احتجاجات الخميس.. هل يقرر الشارع السوداني مصير السلطة الانتقالية؟

في ظل انقسام حاد وخلافات عميقة، يشهد السودان اليوم الخميس "مواكب" (مسيرات) احتجاجية، ترفع مطالب عديدة، أبرزها تسليم السلطة الانتقالية للمدنيين وفض الشراكة مع المكون العسكري.

ويبدو المشهد السوداني شديد التعقيد، مع استمرار الحشد الجماهيري بين أطراف أزمة يتشبث كل منهم بموقفه، ويعتبر نفسه مدافعا عن ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018.

وتضرب خلافات عميقة المكونين العسكري والمدني للسلطة الانتقالية، بالإضافة إلى خلافات بين المدنيين أنفسهم.

وعلى خلفية محاول انقلاب عسكري فاشلة يوم 21 سبتمبر/أيلول الماضي، انفجر صراع بين المكونين العسكري والمدني في مجلس السيادة الانتقالي (بمثابة الرئاسة)، وتبادلا اتهامات ضمن خلاف امتد إلى تجميد عمل مؤسسات السلطة التي تجمع الطرفين.

ويقول مسؤولون مدنيون وقيادات حزبية إن اتهامات القيادات العسكرية للقوى السياسية "تمهد لانقلاب" قبل تسليم المكون العسكري قيادة مجلس السيادة إلى المكون المدني في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وهذا التاريخ ليس محل توافق بين المكونين، بعد أن تم تمديد الفترة الانتقالية المتفق عليها -في "الوثيقة الدستورية" (الخاصة بالحكم الانتقالي)- 14 شهرا إضافيا لتصبح 53 شهرا، إثر توقيع اتفاق سلام بين الحكومة وحركات مسلحة، في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2020.

ومنذ 21 أغسطس/آب 2019، يعيش السودان فترة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات مطلع عام 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش، وقوى مدينة (ائتلاف قوى "إعلان الحرية والتغيير")، والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.

احتجاجات متشعبة

ومن المرجح -وفق مراقبين- أن تغير احتجاجات اليوم الخميس المعادلة السياسية، بعد أن تزايدت الدعوات إلى الخروج في مسيرات لدعم الانتقال المدني في كل مدن السودان.

هذه الدعوات أطلقها كل من "إعلان الحرية والتغيير- مجموعة المجلس المركزي" والحزب الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة، وهي لجان قادت الاحتجاجات في الأحياء والقرى والمدن ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير.

ويقابل ذلك منذ أسبوع اعتصام أمام القصر الرئاسي في الخرطوم، للمطالبة باسترداد الثورة، وحل الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك، وتوسيع المشاركة السياسية في السلطة الانتقالية.

وهو اعتصام ينفذه "قوى الحرية والتغيير- مجموعة الميثاق الوطني"، أحد مكونات قوى "إعلان الحرية والتغيير"، التي قادت احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية، مما دفع قيادة الجيش إلى عزل البشير، يوم 11 أبريل/نيسان 2019.

وحتى "تيار الميثاق الوطني" دعا أنصاره إلى الخروج اليوم الخميس، باعتباره "يوما وطنيا للجميع". كما دعت أحزاب معارضة للسلطة، مثل المؤتمر الشعبي إلى المشاركة في المواكب.

مظاهرات ليلية

وخلال اليومين الماضيين، خرجت مظاهرات ليلية في أحياء بمدن الخرطوم وسنار وسنجه (جنوب شرق) ومدني (وسط) والدويم (جنوب) والأبيض (جنوب)، استعدادا للمواكب المطالبة بنقل السلطة إلى المدنيين.

ورفع المتظاهرون في الاحتجاجات الليلة، شعارات تطالب بمدنية الدولة وتندد بالعسكريين في مجلس السيادة، المكون من 14 عضوا: 5 من العسكريين، و6 من المدنيين، و3 من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام.

كما دعوا إلى رحيل رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ورددوا شعارات مناوئة لقادة "تيار الميثاق الوطني"، وخاصة كلا من رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مني مناوي، ومبارك أردول.

والثلاثاء الماضي، أطلقت قوات تابعة لحركة تحرير السودان النار لتفريق متظاهرين في مدينة أم درمان غربي الخرطوم، وقالت إن مجموعة من الشباب اعتدت على مقرها وأتلفت ممتلكاتها، وتصدت لها الحراسة بدون إصابات.

تحشيد على الجانبين

ويبدو المشهد في السودان وكأنه مواجهة بين مجموعتين، إحداها تمثل احتجاجات الخميس، والأخرى تمثل الاعتصام أمام القصر الرئاسي.

وأمس الأربعاء، دعا مناوي وهو أيضا حاكم إقليم دارفور (غرب) -خلال مؤتمر صحفي بالخرطوم- إلى أن يكون يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري يوما للتسامح والوحدة الوطنية لكل أبناء السودان، محذرا من التحريض والتخوين.

كما حث جبريل إبراهيم رئيس حركة العدل والمساواة وأحد قادة تيار "الميثاق الوطني" -عبر تسجيل مصور- على ضرورة تجنب الصدام وزعزعة الفترة الانتقالية.

