سؤال وجواب.. كيف ساهمت زيارة شاه إيران مصر في انتصار ثورة الخميني؟

ضابط في القوات الملكية يقبل قدم الشاه بهلوي قبيل هروب الأخير من إيران (الصحافة الإيرانية)
ضابط إيراني يقبل قدم الشاه أثناء استعداه وحرمه للمغادرة إلى مصر (الصحافة الإيرانية-أرشيف)

بعد عقود من العمل الثوري لأنصار رجل الدين روح الله الخميني، غادر شاه إيران محمد رضا بهلوي في 16 يناير/كانون الثاني 1979 العاصمة طهران إلی مصر، وبعدها تسارعت الأحداث وانتصرت الثورة الإسلامية خلال 35 يوما.

وعلى وقع الانتفاضة الشعبية، التي عمت أرجاء البلاد، قال آخر ملوك إيران من مطار مهر أباد إنه "يشعر بتعب منذ فترة وبحاجة إلى استراحة".

ورغم أنه تحدث عن عزمه على العودة إلى أرض الوطن بعد تلقيه العلاج في الخارج؛ إلا أن زيارته إلى أسوان المصرية شكلت بداية النهاية للحقبة الملكية، التي استمرت 2500 عام في بلاد فارس.

الجزيرة نت تلقي الضوء من خلال "سؤال وجواب" على أهم تطورات الفترة ما بين خروج شاه إيران متوجها إلى مصر، وتاريخ الإعلان عن انتصار الثورة الإيرانية، وقيام الجمهورية الإسلامية في 11 فبراير/شباط عام 1979.

ماذا قال الشاه محمد رضا بهلوي قبيل مغادرته طهران؟ وكيف انعكس نبأ رحيله على الشارع الإيراني؟
بعيد ساعات فقط من منح البرلمان الإيراني الثقة لحكومة شابور بختيار، قال الشاه "أشعر بتعب منذ فترة، وأحتاج إلى استراحة، لقد قلت سابقا بأنني سأقوم بزيارة إلى الخارج بعد استقرار الحكومة الجديدة. موضوع العودة للوطن سيكون رهنا لحالتي الصحية".

وبعد حديثه عن أن مدينة أسوان المصرية ستكون محطته الأولى قبل زيارته إلى الولايات المتحدة، تقدم شاه إيران وحرمه "شهبانو فرح ديبا" بعيون دامعة عند الساعة 09:45 بتوقيت غرينتش نحو طائرة "نسر الملكية" "بوينغ707" (Boeing 707)، التي كان يقودها بنفسه، مؤكدا أن ما تحتاجه بلاده في تلك الظروف هو "التعاون بين السكان لإعادة الاقتصاد إلى مساره".

وبعد نحو 4 ساعات، حل بهلوي ضيفا على الرئيس المصري أنور السادات، حيث أقام برفقة زوجته في فندق أوبروي المبني على جزيرة وسط نهر النيل.

وما إن سمع الإيرانيون نبأ رحيل الشاه عبر إذاعة طهران، حتى نزل مناصرو الخميني في ربوع البلاد إلى الشوارع تعبيرا عن فرحهم بهزيمة من أسموه الدكتاتور، وقاموا بتمزيق صوره من العملات الورقية.

وانسحبت عربات الجيش من الشوارع، والتحقت أعداد كبيرة من ضباطه إلى الحركة الثورية، غير أن بعض الوحدات الموالية للحكم الشاهنشاهي من الجيش وقوات الشرطة السرية "السافاك" فتحت النار على مناصري الثورة بالعاصمة (طهران)؛ مما أدى إلى إصابة عدد منهم.

عاد الخميني في 1 شباط من منفاه في ضاحية باريس إلى طهران (الصحافة الإيرانية)
الخميني عاد إلى إيران على متن طائرة للخطوط الجوية الفرنسية (الصحافة الإيرانية)

كيف تلقى الخميني في منفاه نبأ "هروب" الشاه؟
اعتبر رجل الدين روح الله الخميني من منفاه في العاصمة الفرنسية (باريس) هروب الشاه محمد رضا بهلوي بأنه "طليعة انتصار الشعب الإيراني، وبداية السعادة، وتحقيق الحرية والاستقلال"، متوعدا بمحاكمته والانتقام منه، متهما إياه "بالالتحاق بحليفه الكيان الإسرائيلي، باعتبار الأخير العدو اللدود للإسلام والمسلمين".

وفي رسالته الشهيرة يوم 17 يناير/كانون الثاني عام 1979، دعا الخميني الإيرانيين إلى الوحدة والتعاون مع قوى الأمن العائدة إلى حضن الوطن، والإصرار على الشعارات الثورية المناهضة للحكم الملكي في تظاهراتهم المتواصلة حتى القضاء نهائيا على نظام الشاه، وذلك لسد الطريق على الجهات المتربصة بثورتهم، لا سيما عملاء الشاه المخلوع والقوى الأجنبية على حد تعبيره.

