ثورة يناير المصرية بين جيلين.. شباب مستنزف وآخر منتظر

ثورة يناير المصرية
مصريون خلال التظاهر في ميدان التحرير أثناء ثورة يناير 2011 (وكالة الأنباء الأوروبية)

في الثامن عشر من يناير/كانون الثاني 2011 اجتمع أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير -ومعظمهم كانوا سياسيين تقليديين من متوسطي وكبار السن- في مقر حزب الغد بوسط القاهرة لمناقشة ما إذا كان من الأفضل تنظيم مظاهرات يوم 24 يناير/كانون الثاني 2011؟ أم تغيير الخطة والاستجابة للدعوة المجهولة التي أُطلقت يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011؟

وبينما كان هذا الجيل الذي شارك معظم أفراده في تظاهرات 18و19 يناير/كانون الثاني 1977، تنتهي مناقشاته لقرار المشاركة في الدعوة لتظاهرات 25 يناير/كانون الثاني، لأنها لاقت استجابة أكبر من دعوتهم، كان هناك جيل جديد في العشرينيات من أعمارهم لم يكن بحاجة  لمقر ولا لاجتماعات مباشرة، بل كان قد خطط لكل شيء عن بُعد عبر الإنترنت.

بين جيلين

وبعد مرور عقد كامل على ثورة يناير، أمسى أفراد هذا الجيل الجديد الذين قادوا الثورة وهم في منتصف ونهاية العشرينيات من أعمارهم، في الثلاثينيات اليوم وعلى أعتاب الأربعينيات من أعمارهم، وهم ما بين مشرد في المنافي بالخارج، ومسجون بالداخل أو مؤثر للسلامة من الأذى.

لذا فهذا الجيل الجديد الذي بات قديما لم يعد يصلح لقيادة ثورة جديدة، برأي مراقبين يرون أن شرط قيام ثورة هو وجود جيل جديد يخرج متخففا من أثقال الثورة القديمة وعقدها وآلامها.

واحتاج المصريون منذ احتجاجهم قبل الأخير عام 1977 المعروف بانتفاضة الخبز، إلى أكثر من 30 عاما قبل الثورة الجديدة في يناير/كانون الثاني 2011.

يقول معاذ، الذي شهد الثورة طفلا في الخامسة عشرة من عمره وردد مع أقرانه هتافاتها لهوا في الشوارع، إن وعيه تشكل خلال السنوات العشر الماضية على أن الشعب يمكنه التغيير إن أراد، لكنه لا يدرك الوسيلة حاليا، ويعرف أن الكلفة غالية، معترفا بحديثه للجزيرة نت أنه "طالع المأساة في قريب له لقي مصرعه في احتجاجات الإسلاميين في ميدان رابعة العدوية أغسطس/آب من عام 2013".

ويختلف مع الرأي السابق إياد، وكان في العاشرة من عمره وقت اندلاع الثورة، إذ يرى أن جيله لا يعبأ بالثورة ولا يلقي بالا لأحلام التغيير، وقال للجزيرة نت إن أقرانه "غارقون في اللهو على ألعاب الهاتف المحمول، فضلا عن أن مشاهد الدم التي طالعها قبل 7 سنوات، جعلته في فزع دائم من أن يفقد نفسه أو عزيزا عليه لو فكر في مجرد الاحتجاج على أستاذه بالجامعة حاليا".

ورغم اختلاف رأيَيْ الشابين، غير أن ما يجمعهما هو الخوف والحذر الشديد، الذي دفعهما للحديث باسميهما الأوليين فقط.

ثورة مستمرة

بدوره، يؤكد الناشط والباحث تقادم الخطيب -والذي شارك في ثورة يناير شابا- أن من قاموا بالثورة يستطيعون استكمالها، فهم لا يزالون شبابا، حيث ضمت الثورة أجيالا مختلفة، وانضم لها فتيان لم يبلغوا العشرين من العمر وقتها.

وتابع الخطيب في حديثه للجزيرة نت بأن هناك جيلا أطلق الشرارة وآخر حمل المشعل، وهؤلاء لايزالون شبابا قادرين على قيادتها، ولا سيما أن هؤلاء اطلعوا على تجارب أخرى، وصقلتهم تجارب داخلية وخارجية جعلت تطلعاتهم أكبر من الجيل السابق عليهم.

وفي التباين الشديد بين اختلاف الجيل القديم الحاكم والجيل الجديد الناقم، ستولد مفارقة ترجح كفة انتصار الأخير، باعتقاد الخطيب، ولا سيما أن الهزة التي أحدثتها ثورة يناير في أروقة النظام أكبر مما يمكن أن يتخيله أحد.

