التدافع السياسي في العراق هل يفسح المجال لشخصية غير حزبية لرئاسة الوزراء؟

الانتخابات المقبلة يتوقع أن تفرز شخصيات جديدة للبرلمان (الجزيرة)

يدور تساؤل عما إذا كانت شخصية المرشح لمنصب رئيس الوزراء ستبقى ضمن الحدود المغلقة للأحزاب النافذة في الانتخابات المقبلة أم ستُكسر القيود وتأتي بأخرى مثل رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي؟ رغم أنه جاء برضى تلك الأحزاب ووفقا لاتفاقات سياسية.

يأتي ذلك تزامنا مع رفع مقتدى الصدر سقف طموحه بإيصال أحد الصدريين إلى منصب رئيس الوزراء، في وقت يدور فيه الحديث عن نيته إيصال ابن عمه السفير العراقي الحالي في بريطانيا جعفر الصدر، أو ابن شقيقه أحمد الصدر إلى رئاسة الوزراء، لا سيما أن التيار الصدري حقق أغلبية في انتخابات 2018.

في الآونة الأخيرة، نشطت التحركات والحوارات السياسية بين الأحزاب والكتل النافذة استعدادا للانتخابات المقبلة، التي من المقرر أن تجرى في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

السؤال الأبرز الذي يشغل الشارع العراقي حاليا هو: هل سيخرج رئيس الوزراء القادم من دائرة الأحزاب النافذة التي استحوذت على هذا المنصب بعد 2003 أم لا؟ وما احتمالية أن يكون المرشح لرئاسة الحكومة من الجيل الثاني أو الثالث لهذه الأحزاب؟ أو أنه سيبقى ضمن رقعة الجيل التقليدي من دون تغيير؟ وما موقف ساحات الاحتجاج؟

الخضر اعتبر أن العملية السياسية بالعراق توافقية، ولن يصل لرئاسة الوزراء إلا من يحظى بقبول مختلف القوى (الجزيرة نت)


الجيل الثاني أو الثالث

العملية السياسية في عراق ما بعد 2003 بُنيت على مبدأ التوافق، ولم تكن يوما عملية ترشيح شخصية رئيس الوزراء مرتبطة بالكتلة الفائزة في الانتخابات، بل مرتبطة بالتوافقات السياسية الداخلية والخارجية، كما حصل مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عندما جاء بديلا عن إبراهيم الجعفري عام 2006، وتجدّد الأمر مع المالكي نفسه واختير رئيسا للوزراء للمرة الثانية عام 2010 رغم فوز قائمة إياد علاوي وقتذاك، وكذلك الحال مع حيدر العبادي الذي جاء رغم فوز كتلة المالكي بانتخابات 2014، وعادل عبد المهدي أيضا لم يكن في لعبة الانتخابات، ومثلهم الكاظمي.

ووفقا للمحلل السياسي أحمد الخضر، ومع دخول "ثورة تشرين" على الخط، فمن المحتمل أن يكون رئيس الوزراء القادم من الجيل الثاني أو الثالث للأحزاب نفسها، مع اشتراط قبول مرجعية النجف والجانب الكردي ودول خارجية ذلك، لكن ما يُثير الانتباه أن الشخصيات من الخطوط الخلفية للأحزاب لا تتعدى أصابع اليد الواحدة.

ويتوقع الخضر أن يحافظ التيار الصدري على مساحته السياسية داخل البرلمان والحكومة، مع احتمالية رفع سقف طموحه للمطالبة برئاسة الوزراء، مستدركا بالقول إن العملية السياسية في العراق توافقية وليست عددية.

وأضاف أن مساعي التيار الصدري للفوز بمنصب رئيس الوزراء تعود لرغبته في أن يكون ممثل الشيعة سياسيا، في تصور منه أن الكتل والأحزاب الشيعية الأخرى قد فشلت في إدارة الدولة ما بعد 2003.

وفي حديثه للجزيرة نت، يُرجح المحلل السياسي خروج منصب رئاسة الوزراء من الخط الأول من هذه الأحزاب بتغيير تدريجي، متوقعا أن يكون من خارج الصقور، بمعنى أنه سيكون قريبا من الشارع ومعاناة العراقيين.

ويحمّل الخضر الأحزاب النافذة فشل إدارة الدولة العراقية خلال العقدين الماضيين، ليس فقط في رئاسة الوزراء، بل في إدارة ملفات الأمن والاقتصاد والعلاقات الخارجية والتعليم والإعمار والخدمات وغيرها من الملفات الأخرى.