وبعد تأكيد عزمه العودة إلى إيران لإقامة "نظام حكم جمهوري إسلامي"، شدد على تكليف حكومة مؤقتة في أسرع وقت للقيام بتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي.

وبعد نحو 15 عاما قضاها في المنفى بين العراق وفرنسا، عاد الخميني في 1 فبراير/شباط 1979 إلى العاصمة (طهران) على متن طائرة للخطوط الجوية الفرنسية، وكانت في استقباله حشود وصفت بأنها مليونية من المناصرين، وسط مخاوف حقيقية من قيام سلاح الجو الموالي للشاه بتدمير الطائرة فور دخولها الأجواء الإيرانية.

ما هي أبرز الأحداث التي سرّعت سقوط حكومة بختيار وانتصار الثورة الإيرانية؟

اعتبر الخميني بعيد عودته إلى طهران حكومة شابور بختيار "غير شرعية"، وأنشأ "المجلس الإسلامي للثورة"، والذي اختار بدوره "مهدي بازركان" -من أبرز معارضي نظام الشاه- رئيسا للحكومة الانتقالية التي بدأت عملها بموازاة حكومة بختيار.

وإثر دعوة الخميني إلى تظاهرات مليونية دعما لحكومة بازركان، انضمت أعداد كبيرة من القوات المسلحة الشاهنشاهية إلى القوى الثورية، وازداد الشرخ أكثر فأكثر في المؤسسات الملكية؛ مما شجع القوى الثورية على إقامة سلطات موازية لإدارة شؤون البلاد.

وبعد احتدام الاشتباكات بين القوات الموالية للشاه والقوى الثورية، سيطر أنصار الخميني على عدد من مستودعات السلاح، ما أحدث تطورا عمليا في زيادة الجماعات المسلحة، التي قامت بمحاصرة المعسكرات والسيطرة على عدد منها.

واضطرت قيادة الجيش حينها إلى تبني الحياد، حيث أمرت الجنود بالعودة إلى ثكناتهم والتخلي عن حكومة بختيار.

وبعد سيطرة مناصري الثورة على هيئة الإذاعة والتلفزيون، وسجن إيفين الشهير، ومقرات الاستخبارات والشرطة وقوات الدرك، ومجلسي الشيوخ والوطني، ورئاسة الوزراء، وعدد آخر من المؤسسات الحكومية، قدم بختيار استقالته في 11 فبراير/شباط 1979، واختفى عن الأنظار لعدة أشهر، قبل أن يسافر إلى العاصمة الفرنسية (باريس).

وأصدرت القوى الثورية إثر استقالة بختيار بيانا تلاه رجل الدين فضل الله محلاتي من الإذاعة الإيرانية، مؤكدا انتصار الثورة وانضمام المؤسسة العسكرية إلى حركة الشعب.

مواطنان إيرانيان يمزقان صورة الشاه من عملة ورقية ويلصقان صورة الخميني عيلها (الصحافة الإيرانية)
أنصار الخميني نزلوا للشارع بعد هروب الشاه (الصحافة الإيرانية)

كيف تعامل الحلفاء مع الشاه بعد سقوطه؟

بعد وصوله إلى القاهرة، كان شاه إيران ينوي مواصلة زيارته إلى الولايات المتحدة لتلقي العلاج من سرطان الغدد الليمفاوية؛ لكنه تفاجأ بجريان الرياح بما لا تشتهي سفنه، إذ تخلى عنه حلفاؤه الغربيون، وعلى رأسهم الإدارة الأميركية.

وبالرغم من أنه كان مواليا للغرب إبان الحرب الباردة؛ إلا أنه وجد الطريق إلى حلفائه الأوروبيين والأميركيين محفوفا بالمخاطر السياسية، واضطر إلى التنقل بين المغرب وجزر البهاما ثم إلى المكسيك وصولا إلى الولايات المتحدة، حيث استقر فترة بقاعدة حربية في ولاية تكساس.

وبعد اقتحام ثوار إيران مبنى السفارة الأميركية لدى طهران في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979، واحتجازهم 52 عنصرا من موظفي ودبلوماسيي البعثة الأميركية، طالبوا واشنطن بتسليم الشاه مقابل الإفراج عن الرهائن. ورغم أن الإدارة الأميركية رفضت الطلب؛ إلا أنها طلبت من البهلوي مغادرة أراضيها بسرعة خوفا على رعاياها.

وعندما أراد البهلوي العودة إلى المكسيك وجد أبوابها مغلقة في وجهه، ليستقر على إثرها في بنما فترة قصيرة، قبل لجوئه إلى مصر في 24 مارس/آذار 1979، حيث كان صديقه الوحيد الرئيس أنور السادات في استقباله بالقاهرة.

وفي 27 يوليو/تموز 1980 توفي آخر ملوك إيران بالقاهرة عن عمر ناهز 60 عاما جراء إصابته بسرطان الغدد اللمفاوية، حيث أقام الرئيس أنور السادات له جنازة عسكرية، وجرى دفنه في مسجد الرفاعي في العاصمة المصرية.

المصدر : الجزيرة