السودان وإثيوبيا.. توتر الحدود وخلافات السد هل تحملهما على مواجهة عسكرية؟

الصور باسم قوافل من سونا لقافلة سيرتها ولاية القضارف لدعم الجيش على الحدود.
عناصر من الجيش السوداني في ولاية الغضارف الحدودية مع إثيوبيا (الصحافة السودانية)

اتهامات إثيوبيا للسودان بالتوغل في أراضيها، وسط تقارير إعلامية عن استهداف مليشيات إثيوبية مزارعات سودانيات وقتل 4 منهن في المناطق الحدودية، فضلا عن حشود إثيوبية بولاية القضارف، كل هذا يهدد بتصعيد التوتر بين البلدين.

وإلى جانب التوتر الحدودي، فشلت جولة مفاوضات سد النهضة بين السودان ومصر وإثيوبيا في ظل اعتزام الأخيرة تنفيذ المرحلة الثانية من التعبئة في يوليو/تموز المقبل والتي تبلغ 13.5 مليار متر مكعب من المياه.

لماذا التصعيد؟

الاتهامات المتبادلة والتحركات العسكرية على جانبي الحدود أشارت إلى تصعيد بين البلدين جاء بعد أن فشلت اجتماعات اللجنة السياسية العليا المشتركة للحدود بين البلدين في الاتفاق على أجندة الاجتماع الذي عقد بالخرطوم في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، ولم تعقد الاجتماعات للجنة التي كانت متوقعة يومي السادس والسابع من الشهر الجاري بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا دون أن يقدم أي من الطرفين تفسيرا.

وفي الوقت ذاته، واصل الجيش السوداني انتشاره داخل منطقتي الفشقة الصغرى والكبرى وطرد المزارعين الإثيوبيين ودفعهم إلى داخل الحدود الإثيوبية، وأظهرت وسائل إعلام إثيوبية وصول عائلات إلى مدينة عبدالرافع القريبة من الحدود السودانية.

كما أن المزارعين الإثيوبيين الذين كانوا سابقا يزرعون أرض الفشقة يسابقون الزمن لاسترداد جزء من محاصيلهم في المناطق التي خلفوها بعد أن طردهم الجيش السوداني، ويتطلعون للعودة إلى هذه الأراضي قبل حلول أبريل/نيسان المقبل، أي قبل دخول موسم هطول الأمطار في مايو/أيار حتى يحاولوا زراعة الأراضي.

أما الحكومة المركزية الإثيوبية والتي تنتظرها انتخابات في مايو/أيارالمقبل في ظل متغيرات كثيرة، منها حرب في إقليم تيغراي وتطورات في إقليم بني شنقول قمز وانقسام تجاه الحكومة في إقليم أوروميا، فتريد استمرار دعم الأمهرة لها والذين يبلغ عددهم حوالي 27% من جملة سكان البلاد الذين يتجاوز عددهم 110 ملايين نسمة، مما يجعلهم كتلة انتخابية كبيرة يمكنها التأثير على موازين القوى، ولا سيما أن الأمهرة كقومية يتمسكون بأرض الفشقة، وأن الذين يستثمرون في أراضيها على مدى عقدين ونصف العقد شخصيات لديها تأثيرها الاقتصادي المتجاوز لإقليم الأمهرة إلى كل القطر الإثيوبي.

وفي الطرف الآخر، لا يريد السودان التنازل عن مكاسبه بعد أن وضع يده على حوالي 3 ملايين فدان من الأراضي الزراعية، يمكن أن يسهم إنتاجها في تخفيف الضائقة الاقتصادية.

هل سيتطور الأمر إلى مواجهة عسكرية بين البلدين؟

مع التحشيد والتوتر تظهر مخاوف من أن الأمر قد يتطور إلى مواجهة شاملة خاصة هذا العام، الذي شهد زيادة في الاشتباكات بين الجيش السوداني ومليشيات إثيوبية، لكن الوقائع الماثلة تشير إلى غير ذلك، فكلتا الدولتين تعلن دائما أنه ما من سبيل لحل الأمر إلا بالحوار.

