إرهاصات الملء الثالث لسد النهضة.. كيف تستعد مصر؟ وما خياراتها؟

ethiopian nile dam
إثيوبيا تواصل بناء سد النهضة وتستعد للملء الثالث وسط اعتراضات من مصر والسودان (وكالات)

القاهرة- بين تسريبات سودانية وتشكيك مصري وصمت إثيوبي، تتزايد إرهاصات الملء الثالث لبحيرة سد النهضة الإثيوبي، بالتزامن مع خلاف كبير بين ثلاثي الأزمة حول آليات ملء وتشغيل السد، الذي وصل ذروته قبل أشهر حين أعلنت أديس أبابا الانتهاء من الملء الثاني، فكيف ستتفاعل القاهرة مع الخطوات الإثيوبية المرتقبة؟

وقبل أيام، نقلت وسائل إعلام عربية عن دبلوماسيين بالخارجية السودانية شروع إثيوبيا في تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، ووضع جدران خرسانية؛ استعدادا لعملية الملء الثالث، في وقت أكد فيه وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي أن مفاوضات السد "في حالة شبه مجمدة".

وحسب ما نقلته وسائل إعلام مصرية محلية، فقد أشار وزير الري إلى اتصالات على مستويات ودول مختلفة، لكنها لا ترقى لمستوى طموح بلاده.

وبينما تؤكد القاهرة سعيها إلى اتفاق قانوني ملزم مع إثيوبيا لملء وتشغيل السد، اتفق دبلوماسيان سابقان وخبير في الشؤون الأفريقية والأمن القومي المصري -في تصريحات منفصلة للجزيرة نت- على أن القاهرة لن تحيد عن العمل الدبلوماسي والسياسي والحشد الدولي والأفريقي بعيدا عن توقعات التصعيد العسكري في تفاعلها مع المخططات الإثيوبية للملء الثالث لبحيرة السد.

طموح وتشكيك

بشكل عام، يجري ملء خزان السد خلال موسم الأمطار الذي يستمر في الفترة من يونيو/حزيران حتى سبتمبر/أيلول كل عام، ويرتبط مستوى التخزين السنوي بارتفاع الممر الأوسط لجسم السد.

وتطمح إثيوبيا في الوصول للسعة التخزينية الكاملة لبحيرة السد، التي تقترب من 74 مليار متر مكعب (تقترب من حصتي مصر والسودان المقدرة بنحو 84 مليار متر مكعب).

وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت أديس أبابا اكتمال المرحلة الثانية من ملء السد بنجاح، التي كان مخططا لها بـ13.5 مليار متر مكعب من المياه، من دون أن تعلن حجم المياه التي تم تخزينها بالفعل.

وتُقدر المياه المحجوزة خلف السد في الملء الأول بنحو 4.9 مليارات متر مكعب، ليصل إجمالي المستهدف إلى 18.4 مليار متر مكعب، لكن متخصصين مصريين شككوا في هذه الأرقام في أكثر من مناسبة، وأكدوا أن إثيوبيا لم تحجز أكثر من 10 مليارات متر مكعب من المياه في المرحلتين السابقتين.

ومؤخرا تزايد الحديث عن عيوب فنية وهندسية في إنشاء السد، وأن هناك احتمالات غير مستبعدة تشير إلى انهياره، وفق تقارير نشرتها وسائل إعلام مصرية.

إرهاصات الملء الثالث

يأتي ذلك في الوقت الذي ظهرت فيه تسريبات نقلتها وسائل إعلام عربية ودولية عن مصدر بالخارجية السودانية الأسبوع الماضي، تقول إن "إثيوبيا بدأت تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، ووضع جدران خرسانية، استعدادا للملء الثالث للسد".

وأكد المصدر السوداني أن بلاده في انتظار دعوة رئيس الكونغو الديمقراطية فيلكس تشيسكيدي -الذي يترأس الاتحاد الأفريقي هذا العام- لاستئناف التفاوض، مشيرا إلى تسليم الخرطوم وزير خارجية الكونغو ملاحظات بشأن منهجية التفاوض"، من دون مزيد من التفاصيل.

توليد الكهرباء

وحسب الأكاديمي المصري عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، فإنه "لا يمكن عمل أية أعمال خرسانية على الممر الأوسط إلا بعد تجفيفه عن طريق تصريف المياه الزائدة بواحد أو أكثر من البوابات الأربع (بوابتي توربينات وبوابتي تصريف دون توربينات)".

