هل المصارحة والمصالحة بداية نهج جديد لمجلس التعاون؟

جانب من لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (يمين) مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني (الصحافة السعودية)

من داخل قاعة "مرايا" الفريدة من نوعها التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية بوصفها أكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم بمدينة العلا، شمال غربي المملكة العربية السعودية، انتهت القمة رقم 41 لدول مجلس التعاون الخليجي، أو قمة السلطان قابوس وصباح الأحمد، يوم أمس الثلاثاء، بعد أن استمرت ساعات قليلة جرت أثناءها مراسم توقيع دول المجلس على بيان ختامي طويل، أبرز ما فيه الدعوة لتطوير العلاقات الراسخة واحترام مبادئ حسن الجوار.

قمة العلا كان عنوانها "المصارحة والمصالحة"، وحسب تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، فإنها أفضت إلى طيّ صفحة الماضي والتطلع إلى مستقبل يسوده التعاون.

ولاقت القمة ترحيبا من أطراف دولية وإقليمية، لكن في الوقت ذاته دعت تلك الأطراف نفسها إلى إتمام عملية المصالحة بين بقية الأطراف الخليجية (الإمارات والبحرين) وقطر. إذ لوحظ أن الأمور جرت بالقمة كما لو أن المصالحة كانت مقتصرة بين دولتين، هما السعودية وقطر، وفقا لتصريحات رسمية صدرت عن الدولتين تشيد بما تم، مقارنة بتصريحات محتشمة أو أقرب إلى الحذرة من بقية الأطراف المختلفة مع قطر، مما يوحي أن ما جرى في العلا، إنما يمكن عدّه خطوة في رحلة الألف ميل، أو رحلة المصارحة والمصالحة، ويعني أن الرهان الآن قائم على الوقت في مسألة الوصول إلى مرحلة بناء ثقة متبادلة، تدعم العلاقات ويسود فيها التفاؤل جو المنطقة التي ما برحت تتأزم وتتوتر بل تزداد توترًا كلما اضطربت الأجواء خارج المنظومة، اضطرابا ربما هو أحد أصول التأزم، المتمثل في ذلك التوتر شبه المستمر بين الولايات المتحدة وإيران.

الولايات المتحدة، حسب مراقبين، اضطلعت بدور مهم في تسريع إجراءات المصالحة، خاصة بعد خسارة الرئيس الحالي دونالد ترامب سباق الرئاسة، الذي عملت إدارته على تسريع الخطى لتحقيق مكاسب خارجية، إحداها أزمة الخليج، وضرورة حلحلتها وتحقيق مكسب يستثمره الرئيس ترامب في رحلة السباق نحو الرئاسة عام 2024 التي أعلنها أخيرًا، وربما تفويت هذا المكسب على خصمه جو بايدن، أو كذلك يرى مراقبون.

إذ إنه في وقت سابق للقمة، أكد مسؤول كبير بالإدارة الأميركية، رفض الإفصاح عن هويته، أن انفراجة تحققت في الخلاف المستمر منذ أكثر من 3 سنوات بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وأنه في الوقت الذي أوضحت السعودية عزمها رفع الحصار -وهو ما حدث منذ مساء الاثنين الماضي- لم يصدر عن الدول الثلاث الأخرى تصريح مماثل. لكن المسؤول الأميركي قال "نتوقع" أنهم سينضمون أيضًا لرفع الحصار، مضيفًا أنه بموجب الاتفاق المتوقع في هذه القمة "ستتخلى قطر عن الدعاوى القضائية المتعلقة بالحصار".

من جانبها ترى المملكة العربية السعودية، بعد التغيرات التي حدثت في الإدارة الأميركية، أن مقاربة معينة لا بد منها في أزمتها مع قطر، وأن تصالحها مع قطر بمنزلة صفقة ذات تكلفة أقل من خسارة حليف إستراتيجي كالولايات المتحدة، إذ ترى الإدارة الجديدة ضرورة تغيير نهج التعامل مع الرياض، ولعل هذه الرؤية إحدى المسرّعات في إنهاء أزمة الخليج بأي صورة ممكنة، حتى وإن كانت جزئية بين الدوحة والرياض في المرحلة الحالية، على أن تُستكمل في مرحلة تالية بين قطر وبقية الأطراف.

General view of the Gulf Cooperation Council's (GCC) 41st Summit, is pictured via screen at the media centre in Al-Ula

الدوحة ترى من جانبها، حسب ما اتضح من تصريحات سابقة لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في جلسة منتدى روما السادس لحوار المتوسط، أن" قطر متفائلة تجاه حل الأزمة الخليجية". مشيرًا إلى أن أي نوع من التسويات للأزمة ينبغي أن يكون شاملًا ويحفظ وحدة الخليج، وأنه يأمل أن تتحرك الأمور في الاتجاه الصحيح، لكننا "لا نستطيع التكهن بما إذا كان التحرك وشيكًا، أو سيحل النزاع بالكامل، ولا نستطيع القول إن جميع المشكلات ستحلّ في يوم واحد".

مما يعني أن الرؤية القطرية لتفكيك الأزمة وحلها تستبطن الهدوء والحذر، وتدرك أن التعامل مع أطراف الأزمة ينبغي أن يكون بشكل منفرد، كل على حدة، على اعتبار أن ما تختلف الدوحة عليه مع الرياض، ليس هو المختلف عليه مع أبو ظبي أو المنامة، ومن ثم فإن الأمر يحتاج إلى رحابة صدر، وتخطيط صحيح دقيق لإنهاء كل الخلافات للحيلولة دون ظهورها من جديد، والبعد عن الحلول المهدئة المؤقتة التي ما زادت الخليج غير تخسير.

كيان مجلس التعاون من بعد عقود أربعة على إنشائه ما زال هشًا لينًا لم يقدر على الثبات خاصة في الأزمات البينية، بل إنه إلى الانزواء كان أقرب. وقد كان فعليًا في مرات عدة قاب قوسين أو أدنى من التفكك، على غرار كيانات عربية وإقليمية أخرى ظهرت ثم اندثرت سريعًا.

إن المبادئ التي تم التوقيع عليها في القمة الأخيرة، ومنها احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون بعضها بعضا الداخلية، واحترام السياسات الخارجية للأعضاء، مطلوب تعزيزها وتأكيدها، وقبل ذلك احترامها، فإن جل الأزمات والمشكلات البينية طوال عمر المجلس، أبرز أسبابها هو غياب احترام تلك المبادئ بحجج ومسوّغات متنوعة.

فهل يمكن عدّ قمة العلا قمة ترميم لكيان المجلس يمكنه عبر شعاره الجديد لدورته الحالية "المصارحة والمصالحة" السير مرة أخرى، وبخطوات واثقة ثابتة في ظل أزمات متناثرة حوله، أم تعود الأمور سريعًا إلى ما كانت عليه، ويعود المجلس إلى روتينه المعتاد؟

الكل ينتظر ويراقب.

المصدر : الجزيرة