هل يفتح قبول استقالة الحكومة الكويتية الباب لحلحلة الخلاف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؟

مجلس الأمة الكويتي
مجلس الأمة الكويتي (الجزيرة)

الكويت – خاص

أصدر أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح أمس الاثنين مرسوما أميريا بقبول استقالة الحكومة التي يترأسها الشيخ صباح الخالد مع تكليفها بتصريف العاجل من الأمور، وذلك على خلفية تأييد نحو 38 نائبا الاستجواب الذي قدمه النواب ثامر السويط وخالد العتيبي وبدر الداهوم إلى رئيس الحكومة في 5 يناير/كانون الثاني الجاري.

ومع قبول استقالة الحكومة أعلن رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم أنه لن تكون هناك جلسات للمجلس حتى تشكيل الحكومة الجديدة، فيما دعا نواب من المعارضة لحضور جلسة اليوم الثلاثاء، مؤكدين أنه لا يوجد ما يمنع عقدها في حال اكتمال النصاب.

وبقبوله الاستقالة يبدأ أمير الكويت المشاورات التقليدية مع رؤساء مجالس الأمة ورؤساء مجالس الوزراء السابقين والحاليين، وهي الخطوة التي تسبق تكليف رئيس مجلس الوزراء ليبدأ بدوره في تشكيل حكومته.

الأقصر عمرا
وتعد حكومة الشيخ صباح الخالد الثانية -التي أدت اليمين الدستوري في 14 ديسمبر/كانون الأول الماضي- هي ثاني أقصر الحكومات عمرا في تاريخ البلاد من أصل 37 حكومة شكلت في تاريخ الكويت الحديث منذ عام 1962.

وأمضت الحكومة الحالية 29 يوما من العمل مقارنة بـ28 يوما للحكومة التي تشكلت في 6 ديسمبر/كانون الأول 1964 برئاسة الشيخ صباح السالم، والتي انتهت في 2 يناير/كانون الثاني 1965، لعدم نيلها ثقة مجلس الأمة وقتها.

ويرى مراقبون أن قبول الاستقالة من شأنه امتصاص جزء من غضب النواب والتمهيد لوضع حد للخلاف الذي بدأ عقب إجراء الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن فوز نحو 23 نائبا يحسبون على المعارضة ويمثلون نحو 40% من تركيبة مجلس الأمة الكويتي الذي يضم 50 نائبا يتم اختيارهم بالاقتراع المباشر، فضلا عن 16 وزيرا هم نواب بحكم مناصبهم الحكومية.

وقد بدأت بوادر الخلاف مع إعلان الشيخ صباح الخالد تشكيلة حكومته، والتي لم تحظ برضا النواب منذ اللحظة الأولى لإعلانها، قبل أن تشهد الجلسة الافتتاحية تصويت الحكومة لصالح رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها بـ33 صوتا مقابل 28 صوتا لمرشح المعارضة بدر الحميدي رغم تعهد سابق من 42 نائبا بالتصويت للمرشح الحميدي، قبل يوم واحد على انعقاد الجلسة.

هذا الخلاف -الذي تفجر في الجلسة الافتتاحية نتيجة ما شهدته من أحداث- استمر وانعكس أيضا على انتخابات اللجان التي خسرتها المعارضة، مما أشعرها بالحرج أمام ناخبيها الذين رفعوا سقف طموحهم عبر أجندة انتخابية تصدّرها إقرار قانون العفو الشامل عن المحكومين في قضية اقتحام المجلس الشهيرة، وكذلك تعديل قانون الانتخابات، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات -وفي مقدمتها قانون المرئي والمسموع- وغير ذلك من القضايا السياسية.