وتابع "في الاحتشاد والاحتشاد المضاد، أرى أن يتجنب الناس التصادم، ومن حق الجميع التعبير بشكل سلمي ومن دون اللجوء إلى العنف".

وأضاف لا يُسمح بأي شكل من الصدامات في التظاهر، وإذا كان هناك طرف معتصم يجب أن يعتصم الطرف الآخر في مكان آخر.

وشدد جبريل على أنه لا علاقة للعسكر بمطالبتهم (تيار الميثاق الوطني) بحل الحكومة واعتصامهم أمام القصر الرئاسي، وكذلك نفى أي علاقة لهم ببقايا نظام البشير.

مطالب متباينة

كل ومطالبه، اتفقت القوى السياسية والمدنية -التي شاركت في احتجاجات الإطاحة بالبشير- على المشاركة في مظاهرات اليوم الخميس.

وأعلن ائتلاف قوى "إعلان الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم) الاثنين الماضي استجابته إلى دعوة تجمع المهنيين ولجان المقاومة بالمشاركة في المواكب.

ودعا الائتلاف -في بيان- إلى التظاهر للمطالبة باستكمال الثورة، ودعم الانتقال المدني الديمقراطي، وتحقيق العدالة وبناء قوات مسلحة موحدة.

في حين دعا تجمع المهنيين -قائد الحراك- إلى المطالبة بتسليم السلطة للمدنيين، وتكوين المجلس التشريعي (الانتقالي) من قوى الثورة.

وتابع -في بيان أول أمس الثلاثاء- أن حراك الخميس سيكون لتحقيق مطالب أبرزها دمج قوات الدعم السريع (بقيادة حميدتي) في الجيش، وكذلك دمج الحركات المسلحة في الجيش، وصولا لجيش قوي موحد ذي عقيدة وطنية.

والثلاثاء الماضي، أهاب الحزب الشيوعي بالجميع الخروج إلى مظاهرات الخميس لبناء السلطة المدنية وحمايتها من الانقلابات العسكرية.

وشدد -في بيان- على ضرورة مواصلة السير في إكمال الثورة وأهدافها واستردادها من مختطفيها العسكر والمتوافقين معهم.

في وقت قالت فيه تنسيقية لجان الخرطوم -في بيان مشترك لـ17 لجنة الثلاثاء الماضي- إنها ستخرج ضد الشراكة بين المدنيين والعسكر، ومع إسقاطها وإقامة الدولة المدنية الكاملة غير المنقوصة.

أما المؤتمر الشعبي -أبرز أحزاب المعارضة- فدعا إلى المشاركة في مسيرات الخميس لتكوين حكومة مستقلة غير حزبية، وإجراء الانتخابات في موعدها المقرر نهاية الفترة الانتقالية في يناير/كانون الثاني 2024.

المكون العسكري

في المقابل، لم يصدر عن المكون العسكري في السلطة الانتقالية أي تعليق بشأن الاحتجاجات المقررة اليوم الخميس.

إلا أن رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة (رسمية)، المقدم إبراهيم الحوري، قال في مقال الاثنين الماضي إن "انطلاق مواكب التوافق الوطني السبت (تظاهرات لتيار الميثاق تحولت إلى اعتصام)، رغبة من الشعب الأبي في العودة التصحيحية إلى منصة التأسيس التي جاءت بها الثورة التي لم تحقق الشعارات التي نادت بها".

واعتبر أن خروج مواكب السبت الماضي جاء بعد أن فقد الشعب الثقة، ولاستكمال ثورته، والمناداة بقيم الحرية والعدالة التي ضاعت بين كراسي السلطة.

وأضاف الحوري تظل القوات المسلحة ملاذ أهل السودان، ولن تخيب القوات المسلحة ظن شعبها، وستكون عند حسن ظنه.

احتمالات مفتوحة

وفق المحلل السياسي عثمان فضل الله فإن "كل الاحتمالات مفتوحة في تظاهرات الخميس، التي ستؤدي إلى واقع جديد وفق خيارات الشارع".

وأوضح -للأناضول- أن الخيارات التي سيفرضها الشارع اليوم الخميس قد تقود إلى فض الشراكة بين المدنيين والعسكر، استجابة من قوى إعلان الحرية والتغيير لمطلب الشارع بحكومة مدنية كاملة يُستبعد منها العسكريون.

وتابع "هذا خيار يجعل المؤسسة العسكرية بكاملها في مواجهة الشارع، فإما أن تقابله برضوخ أو أن تواجهه بالرفض، أو أن يقبل العسكر بمطالب استكمال هياكل السلطة (المجلس التشريعي)، وبناء جيش موحد والالتزام بتسليم السلطة للمدنيين".

واعتبر فضل الله أن أبرز المخاوف من المظاهرات هو اندلاع عنف أو حدوث صدام مع مجموعة المعتصمين أمام القصر الموالية للجيش، أو أن يضرب الخلاف المؤسسة العسكرية أو جزءا منها في تعاملها مع الاحتجاجات بشكل عنيف.

المصدر : الجزيرة + الأناضول