لغة تصالحية مع اليونان وأوروبا.. هل تعكس تحولا في السياسة الخارجية التركية؟

European Union (L) and Turkish flags fly outside a hotel in Istanbul, Turkey May 4, 2016. REUTERS/Murad Sezer
تغطى مؤخرا الدبلوماسية الناعمة على خطاب تركيا السياسي تجاه أوروبا واليونان في رسالة للتهدئة (رويترز)

فتح العام 2021 أبوابه بلغة دبلوماسية ناعمة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بعدما ختم العام 2020 آخر أيامه بفرض بروكسل عقوبات على أنقرة؛ بسبب تنقيبها عن النفط والغاز في مناطق متنازع عليها مع أثينا شرق البحر المتوسط.

وكانت اللهجة التصالحية في تصريحات المسؤولين الأتراك إزاء حل الأزمة مع اليونان والاتحاد الأوروبي أمرا لافتا في بداية العام الجديد؛ فإلى أي مدى تعكس تحولا في السياسة الخارجية التركية في أعقاب عام من التوترات المتعلقة بالسياسة الخارجية التركية الخشنة؟.

وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن أمله أن تكون اللقاءات الاستكشافية المرتقبة مع اليونان، بشأن الأزمة في شرق المتوسط، مدخلا لحقبة جديدة. وقال إنه ينبغي تحويل حوض شرقي المتوسط إلى منطقة تعاون بين الجميع.

وفيما يخص العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، قال أردوغان إن تركيا مستعدة لإعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي إلى مسارها وفق رؤية طويلة الأمد.

وعلى الرغم من أن التوترات بين الطرفين لم تنته بعد؛ إلا أن اللهجة التصالحية لتركيا ستفضي -وفق مراقبين- إلى صيغة مشتركة لحل خلافاتهما.

وتدرك أنقرة في هذا الإطار بأن أي تصحيح لعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي يمر عبر البوابة الفرنسية، وتجسدت الرغبة التركية بإعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل أيام أن بلاده تعمل مع فرنسا على وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات الثنائية، مشيرا إلى إحراز تقدم في هذا السبيل.

تدرك تركيا أهمية فرنسا في الكتلة الأوروبية وتسعى لتطبيع العلاقات معها (الأوروبية- أرشيف)

صيغة مشتركة

وفي هذا السياق، يذكر الكاتب والباحث التركي في العلاقات الدولية طه عودة أوغلو أن أنقرة انتهجت لهجة تصالحية مع الاتحاد الأوروبي لإيجاد صيغة مشتركة لحل الملفات الشائكة، بعدما فرضت نفسها قوة في شرق المتوسط.

ويصف المساعي التركية بأنها تأتي في سياق تهدئة غضب الاتحاد قبل القمة الأوروبية المرتقبة في مارس/آذار المقبل، والتي من المفترض أن تناقش فرض عقوبات أشد قسوة على تركيا، وهي تعلم أنها أمام فرصة أخيرة لتفادي العقوبات.

ويقول عودة أوغلو للجزيرة نت "الاتحاد الأوروبي سيتلقف اللهجة التصالحية لتركيا من أجل بلورة حل يرضي الطرفين".

ويضيف الكاتب التركي "المتغيرات الإقليمية المتمثلة بوصول إدارة أميركية جديدة برئاسة الرئيس المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض دفعت -أيضا- تركيا ودولا عديدة إلى مراجعة سياساتها تجاه العديد من الملفات الشائكة في المنطقة".

لاجئون عبر القارات.. رحلة صومالي ومغربي وإيراني إلى أوروبا عبر الحدود التركية
عبور اللاجئين إلى أوروبا أحد الملفات الساخنة بين تركيا وأوروبا (الجزيرة)

فرصة أخيرة

فيما يؤكد القيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، رسول طوسون، أن بلاده تلتزم بالقانون الدولي وبالاتفاقيات المبرمة، ولم تستعمل لغة التوتر مع اليونان والأطراف الأخرى في أي من الملفات الشائكة.

ويقول طوسون للجزيرة نت "عندما طلبت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الحوار بين تركيا واليونان سحبنا سفينة التنقيب إلى ميناء أنطاليا؛ لكن أثينا انتهزت الفرصة، وبادرت إلى توقيع اتفاقية استفزازية مع مصر".

ويلفت القيادي التركي إلى أن بلاده تقدم دوما المصالحة والسلام؛ "لكن الطرف اليوناني يرفضها، وأنقرة حاليا تمنح اليونان فرصة جديدة، وربما أخيرة، للتصالح والجلوس إلى طاولة الحوار، وإلا ستدخل في معركة ستخسرها".

يشار إلى أن تركيا عرفت أزمات متعددة مع أوروبا، من توترات شرق المتوسط التي كاد النزاع مع اليونان أن يهدد بحرب بين حليفين في الناتو، وصولا للتشنج المستمر مع فرنسا، إلى ما جره التدخل في ليبيا وسوريا من مشاكل لتركيا مع بعض الدول الأوروبية، فضلا عن الأزمة التي أثارتها الرسوم المسيئة للرسول الكريم، وقانون إبادة الأرمن وتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.

تولي بايدن السلطة في واشنطن يحتم على أنقرة البحث عن علاقة جديدة مع الجوار الأوروبي (رويترز)

قوة ناعمة

من جهته، يرجّح الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج اعتماد تركيا القوة الناعمة والدبلوماسية أكثر من القوة الخشنة -في الفترة الحالية والقادمة- مع الاتحاد الأوروبي واليونان، كونها تريد أن تجني ثمار الأدوار التي أدتها في ملفات شرقي البحر المتوسط وليبيا والشرق المتوسط.

ويقول الحاج للجزيرة نت "تحتاج أنقرة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتحقيق شعار تكثير الأصدقاء وتقليل الخصوم، لا سيما في ملف شائك ومرتبط بأمنها القومي ومصالحها الإستراتيجية مثل شرق المتوسط".

ويضيف "تقع على عاتق تركيا مسؤولية كسب عدد من الدول الأوروبية إلى جانبها لتعزيز مصداقيتها، وتخفيف الاصطفاف الأوروبي إلى جانب اليونان وتقليل الضغوط غير المستحقة على تركيا، بما يمكن أن يهيئ الأرضية لحوار -تنخرط فيه اليونان بشكل حقيقي هذه المرة- يستبق خطوات الحل العملية من خلال التحكيم الدولي".

ويلفت الباحث الحاج إلى أن تركيا تريد أن تركز على أجنداتها الداخلية ذات الأولوية، من مكافحة جائحة كورونا إلى الملف الاقتصادي إلى الإصلاحات القضائية والقانونية، وهي مسارات تحتاج أكثر ما تحتاج إلى تهدئة مسارات السياسة الخارجية وتخفيف الضغوط عن أنقرة.

ويوضح بأن استعدادات أنقرة تشمل تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ رغبة منها في التجاوب مع المتغير العالمي الجديد المتمثل في انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، بُغية تقليل احتمالات الصدام مع الإدارة الجديدة.

ويرى الحاج أن تركيا بلغتها التصالحية الجديدة تستثمر في المتغيرات المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، لا سيما بعد البريكسيت البريطاني، الذي أضيف إلى أزمات أوروبية أخرى، مثل أزمات اليورو والديون والخلافات بين دول الشرق والغرب وجائحة كورونا، وهي متغيرات تقلل من اندفاع بروكسل نحو التصعيد مع أنقرة.

المصدر : الجزيرة