من عبد العال إلى حنفي.. هل ينتظر المصريون جديدا من برلمان بلا معارضة؟

حنفي الجبالي الرئيس الجديد لمجلس النواب المصري (الصحافة المصرية)

كان من الممكن أن تمر جلسة البرلمان المصري (الإجرائية) لاختيار الرئيس الجديد مرور الكرام في حال التجديد لرئيسه السابق علي عبد العال، أو اختيار غيره من النواب المدعومين من حزب "مستقبل وطن"، حزب الأغلبية، الذي يحظى بدعم أجهزة الدولة.

وعلى الرغم من أن الجلسة، التي عُقدت الثلاثاء، شهدت توافقا كبيرا بشأن المرشح الجديد النائب حنفي علي جبالي، فإن إعادة طرح اسم الرجل أثار لغطا وجدلا واسعين في الشارع المصري، وعلى منصات التواصل الاجتماعي، ولدى صحف ومواقع إعلام المعارضة تحديدا.

وفي نسخة البرلمان الجديدة فاز المستشار جبالي برئاسة المجلس لمدة 5 سنوات، خلفا للرئيس السابق علي عبد العال، بعد حصوله على 508 أصوات من مجموع 587 صوتا، مقابل 57 صوتا فقط لأقرب منافسيه اللواء محمد صلاح أبو هميلة، و9 أصوات للنائب محمد مدينة.

وأفادت تقارير صحفية بأن عبد العال خرج مغاضبا، يقاوم الدموع بعد أن تخلى عنه حزب مستقبل وطن، عقب مسيرة امتدت 5 سنوات دافع فيها بكل ما أوتي من قوة عن قرارات الحكومة، ولم يخذلها في تشريع واحد.

من هو الجبالي؟

ترشيح الجبالي ومن ثمّ فوزه لم يكونا مستغربين وفق كثير من المراقبين، فهو رئيس المحكمة الدستورية السابق الذي تولى رئاستها في أغسطس/آب 2018 وانتهت في يوليو/تموز2019، ثم فاز بمقعد مجلس النواب ضمن القائمة الوطنية "من أجل مصر".

لكن هناك معلومات أهم يتذكرها له كثيرون، تجعل فوزه بهذا المنصب ليس مفاجئا، فهو صاحب الحكم النهائي للمحكمة الدستورية بشأن عدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وإثر ذلك تم التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مما أثار غضبا واسعا بين المصريين.

ومن ثم ليس من المستغرب أيضا -وفق ناشطين وسياسيين- أن يقوم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو/تموز 2019 بتقليده وسام الجمهورية من الدرجة الأولى بعد تقاعده من عمله رئيسا للمحكمة الدستورية مباشرة، ثم ترؤسه مجلس النواب وهو المنصب الأهم بعد رئاسة الجمهورية.

وبتولي المستشار حنفي المنصب الجديد وترؤسه مجلس النواب يكون رؤساء المحكمة الدستورية السابقون قد استكملوا السيطرة على غرفتي البرلمان (النواب والشيوخ) بعد أن سبقه المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق، ورئيس حزب مستقبل وطن، بمنصب رئيس مجلس الشيوخ بالتزكية.

عبدالعال .. جهود غير مسبوقة

غير أن ما قدمه عبد العال من قوانين بلغ رقما قياسيا يصعب على أي رئيس برلمان جديد أن يحققه، ففي سابقة تاريخية في سجل البرلمانات المصرية أقرّ البرلمان 877 مشروع قانون طوال مدة انعقاده التي بدأت في 9 يناير/كانون الثاني 2016.

وعكست حالةَ السيولة في إقرار القوانين، موافقةُ مجلس النواب على 233 مشروع قانون، بإجمالي عدد مواد بلغ 2490 مادة أثناء الانعقاد الخامس فقط من الفصل التشريعي، الذي استمر 10 شهور، تخللها توقف كبير للجلسات على خلفية جائحة فيروس كورونا.

وأثار استبعاد عبد العال سخرية ناشطين على مواقع التواصل، رأوا أنه رسالة ودرس مهم لكل من يقدم خدماته للسلطة بتجاوز القانون والدستور. وذهب بعضهم إلى أن الحصول على هذا المنصب الكبير ليس من فراغ، وأن هناك من الأسباب ما يسوّغ إسناد المنصب إلى الرجل.

اختيارات أمنية

وفي هذا السياق يقول البرلماني المصري السابق نزار محمود غراب إنه "بغض النظر عن الأسماء، نظام حكم الجمهورية العسكرية منذ 1952 مهيمن على سلطات الحكم الثلاث: القضائية، والتنفيذية، والتشريعية، فلا يوجد طبقا لشعارات الدولة المدنية الحديثة لا استقلال سلطات ولا فصل بين السلطات".

وأشار غراب -وهو قانوني ومحام معارض- إلى أن الهيمنة تبدأ منذ بواكير الخطوات الأولى، حيث تكون التحريات الأمنية عن الشخص الملتحق بهذه السلطات ضمن معايير اتخاذ قرار تعيينه، كما أن سلطات الدولة الثلاث -المنصوص عليها ضمن الدستور- لها دور مرسوم ومحدد سلفا، وتشرف على تنفيذه الدوائر الأمنية والأجهزة الرقابية.

وفي حديثه -للجزيرة نت- لفت غراب إلى أنه في عهد المجلس العسكري كان المستشار حنفي ضمن تشكيل المحكمة الدستورية التي أصدرت حكم حلّ برلمان الثورة عندما أراد المجلس العسكري تنفيذ مخطط الانقلاب، وكان لا بد من أن يسبقه تقويض سلطة البرلمان.

ملامح مرحلة حنفي

وبشأن ملامح مرحلة الرئيس الجديد لمجلس النواب، توقع مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والإستراتيجية بإسطنبول ممدوح المنير، ألا تحمل جديدا، قائلا إنه "لا يمكن أن يكون أداء الجبالي مختلفا عن سابقه عبد العال فكلاهما تحركه الأجهزة الأمنية، وما هما إلا جزء من مسرحية هزلية تسمى البرلمان المصري".

وأضاف المنير -للجزيرة نت- أن المستشار حنفي باع جزءا من الوطن عندما حكم بعدم الاعتداد بجميع الأحكام الصادرة عن مجلس الدولة ببطلان اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لمصلحة السعودية، ومن ثمّ لن يكون صعبا عليه أن يبيع ما هو أقل من ذلك بكثير حتى نفسه.

واستدرك المنير "أو كما قال السيسي: (أنا لو ممكن أتباع كنت بعت نفسي)" حيث أسس بها زمن بيع الأوطان والضمائر، فكان الجبالي أحد تجليات هذا الزمن، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة