الجيش العراقي في ذكرى تأسيسه.. تاريخ حافل بالانقلابات والتدخلات بالسياسة وهذه أبرزها

العراق يحتفل اليوم الأربعاء بالذكرى المئوية لتأسيس الجيش (رويترز)

قبل قرن كامل من الزمان وفي 6 يناير/كانون الثاني أعلن في بغداد عن ولادة النواة الأولى للجيش العراقي الحديث، والتي حملت عنوان "فوج موسى الكاظم"، ورغم أن العلاقة في البداية كانت مستقرة بين المؤسسة العسكرية الوليدة والبلاط الملكي فإن كثيرا من الأشياء بدأت تتغير تباعا.

كان الجيش هو البيئة المثالية التي وجدت فيها الأحزاب الناشئة مناخا صالحا للتمدد فيها، وبدأ السياسيون العراقيون وقتها في نسج خيوط العلاقة مع العسكر الذين كانوا منشغلين بإقامة قواعد الدولة الجديدة وتوطيد أمنها.

وفي ظل تصاعد الخلافات بين الحكومات العراقية والأحزاب أقدم الضابط بكر صدقي على القيام بأول انقلاب في تاريخ العراق الحديث والعالم العربي عام 1936 وأطاح بحكومة ياسين الهاشمي، ونصّب بدلا عنه حكمت سليمان.

ومن يومها بدأت تظهر أصابع الجيش واضحة في صفحات السياسة العراقية حتى نضجت هذه المحاولات وتشكل ما يعرف بتنظيم "الضباط الوطنيين" الذي كان يقوده كل من عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف اللذين أطاحا فيما بعد بالنظام الملكي وأعلنا قيام الجمهورية عام 1958.

اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي
القيسي يرى أن النزعة الانقلابية كانت موجودة عند ضباط الجيش العراقي منذ تأسيسه (الجزيرة)

جذور وبدايات

تشكلت البذرة الأولى للجيش العراقي الحديث من ضباط عراقيين كانوا يخدمون في صفوف الجيش العثماني، وتم إبعادهم إلى الحجاز لأسباب "قومية" بعد سيطرة جمعية الاتحاد والترقي على السلطة في إسطنبول، وهو ما دفع هؤلاء الضباط للالتفاف حول الشريف حسين الذي أعلن ما عرفت بـ"الثورة العربية الكبرى".

وبحسب اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي، فإن الجيش العراقي تأسس عمليا قبل ولادة الدولة العراقية الحديثة، وكان له حضور وبصمات واضحة في الحياة السياسية خلال العهد الملكي تجلت في انقلاب بكر صدقي ومشاركة القوات المسلحة في حركة مايو/أيار المناهضة للوجود البريطاني عام 1941، والتي تم إجهاضها ومطاردة القائمين عليها.

ووفقا للقيسي، فإن النزعة الانقلابية كانت موجودة عند ضباط الجيش العراقي منذ تأسيسه، كما أن مشاركة ضباطه في الحياة السياسة للعراق الحديث لم تكن ظاهرة غريبة، بل مشابهة لأدوار لعبتها جيوش عدة دول في المنطقة، مثل مصر وتركيا وباكستان والجزائر، ولا يزال لبعضها تأثير على السياسة حتى اليوم.

لكن الحال تغير بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003 حين حل الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر الجيش السابق وكافة التشكيلات الأمنية، فكان تأسيس الجيش الجديد مختلفا عن مساراته السابقة، فقد جرى تكوين قاعدته من أفواج مسلحة تسليحا خفيفا، قبل اختيار ضباطه أو تعيين وزير للدفاع، في محاولة لسد الفراغ الأمني الحاصل في الشارع، وأعطيت مهمة تدريبه لشركة أمنية أميركية، واستبعدت كفاءات عسكرية عراقية من هذه المهمة.

ويؤكد القيسي أن هذه الإجراءات أثرت على مفاصل الجيش الجديد، وأدت لظهور مشاكل في قيادته والسيطرة عليه بشكل واضح.

ويرى اللواء الركن المتقاعد أن الجيش كان العامل الرئيسي في توحيد الشعب، على عكس ثروة النفط التي تسببت في ظهور العديد من الصراعات، وأدت الخدمة الإلزامية وتنقل المجندين بين مختلف المحافظات إلى تقوية النسيج الاجتماعي للعراقيين، على حد قوله.

الباحث والخبير الاستراتيجي - معن الجبوري
معن الجبوري يؤكد أنه من الصعب فصل الجيش عن السياسة (الجزيرة)

محاولات التسييس

ويرى الخبير الأمني معن الجبوري أنه لا يمكن فصل الجيش عن السياسة، فالجيش إحدى المؤسسات التي تستخدمها الدولة لحماية البلد وفرض الأمن والنظام وتطبيق القانون.