مجلس الأمة الكويتي صادق بالأغلبية على إقرار قانون الحماية من العنف الأسري/الكويت *مصدر الصورة: صحيفة الوسط الكويتية
تأييد نحو 38 نائبا الاستجواب الذي قدمه النواب ثامر السويط وخالد العتيبي وبدر الداهوم إلى رئيس الحكومة (الصحافة الكويتية)

نقطة تواصل
وبحسب الدكتور أحمد المليفي -وهو نائب ووزير السابق- فإن مواجهة المشاكل التي تمر بها البلاد والقضايا التي يطرحها النواب تحتاج إلى وجود نقطة تواصل بين الحكومة والنواب، مما يحتم اختيار وزراء سياسيين قادرين على التحاور والوصول إلى منطقة وسط وتسويات بدلا من تعقيد الأمور مرة أخرى.

ويقول المليفي للجزيرة نت إن الحكومة المستقيلة لم تقرأ نتائج الانتخابات بشكل جيد، ولم تتعامل بشكل يجعلها خارج المعركة البرلمانية التي كان ينبغي ألا تكون طرفا فيها، وذلك من خلال ترك الحرية للوزراء للتصويت لمن يشاؤون على مستوى رئاسة المجلس.

وأضاف "بل ربما كان على رئيس الحكومة أن يفعل كما كان يفعل الشيخ سعد العبد الله -طيب الله ثراه- الذي كان يخرج أحيانا من القاعة دون أن يصوت في انتخابات الرئاسة".

وتتوقف التوقعات بشأن مستقبل العلاقة بين السلطتين على كيفية تعامل الحكومة الجديدة مع المعارضة والقضايا التي تطرحها، وكذلك مدى مبادرة تلك الحكومة باتخاذ خطوة مسبقة لفتح قنوات الحوار بشأن تلك القضايا، إذ من شأن الحوار حولها تجنب تكرار الأزمة.

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسة في جامعة الكويت الدكتور إبراهيم الهدبان أن ما يحدث هو نوع من المخاض لا بد أن يؤدي إلى تفاهم بين الطرفين، خاصة أن كلا منهما بدأ في التعامل بحسن نية مع الآخر عقب الانتخابات، إلا أن بعض المآخذ على وزراء الحكومة وما شهدته الجلسة الافتتاحية أغضب النواب وخدش ثقتهم في الحكومة، لتسهم مواقع التواصل الاجتماعي والرسائل المتبادلة في زيادة هوة الخلاف.

ويضيف الهدبان للجزيرة نت أن الأزمات الصحية والاقتصادية والأمنية -التي تشهدها المنطقة والكويت جزء منها وكذلك العالم عموما- تحتم ضرورة التهدئة، وأن تكون هناك مساع ودية لخلق أرضية مشتركة.

وأضاف أن الطريق لفتح صفحة جديدة هو انتقاء الوزراء الأكفاء بشكل دقيق في التشكيلة الحكومية الجديدة، فضلا عن سعي الحكومة وحلفائها داخل المجلس إلى التهدئة، خاصة أن الأحداث الأخيرة أثرت على ثقة الشارع في جدوى العملية السياسية، وهو ما يمكن أن يدفعه للمقاطعة وتفضيل العزلة مستقبلا، على حد تعبيره.

بدوره، يقول الكاتب الصحفي في جريدة القبس عبد الخالق الخطيب إن الأمل معقود على اختيار حكومة تكنوقراط تسند إليها مهام الإصلاح السياسي الشامل، على أن يتم استثمار الرغبة الشعبية الداعمة للإصلاح للمضي قدما في تحقيقه والوصول إلى منطقة وسط بشأن بعض الملفات الشائكة.

ويضيف الخطيب في حديث للجزيرة نت أنه ينبغي على السلطة التشريعية امتلاك أجندة عمل واحدة تبتعد فيها عن الاستعراض والتسابق في تقديم الاستجوابات الشكلية أو الكيدية، وأن تمهل الحكومة الجديدة فترة لا تقل عن 9 أشهر بعد تقديم الأخيرة برنامج عملها، حتى يمكن لها أن تنجز شيئا على الأرض.

المصدر : الجزيرة