وأشار الخبير المصري في الشؤون المائية إلى أن من المتوقع بدء الأعمال الهندسية استعدادا للتخزين الثالث خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بتصريف جزء من المياه لتجفيف الممر الأوسط، على أن تبدأ الأعمال الخرسانية في فبراير/شباط القادم، وذلك لتخزين 10.5 مليارات متر مكعب؛ ليصل إجمالي التخزين الصيف القادم إلى 18.5 مليارا، ثم يتبع ذلك تخزين 10 مليارات إضافية سنويا خلال السنوات التالية حتى الوصول إلى إجمالي 74 مليار متر مكعب.

وحذَّر شراقي من أن توقف المفاوضات ومرور الوقت يسمح لإثيوبيا باتخاذ إجراءات لتحقيق إتمام البناء والتخزين والتشغيل، مطالبًا بلاده والسودان بدفع الأطراف الدولية والاتحاد الأفريقي لسرعة استئناف المفاوضات، حسب ما ورد في صفحته بموقع فيسبوك.

بدائل مصرية

وفي الأسبوع الماضي، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن موقف مصر ثابت بشأن ضرورة التوصل لاتفاق قانوني وملزم حول ملء وتشغيل السد، مشددا على أن بلاده لا ترغب إلا في الحفاظ على حصتها بمياه نهر النيل.

وخلال مؤتمر صحفي مع نظيره المجري يانوش أدير بالعاصمة المجرية بودابست، أشار السيسي إلى أن مصر تنفذ برامج لمعالجة المياه وتحلية مياه البحر بتكلفة تبلغ أكثر من 80 مليار دولار.

ومتطرقا إلى دخول بلاده مرحلة الفقر المائي، شدد السيسي على أن مصر لا تريد أن تكون المياه سببا للصراع أو المشاكل أو الصدام، بل أن تكون مصدرا للتنمية والتعاون، حسب ما نقلته وكالة الأنباء المصرية (أ ش أ).

مقترحات الكونغو

وفي مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كشف وزير الخارجية المصري سامح شكري عن أن بلاده تلقت مقترحات من الكونغو بشأن سد النهضة تتم دراستها.

وحذَّر شكري من أن عدم استجابة إثيوبيا للتفاوض ينذر بتوتر في الإقليم، مشددا على أن أساس أي مفاوضات هو عدم المساس بحصة مصر التاريخية.

وفي تصريحات متلفزة الجمعة الماضي، أكد وزير الخارجية المصري أن بلاده جاهزة للتوصل إلى اتفاق بشأن الأزمة إذا توفرت إرادة سياسية لدى الطرف الآخر، مشيرا إلى اتخاذ إجراءات تؤمن احتياجات بلاده بطرق مختلفة، بينها ترشيد الاستهلاك وتبطين الترع، لكنه أكد في الوقت نفسه أنه لا تنازل عن حقوق مصر المائية.

ليست هناك رفاهية

ويرى وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام أنه "ليست هناك رفاهية قبول شيء آخر" لنجاح المسار التفاوضي وإجبار إثيوبيا على الرضوخ للمطالب المصرية المشروعة في مياه النيل.

وعن الموقف المصري حيال ما أثير عن تجهيزات الملء الثالث، طالب علام في تصريحات للجزيرة نت بموقف رسمي معلن لتوضيح موقف الدولة مما يحدث ومن مبادرة الاتحاد الأفريقي "لنفهم إلى أين نحن سائرون"، مع الأخذ في الاعتبار أن مخطط استنزاف الوقت ما زال مستمرا والخيارات تقل.

واستشهد الوزير السابق بتصريحات سابقة للسيسي أكد فيها أن "حصة مصر المائية خط أحمر وغير مسموح العبث بها أو تهديدها"، مشيرا إلى أن الموقف المصري سيتضح في المفاوضات وشروطه.

حيرة من الموقف الرسمي

متفقا مع الطرح السابق، أشار السفير المصري فرغلي طه، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن كل المعلومات المعلنة مؤخرا تشير إلى أن إثيوبيا شرعت في استكمال الأعمال الإنشائية اللازمة لبدء مرحلة الملأ الثالث للسد.