ورغم أن الأحزاب السياسية في العهد الملكي لم تمارس إملاءات على المؤسسة العسكرية -مع أن بعض الضباط ينتمون لتوجهات سياسية أو تأثرهم ببعضها- فإن الحال تغير بعد انقلاب 1958 الذي حمل العسكر إلى السلطة، وتأسست مجاميع من الضباط ذوي الميول السياسية، سواء كانوا قوميين أو بعثيين أو شيوعيين.

ويضيف الجبوري للجزيرة نت أن مجلس السيادة الجديد تكوّن من قادة الجيش، وأخذ الحكم طابعا عسكريا، وبدأت مرحلة دموية تمثلت بانقلابات أسست لصراعات أخرى راح ضحيتها كثير من الذين انقلبوا على النظام الملكي.

ولفت إلى التحول بعد انقلاب عام 1968، والذي أدى لوصول حزب البعث إلى السلطة، حيث بدأت سياسة الحزب الواحد، وكان الانتماء للبعث إجباريا وحتميا، خاصة للضباط والقيادات العسكرية، أما من يخالف فقد يقع تحت طائلة المراقبة والمساءلة، بحسب تعبيره.

ومرة أخرى، حملت التحولات العسكر إلى قلب السياسة، فقد تأسس جيش جديد بعد 2003 في ظروف شابها الكثير من الاتهامات والصراعات، وأصبحت هناك فجوات كبيرة بين الدولة والمؤسسة العسكرية والمواطنين أيضا.

لكن كثيرا من سوء الفهم المتبادل بين الجيش والشارع قد زال بعد تحرير محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، وأصبحت العلاقات أكثر ثقة وودية حتى في المناطق التي كانت تنظر بكثير من السلبية للجيش الجديد، كما يؤكد الجبوري.

الخبير في القانون الدستوري بشار الحطاب
الحطاب قال إن دستور 2005 جعل مهمة القوات المسلحة مقتصرة على الدفاع عن العراق (مواقع التواصل)

تحولات دستورية

وتدور تساؤلات كثيرة بشأن طبيعة العلاقة بين المؤسستين العسكرية والسياسة بحسب الدستور ونصوص القانون العراقي منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة حتى اليوم.

ويقول الخبير في القانون الدستوري بشار الحطاب إن دستور عام 1925 المسمى "القانون الأساسي" أكد خضوع القوات المسلحة لإرادة الملك وسلطته بصفته رأس الدولة الأعلى، وبذلك يكون النظام الدستوري في العهد الملكي قد اعتمد تبعية القيادة المدنية للقوات المسلحة، ومنعها من التعاطي مع شؤون الحكم والسياسة.

ويضيف الحطاب للجزيرة نت أن دستور 1958 جاء بنظام سياسي لم يكتسب الشرعية عن طريق الانتخابات، وإنما من خلال انقلاب عسكري وفق ما تعرف بـ"الشرعية الثورية"، والدستور الذي أقره مجلس الوزراء وقتها منح السلطتين التشريعية والتنفيذية لمجلس الوزراء الجديد.

وأصبح الجيش العراقي منذ تاريخ الانقلاب العسكري مركز القرار السياسي في إدارة شؤون البلاد، وتولى القادة العسكريون المناصب التنفيذية العليا في الدولة.

أما دستور 2005 -الذي لا يزال ساريا حتى اليوم- فقد ارتكز على مبدأ الفصل بين السلطات، ومنح رئيس الوزراء مسؤولية قيادة القوات المسلحة، وجعل مهمتها مقتصرة على الدفاع عن العراق وألا تكون أداة لقمع الشعب أو تتدخل في السياسة.

كما منع الدستور الحالي منتسبي وزارة الدفاع من الترشيح في الانتخابات أو القيام بحملات انتخابية، سواء بصفاتهم الشخصية أو الوظيفية، لكنه لم ينظم حماية فعلية تحول دون تدخل الجيش في السياسة.

ووفقا للحطاب، فإن منح سلطة تعيين رئيس أركان الجيش ومن هم بمنصب قائد فرقة فما فوق لمجلس النواب يمثل تصريحا ضمنيا يسمح بتدخل السلطة التشريعية -التي تمثل أحزابا متنوعة الانتماء السياسي والقومي والديني- في تعيين واختيار قادة الجيش العراقي.

وهذه الإجراءات تنعكس في كثير من الأحيان بشكل سلبي على فكرة "الولاء للوطن وحده" رغم الأدوار التي مارسها الجيش في دفاعه عن البلاد، وحصوله على تأييد شعبي كبير، بحسب الخبير في القانون الدستوري.

المصدر : الجزيرة