رائد فهمي – سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي العراقي
فهمي يرى أن الوضع في العراق حاليا يوحي بأن حظوظ التيار الصدري أكبر من بقية الكتل (الصحافة العراقية)


ألوان اللوحة السياسية

ومع ذلك، لا تنحصر أهمية أن يكون رئيس الوزراء القادم من خارج دائرة الشخصيات التقليدية فحسب، بل يجب أن يتعدى إلى إحداث تغيير شامل في النهج المعمول به، الذي أدى بالبلد إلى الجمود الذي فيه الآن، ورسالة الاحتجاجات الأخيرة كانت واضحة، كما يرى السياسي العراقي رائد فهمي، وهي أن المنظومة السياسية الممسكة بزمام الأمور حتى الآن تتحمل مسؤولة كلّ ويلات العراق.

ويضيف أن الضغوط التي ولّدتها "انتفاضة تشرين" دفعت القوى السياسية النافذة للتفكير في الالتفاف على مطالب المتظاهرين من خلال الإتيان بشخصيات جديدة مضمونة الولاء لها، أو دخول الانتخابات المقبلة بتشكيلات منفصلة عنها في العلن، وفي الخفاء تُدين لها بالولاء، مفسّرًا هذه الخطوة بإعادة ترتيب داخل صفوف هذه الأحزاب.

ألوان اللوحة السياسية العراقية الحالية توحي بأن حظوظ التيار الصدري أكبر من بقية الكتل بتحقيق أغلبية نسبية في إطار القوى الشيعية التي يفترض أن يخرج منها رئيس الوزراء الجديد، حسب فهمي، مضيفًا أن "القوة ليست بيد الحكومة، بل هناك سلطات خارج الحكومة تؤثر على الأوضاع وتفرض قيودا على الدولة، وإذا كان مثل الكاظمي بقدرات محدودة لإحداث تغيير في موازين القوى من دون قدرته على فرض إرادته فلن يحصل أي تغيير".

Anti government protests in Iraq- - BAGHDAD, IRAQ - NOVEMBER 03: Protestors gather to attend ongoing anti-government demonstrations economic reforms and overhaul of the political system, at Tahrir Square in Baghdad, Iraq Baghdad on November 03, 2019. The escalation is part of a civil disobedience campaign waged by protesters to pile pressure on the Iraqi government to fulfill their demands.
ساحات الاحتجاج ترفض أن يحمل المرشح القادم لرئاسة الوزراء أي سمة من سمات الأحزاب التقليدية (الأناضول)


ساحات الاحتجاج

بدورها، ترفض ساحات الاحتجاج أن يحمل المرشح القادم لرئاسة الوزراء أي سمة من سمات الأحزاب التقليدية النافذة، التي تعتبر أنها تسبّبت في دمار البلد وإهدار ميزانيات 17 عاما، إضافة إلى ولاءاتها لغير العراق، ويضيف الناشط حمزة ماجد أن الأحزاب النافذة ستلجأ إلى جميع الوسائل للالتفاف على الاحتجاجات ورفض مطالبها بتغيير في إدارة الدولة.

وما يزيد من رفض المتظاهرين لأي شخص مرشح من الكتل النافذة لرئاسة الوزراء أن الولاء لن يكون للعراق، وسيعمل على تنفيذ أجندات الدول الداعمة له، كما هي الحال مع الرؤساء السابقين، حسب قول ماجد، مضيفًا أن هذه الأحزاب ستتمسّك بمنصب رئيس الحكومة ولن تتنازل عنه، وإن كلفها الأمر تحويل العراق إلى ساحة دماء.

اخر إن كتلته تؤمن بشخصية تكنوقراطية مهنية لهذا المنصب السيادي
فاخر بين أن كتلته تؤمن بشخصية تكنوقراطية مهنية مستقلة لتولي منصب رئاسة الوزراء (الجزيرة – نت)

الصدر
وما يزيد حظوظ التيار الصدري بتسلم رئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة أن زعيمه يغيّر رئيس الحكومة متى شاء عند تقصيره في تنفيذ واجباته، في حين يقول النائب عن تحالف "سائرون" الموالي للصدر جمال فاخر إن كتلته تؤمن بشخصية تكنوقراطية مهنية لهذا المنصب السيادي، بعيدًا عن الميول الشرقية أو الغربية، في وقت لم يفلح فيه رؤساء الوزراء السابقون في إنقاذ الشعب العراقي من الأزمات التي توالت عليه مرارا، على حد قوله.

ويشدّد النائب الصدري -في حديثه للجزيرة نت- على ضرورة أن يكون رئيس الوزراء القادم ذا خلفية عراقية تكنوقراطية مهنية، بعيدًا عن الولاءات للخارج أو أي طرفٍ آخر؛ ليُعيد القوة للدولة العراقية على مستوى المنطقة، مع تبادل المصالح المشتركة بين الدول الإقليمية.

المصدر : الجزيرة