كيف يمكن لواشنطن تعويض فرنسا عن صفقة الغواصات لأستراليا؟

اعتبر الدبلوماسي المخضرم مارتن إنديك أن فرنسا قد يرضيها الانضمام لتحالف أوكوس لعودة الثقة المفقودة بالولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا.

NATO summit in Brussels: Macron - Biden meeting
هل تنجح واشنطن في إرضاء باريس بعد أزمة صفقة الغواصات لأستراليا؟ (الأناضول)

واشنطن – تمثل عودة السفير الفرنسي فيليب أيتيين إلى واشنطن بعد استدعائه للتشاور، على خلفية أزمة صفقة الغواصات لأستراليا، بداية مرحلة في علاقات الدولتين. وبعد أيام يتوجه وزير الخارجية أنتوني بلينكن الأميركي إلى باريس، حيث ينتظر أن يجتمع مع كبار المسؤولين هناك بين 4 و6 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، في خطوة تهدف إلى ردم هوة الخلافات بين الدولتين.

وكانت فرنسا قد قامت بسحب سفيرها بواشنطن احتجاجا على ما تراه موقفا أميركيا دفع لإلغاء أستراليا صفقة غواصات معها تقدر قيمتها بما يقرب من 65 مليار دولار، وبدلا من هذا العقد شكلت كانبيرا بالتعاون مع الولايات المتحدة وبريطانيا تحالف "أوكوس" كشراكة أمنية ثلاثية جديدة. ويتضمن الاتفاق توريد واشنطن غواصات ذات وقود نووي بدلا من الغواصات الفرنسية التقليدية التي ألغتها أستراليا.

ماذا خسرت فرنسا؟

ويعد إلغاء الصفقة لأستراليا ضربة قوية لصناعة الأسلحة الفرنسية التي تعد ثالث أكبر صناعة في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا. وتذكر المجموعة البحرية الفرنسية (الشركة المصنعة للغواصات التي ألغتها كانبيرا) أنها بصدد إرسال فواتير مفصلة إلى أستراليا لتعويض الشركة عن إلغاء صفقة الغواصات. وقال الرئيس التنفيذي للشركة بيير إريك بوميليه "سيتم إرسال مشروع فواتير نهائية إلى أستراليا في غضون أسابيع قليلة".

ووفقا لوزارة الدفاع الفرنسية، فإن المجموعة البحرية قد أكملت بالفعل أعمال قيمتها 1.1 مليار دولار في مشروعات تمهيدية لبناء الغواصات.  وتصر على أنها الشركة الوحيدة في العالم التي تمتلك المعرفة والإمكانيات لبناء غواصات تقليدية ونووية، مما يعنى أنه كان يتعين عودة أستراليا إليها إذا ما قررت تغيير الغواصات المتفق عليها مسبقا.

وإلى جانب الخسارة التجارية الكبيرة لما كان سيعد أكبر صفقة سلاح بالتاريخ الفرنسي، يثير إلغاء الصفقة أيضا تساؤلات حول ادعاءات باريس كونها قوة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

ويشمل إرث فرنسا في المحيطيْن عدة أقاليم (جزر) مثل ريونيون وبينيزيا الفرنسية التي تضم حوالي 1.6 مليون مواطن فرنسي، وتشمل منطقة اقتصادية حصرية تبلغ مساحتها حوالي 9 ملايين كيلومتر مربع، كما أن لفرنسا وجودا عسكريا يتمثل في 7 آلاف جندي وعدد من القطع البحرية.

أستراليا اختارت أميركا لا غواصاتها

تؤمن الحكومة الأسترالية أن اتفاق أوكوس والغواصات الأميركية لا يخدم على المدى الطويل الأمن القومي فقط، بل المصالح الغربية الأوسع في مواجهة التهديدات الصينية في منطقة المحيطين الهادي والهندي.

ولم يستغرب معلقون أميركيون عديدون أن تسعى أستراليا -التي تدهورت علاقاتها مع الصين كثيرا منذ عام 2016، خاصة بعد تفشي وانتشار كورونا ومطالبة كانبيرا بكين بالسماح بتحقيقات مستقلة- إلى الانحياز إلى الولايات المتحدة بدلا من فرنسا.

ويقول سياسيون أستراليون إنه عندما تم التوقيع على الاتفاق مع فرنسا عام 2016 بدا العالم مختلفا عما هو عليه اليوم. وكان الأستراليون متحالفين مع واشنطن، لكنهم لم يكونوا ملزمين بشراء التكنولوجيا الأميركية. إلا أنه ومع تزايد التهديدات الصينية -والتي تضغط لفرض هيمنتها على المحيطين الهادي والهندي- أدركت كانبيرا أنه لا يمكنها مواجهة بكين بمفردها.