وقال السفير المصري للجزيرة نت إن ما يصدر عن الجانب الإثيوبي من تصريحات وأفعال لا يزال يشير إلى ثبات موقفه بعدم أخذ خطوات تفاوضية جادة، إضافة إلى إعلانه صراحة مؤخرا أنه يرفض التوقيع على اتفاق ملزم ما لم يعاد تقسيم حصص مياه النيل طبقا لما يراه، وهو أن يكون له نصيب 85% من تلك المياه.

واعتبر الدبلوماسي السابق كل ذلك لا يبشر بانفراجة في أزمة السد، فضلا عن المشاكل الحدودية مع السودان، وتدخل إثيوبيا في شأنه الداخلي.

وحول الموقف المصري المعلن، قال فرغلي طه إنه يراوح مكانه بعد أن استنفد التحركات الدولية تقريبا؛ لأن إحالة المفاوضات إلى الاتحاد الأفريقي خطوة لم ولن تجدي شيئا، بالنظر إلى ثبات مواقف الأطراف الأخرى، فضلا عن عدم فاعلية وعدم حيادية الدور الأفريقي الذي تتمسك به إثيوبيا لتفريغ الأزمة من مضمونها حتى يكتمل ملء السد.

كما أبدى حيرته من الموقف الرسمي لبلاده طبقا لما هو معلن سياسيا، قائلا "لا نعرف بالضبط كيف سيكون الحل إذا اكتمل ملء بحيرة السد كلها".

وفيما يثار عن مسألة التعويل على عيوب فنية فى جسم السد، شدد طه على أنه "أمر غريب وحيلة العاجزين ويضر أكثر مما ينفع، واستشعر أن هناك ما يخفى عنا، ويبدو أن الأطراف الرسمية كلها غير قلقة لما تثيره الشعوب لأسباب لا نعلمها".

سيناريوهات مطروحة

من جهته، أوضح الخبير في الشأن الأفريقي والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد أن البناء في السد يتم بوتيرة بطيئة للغاية؛ وذلك لأسباب نابعة من الأزمة السياسية والاقتصادية المتردية في إثيوبيا، إضافة إلى مشاكل التمويل وتحديات أخرى.

وفي تصريحات للجزيرة نت، رصد عبد الواحد أن من بين السيناريوهات المطروحة أمام صانع القرار لمواجهة عملية الملء الثالث الحصول على اتفاق قانوني يلزم إثيوبيا أثناء ملء وتشغيل السد بتقديم معلومات دقيقة لمصر والسودان، إضافة إلى التحكيم الدولي حال حدث خلاف، وبهذا يمكن لمصر أن تسمح ببناء السد من دون الانتقاص من حصتها التاريخية.

لكن اللواء المصري السابق توقع عدم توقيع إثيوبيا على اتفاقية ملزمة؛ نظرا لاختلاف الدوافع بين أطراف الأزمة، موضحا أن إثيوبيا تريد فرض السيادة الكاملة على النيل، وهو أمر مرفوض من المنظمات الدولية في المراحل التاريخية المختلفة.

وردا على الكيفية التي ستتفاعل بها مصر مع مخططات الملء الثالث، أوضح الخبير المصري أن بلاده لن تحيد عن العمل الدبلوماسي والسياسي والحشد الدولي والأفريقي للانتهاكات الإثيوبية، بعيدا عن التصعيد الآخر باستخدام القوة الصلبة، لكن في النهاية هناك خط أحمر كما ذكرت القيادة السياسية حول انتقاص الحقوق التاريخية لمصر من مياه النيل.

فرصة التدويل

وأضاف عبد الواحد أن مصر لديها فرصة كبيرة في عملية تدويل الملف؛ لأسباب بينها أن كثيرا من دول المصب ستتعاطف مع مصر ممن لديها مشكلات مشابهة في الأنهار والسدود المشتركة، متوقعا اتخاذ تلك الدول مواقف مساندة لمصر والسودان لو تم تدويل القضية بصورة معقولة.

وفي هذا الصدد، حذر عبد الواحد من مساعي إثيوبيا لترسيخ فكرة تسعير المياه واستخدامها كورقة سياسية أو اقتصادية، مشددا على أن ذلك مؤشر خطر ينذر بحدوث صراعات على المياه خلال الفترة المقبلة في أكثر من منطقة بالعالم.

المصدر : الجزيرة