كما أن التواصل الدبلوماسي بين البلدين لم ينقطع بل إنه في ظل هذه الأزمة زارت السودان وزيرة النقل الإثيوبية وتنقلت ما بين العاصمة وميناء بورتسودان على البحر الأحمر وناقشت مع المسؤولين السودانيين إمكانية استفادة بلادها المغلقة من الموانئ السودانية على البحر الأحمر، كما بحثت إنشاء خط سكة حديد يربط البلدين بطول حوالي 1600 كيلومتر يمتد من البحر الأحمر حتى العاصمة الإثيوبية.

والأمر الجوهري أن أوضاع البلدين الاقتصادية والسياسية لا تسمح لهما بالدخول في حرب.

فالخرطوم في مرحلة انتقالية تعاني من هشاشة سياسية تكافح للوصول بها إلى الانتخابات العامة، كما أنها تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة إذ بلغ فيها معدل التضخم وفق لإحصاءات رسمية 269%، مما يجعل الإنفاق على مواجهات عسكرية أمرا منهكا لاقتصاد متهالك.

كما أن الدخول في مواجهة شاملة سيخلق انقساما في المشهد السياسي السوداني والذي يرى فاعلون كثيرون فيه أن إثيوبيا حليف إستراتيجي وساهم في إنقاذ الانتفاضة الشعبية السودانية من الانزلاق إلى أتون العنف عبر الوساطة التي قادها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مع الاتحاد الأفريقي وأثمرت عن الاتفاق السياسي الذي بموجبه تشكلت الحكومة الانتقالية الحالية.

أما إثيوبيا فأوضاعها السياسية والاقتصادية ليست أفضل حالا من السودان، فالدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع السودان سيشتت جهود الجيش الإثيوبي بين جبهتين إحداها داخلية والأخرى خارجية.

وغير المواجهة العسكرية في تيغراي، فإن الحكومة المركزية تعاني من اضطرابات أمنية في إقليم بني شنقول قمز والذي يجاور ولاية سودانية أخرى هي النيل الأزرق، كما أن القومية فيه مشتركة بين البلدين ولديها امتدادات اجتماعية عابرة للحدود، مما يجعل احتمال أن تكون أرضا خصبة للسودان للنشاط داخلها في حال انزلقت الدولتان نحو مواجهة عسكرية.

وتزداد حساسية بني شنقول حيث تحتضن أهم مشروع تنموي إثيوبي وهو سد النهضة، مما يجعل أمر استقرار الإقليم هدفا إستراتيجيا لأديس أبابا التي تسابق الزمن لإكماله.

لماذا برزت الخلافات حول سد النهضة الآن؟

قد يتبادر للذهن أن ازدياد خلافات سد النهضة بين السودان وإثيوبيا بعد أن كانت كبيرة بين أديس أبابا والقاهرة، مرتبطة بالتوتر على الحدود، لكن الأمر مرتبط بحسابات المكاسب والخسائر من السد وليس لديها تماس مع الحدود.

منذ البداية كان التفاوض بين الدول الثلاث حول ملء وتشغيل السد، وكان ما يقلق القاهرة هو الملء في فترات الجفاف بعد أن وافقت إثيوبيا وبدأت بالفعل العام الماضي التخزين في الفترة المطيرة وهي الفترة التي تؤثر مباشرة على السودان، إذ إن سدوده صغيرة الحجم لا تستطيع خزن المياه في فترة الفيضان.

وحتى أهم سدود السودان، الروصيرص الواقع على بُعد 100 كيلومتر فقط من السد الإثيوبي سعته التخزينية أقل من 10% من سعة سد النهضة، إضافة إلى أنه في حال تم تصريف مياه السد الإثيوبي بمعدلات عالية تصبح سلامة الروصيرص في خطر، وهذا ما يهدد حوالي 20 مليون نسمة من سكان السودان يعيشون على ضفاف نهر النيل وفروعه وحوالي 90% من المشاريع الزراعية السودانية تعتمد في ريها على سد الروصيرص.

وإزاء هذه المهددات ارتفع صوت السودان بالمطالبة باتفاقية ملزمة حول ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي. ومما رفع وتيرة الصوت السوداني الرسالة التي أرسلها وزير الري الإثيوبي إلى كل من الخرطوم والقاهرة، بأنه سينفذ المرحلة الثانية من الملء هذا العام دون انتظار موافقة دولة أخرى.

المصدر : الجزيرة