وتحول الأستراليون من فرنسا إلى الولايات المتحدة، ليس لأن الغواصات التي كانت تقدمها لهم واشنطن أفضل مما يمكن لباريس أن تصنعه، ولكن لأنها كانت أميركية.

ويتزايد إدراك كانبيرا بأن واشنطن أفضل من باريس، مع اتجاه الأمور لمزيد من الخطورة بمنطقة المحيطيْن بسبب الطموحات الصينية التي تهددها، ومع حتمية احتواء الطموح الصيني.

وفي وقت اتخذت واشنطن، في عهد كل من الرئيس جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، موقفا تصادميا قويا تجاه الصعود والتهديدات الفرنسية، أكدت باريس في عدة مناسبات خلال الأشهر الأخيرة أنه لا يمكن توقع تحالفها تلقائيا مع واشنطن ضد بكين.

وقال الرئيس إيمانويل ماكرون قبل أسابيع "إن أوروبا لابد وأن يسمح لها بالاستقلال عن الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بإستراتيجيتنا فيما يتصل بالصين" واعتبرت أستراليا أن باريس تقلل من شأن التهديد الصيني، وبالتالي كانوا بحاجة إلى تعزيز مستوى ردعهم.

معادلة إرضاء فرنسا

قبل أيام، وفي جلسة استماع بلجنة الشؤون الدولية بمجلس الشيوخ الفرنسي، قال وزير الخارجية جان إيف لودريان، إن الأزمة "لم تنته فقط لمجرد أن الحوار استؤنف، ومن أجل الخروج من هذا الأمر، ستكون هناك حاجة الى أفعال جادة وليس كلمات فقط".

وفي مكالمته الهاتفية مع ماكرون، اعترف بايدن بأن الوضع كان سيتحسن بالمشاورات المفتوحة بين الحلفاء، ووافق على إجراء محادثات في أكتوبر/تشرين الأول حول إستراتيجية تنسيق أفضل بمنطقة المحيطين مع شركاء أميركا الأوروبيين.

وتعتقد دوائر كثيرة بواشنطن أنه من الخطأ أن يلوم المسؤولون الفرنسيون واشنطن على صفقة الغواصات، أو أن يتهمونها "بالخيانة"، أو "الطعن بالظهر" أو إظهار أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية كاملة عن إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية.

فعلى المدى الزمني الذي انخرطت فيه أستراليا في شراء الغواصات من باريس، تضاعفت التكلفة الإجمالية المقدرة للصفقة من 32 مليار دولار إلى 65 مليارا خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما أن الصفقة عانت من تأخيرات فرنسية طويلة ومتكررة.

ومع تزايد التأخير وارتفاع التكاليف، أصبحت صفقة الغواصات الفرنسية سيئة من ناحيتين، فقد كانت أكثر تكلفة من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية في حين تفتقر إلى قدراتها المتميزة، إضافة لذلك لم يكن من الممكن للغواصات الفرنسية أن تدخل الخدمة قبل عام 2034.

غير أن واشنطن تدرك كذلك أن هناك بعض الضرر الذي لحق بالعلاقة مع الحليف الفرنسي، الذي لا يزال له وجود اقتصادي وعسكري كبيرين بالمحيطين الهندي والهادي، ومن هنا تطالب بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة بضرورة دمج باريس في التحالفات الأمنية الجديدة في منطقة المحيطين.

ومنذ اندلاع أزمة الغواصات، تكرر واشنطن دعمها الكبير للوجود والعمليات العسكرية الفرنسية ضد التهديدات "الإرهابية" في منطقة الساحل. كما يشير بعض المعلقين لقدرات التصنيع العسكري الفرنسي المتقدم، والتي يمكن إدخاله في تعاقدات من الباطن في بعض مراحل بناء الغواصات الجديدة.

وقد اعتبر الدبلوماسي المخضرم مارتن إنديك أن فرنسا قد يرضيها الانضمام لتحالف أوكوس كوسيلة لعودة الثقة المفقودة بينها وبين الدول الثلاث. وقال في تغريدة له عقب مشاهدته مقابلة تلفزيونية للسفير الفرنسي "يبدو أن فرنسا تريد أن تدخل تحالف أوكوس كوسيلة لإعادة بناء الثقة في التحالف".

المصدر : الجزيرة