيرة)

الفزعة

وعبر جماعات منظمة وتحت مسميات عدة كـ"شباب التلال" أو "عصابات تدفيع الثمن" يشن المستوطنون المسلحون هجماتهم ضد المزارعين الفلسطينيين مباشرة، غير مكتفين بما يحدثوه من تخريب في أرضهم وزراعتهم.

وينفذ المستوطنون عدوانهم بحماية من جيش الاحتلال، وبدعم رسمي ومالي من الحكومة الإسرائيلية التي ترفض مساءلتهم أو محاكمتهم. وهو ما يراه مسؤولون ونشطاء فلسطينيون في مقاومة الاستيطان "إرهابا منظما" وعداءً يمارسه المستوطنون طوال العام، وإن ظهر كثيفا خلال موسم الزيتون.

ويقول الناشط في لجان المقاومة الشعبية منذر عميرة إنه على خلفية "إرهاب المستوطنين وهجماتهم" أطلقت المقاومة الشعبية وللعام الثاني على التوالي فعاليات "الفزعة"؛ وهي مبادرة فلسطينية لمساندة المزارعين في أراضيهم قرب المستوطنات والمناطق الساخنة. وتميَّزت الفزعة (العونة) هذا العام -وفق عميرة- بعشرات المتطوعين الفلسطينيين بالإضافة إلى المتضامنين الأجانب الذين غابوا بسبب كورونا.

ووفرت المبادرة كذلك "خطّا ساخنا" للرد السريع وتسيير "دوريات" بالمناطق الخطرة والأكثر هدفا للمستوطنين للتصدي جسديا لأي عدوان مباغت على المزارعين، إضافة إلى توثيق جرائم المستوطنين بغرض محاكمتهم دوليا. وقال عميرة "نسعى لتشكيل فزعة بكل قرية ومدينة من أبنائها".

لماذا شجرة الزيتون؟

وصلت اعتداءات المستوطنين حسب المصادر الإسرائيلية إلى 363 اعتداءً عام 2019، و507 في 2020، وبلغت 416 حتى النصف الأول من العام الحالي، وتنوعت بين تخريب السيارات والممتلكات وحرق المنازل وقلع الأشجار والاعتداءات الجسدية.

ويؤكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (مؤسسة رسمية فلسطينية) وليد عساف أن جرائم المستوطنين تضاعفت هذا العام عن سابقه بنسبة 150%، وتركزت في وسط الضفة الغربية وشمالها.

ويقول عسَّاف للجزيرة نت إن هناك "وحدات مدنية" تعد 6500 مستوطن منظم تدفع لهم حكومة الاحتلال أجورا لتنفيذ مخططاتهم التوسعية على الأرض الفلسطينية، وتمدهم بخدمات البنية التحتية لإقامة المشاريع الزراعية والصناعية الاستيطانية.

ويجمع عميرة وعساف على أن استهداف المستوطنين شجر الزيتون ليس عبثا، بل لحقدهم على هذه الشجرة التي يرتبط بها الفلسطيني دينيا وثقافيا واقتصاديا، كما أنها شجرة معمّرة وتعد دليلا على تاريخ الفلسطينيين في أرضهم منذ آلاف السنين، فلو غاب صاحبها رغما عنه، تبقى شاهدا وتحفظ حقه وأرضه التي يريدون اجتثاثه منها.

وهناك بعد ديني يتحدّث عنه الباحث في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة، وهو أن الزيتون كلمة شبه منعدمة "في أسفار العهد القديم"، وذُكرت مرة واحدة في إشارة إلى مكان "جبل الزيتون" بالقدس، في حين ذُكر الزيتون في القرآن الكريم بمطلع سورة التين، و"فيها دلالة إلى أرض فلسطين كمنبت للزيتون".

ويوضح قائلا إن الأماكن المقدسة والمباركة التي وردت بالقرآن 3 أماكن: البيت العتيق بمكة المكرمة، والواد المقدس طوى (طور سنين)، والثالث هو المسجد الأقصى، وبالتالي "فإن شجر الزيتون من الدلالة على فلسطين الأرض المباركة".

في المقابل، يُنسب للحاخام الصهيوني الأكبر عوفاديا يوسيف حثّه على سرقة محصول الزيتون الفلسطيني، كجزء من العقيدة اليهودية. وجاء في فتوى قديمة له "لولانا نحن (اليهود) لما نزل المطر، ولما نبت الزرع، ولا يعقل أن يأتينا المطر، ويأخذ الأشرار (يقصد الفلسطينيين) ثمار الزيتون ويصنعون منه الزيت".

وشرّعت هذه الفتوى للمستوطنين شن هجمات عنيفة على شجرة الزيتون الفلسطينية في أنحاء الضفة الغربية خاصة، لحرمان أصحابها من زيتها.

المصدر : الجزيرة