وأكد أن لدى النظام هاجسا مخيفا من يوميات الثورة، خصوصا أن ذكرياته مريرة تجاه يومي 28 من يناير/كانون الثاني 2011 (جمعة الغضب)، ثم الثاني من فبراير/شباط 2011 (معركة الجمل) اللذين أديا إلى تغيير مفصلي في مسار الثورة، ولولاهما ما نجحت.

ويعتقد المتحدث أن الجيل الحامل لمشعل الثورة، لا يحتاج للنزول في كتلة واحدة، ولكن يحتاج للاتفاق على أجندة موحدة في العمل، محورها الأساس الحرية والديمقراطية، وفي ظل غياب البرنامج السياسي تتصدر الأيديولوجيات.

ولفت إلى أن الجيل الحالي من المعارضة المصرية يعاني من 5 معضلات أساسية تعيقه عن الحركة حاليا، أولها عجزه عن بناء تنظيم خارج بنية الدولة، وثانيها أزمة التمويل، وثالثها أزمة غياب البرنامج السياسي، ورابعها أزمة الخطاب السياسي الجاذب للناس، وأخيرا أزمة القيادة، القادرة على الانتقال بالثورة لمرحلة الديمقراطية المستقرة.

https://twitter.com/Talanasser20/status/1353294507836645376

الشعب يقود

بدوره، يقول نائب رئيس اتحاد طلاب مصر سابقا أحمد البقري إن السنوات السبع الماضية لم ينتج عنها أي تحسن، بل الأمور عادت إلى ما هو أسوأ من قبل الثورة، ما يجعل هذا الجيل والأجيال التي تليه تتذكر بحنين سنوات الثورة والحرية التي تنفسها الشعب وكان خلالها صاحب السلطة.

وتابع البقري في حديثه للجزيرة نت أن حلم التغيير لم يغب عن الشباب والأجيال التالية التي لم تشهد الثورة، لافتا إلى أن ما حدث في السودان والجزائر وليبيا ليس ببعيد، فقد حدثت هذه الهبات رغم المحاولات المستمية من قبل أنظمة الاستبداد لإرهاب الشباب والشعوب من رياح التغيير.

ويؤكد البقري، الذي شارك في ثورة يناير شابا صغيرا في فترة الجامعة، أن الشباب متعطش للحرية في ظل غياب الشباب عن كل الانتخابات التي عزف عنها الشعب، في رسالة واضحة للسلطة أن الشعب وخصوصا الشباب غير راغبين في بقاء هذه السلطة.

واعتبر أن ذلك يدل على تضاعف مساحة الوعي التي غرستها الثورة في الشارع رغم القبضة الأمنية والترهيب، وهو أيضا رسالة واضحة بأن الشعب مهما طال صبره ستأتي لحظة يقرر فيها الثورة، وكما ولدت يناير من جيل فاجأ الجميع، فالقادم سيأتي أيضا بما لا يتوقعه أحد.

وأعرب المتحدث عن اعتقاده بأن الأمر تخطى فكرة النخب والأجيال، وصار الشعب سابقا للجميع بمراحل، ودلّل على ذلك بما حدث في مظاهرات سبتمبر/أيلول الأولى في 2019 والثانية في 2020، وهي المظاهرات التي استجاب فيها مصريون لدعوة الممثل والمقاول محمد علي.

جيل ناضج

وبغض النظر عن صحة فكرة استهلاك الثورة لجيل واحتياجها لجيل جديد، يرى مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية ممدوح المنير أن الجيل الحالي صنعته الآلام والجراح فكبر ونضج بما يتجاوز سنه كثيرا، موضحا أن الأجيال الماضية تربت في كنف الوداعة واللا نضال أيام مبارك، رغم ظلم وبطش النظام وقتها، لكنه كان بطشا محدودا، أما جيل الشباب الحالي فيعاني، برأيه، من ظلم دون حدود أو قيود ما يجعله أقوى وأصلب عودا.

ويؤكد المنير في حديثه للجزيرة نت أن الثورة لم تمت، موضحا أن هذا الكلام ليس تحليلا بالتمني، ولكن دراسات وأبحاث العلوم السياسية تؤكد نضج جيل الثورة، واستعداده لحمل مشعلها في ظل تضخم مخزون الظلم والقهر وتدهور الوضع الاقتصادي، الذي يمكن أن يؤدي لانفجار مجتمعي إذا تسلمته قيادة ذكية وحكيمة للمعارضة يمكنها تحويله إلى ثورة جديدة.

ولا يستبعد المنير إمكانية أن تتشكل الثورة الجديدة من أطياف مختلفة وجديدة، فيمكن -برأيه- أن يشارك فيها بقايا نظام الرئيس حسني مبارك الذي خلعته الثورة، بعد ما تضرروا من النظام الحالي، انتقاما لمصالحهم ونفوذهم الضائع.

المصدر : الجزيرة