بعد خطابي نصر الله وماكرون.. ما مصير المبادرة الفرنسية في لبنان؟

كومبو لحسن نصر الله في خطابه أمس والرئيس الفرنسي ماكرون
خطابا حسن نصر الله وماكرون يثيران الأسئلة حول مصير المبادرة الفرنسية لتشكيل الحكومة اللبنانية (رويترز)

بعد خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي اتهم فيه الطبقة السياسية اللبنانية بـ"خيانة تعهداتها أمام بلاده والمجتمع الدولي"، جاء خطاب أمين عام حزب الله حسن نصرالله توضيحا لموقفه من مسار المبادرة الفرنسية الذي ساق إلى تعثر تشكيل حكومة برئاسة مصطفى أديب.

في الشكل، ارتكز نصرالله في خطابه على 3 أبعاد في الملف الحكومي والمبادرة الفرنسية. فداخليا، حمّل رؤساء الحكومات الأربعة السابقين (سعد الحريري، ونجيب ميقاتي، وتمام سلام، وفؤاد السنيورة) مسؤولية عرقلة تشكيل الحكومة، واتهمهم باستغلال المبادرة الفرنسية لصالحهم.

وقد أصدر رؤساء الحكومات الأربعة السابقون بيانا أعربوا فيه عن أسفهم لاجتناب نصر الله الحقيقة إلى هذه الدرجة، في الرواية التي ساقها بشأن المساعي التي قام بها أديب في محاولة تشكيل حكومة إنقاذ، والأسباب التي أدت إلى فشلها.

وخارجيا، ربط نصر الله تعثر تشكيل الحكومة بجو دولي ضاغط عليه، داعيا ماكرون إلى التفتيش عن الأميركيين وخطاب الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، لكشف من أفشل مبادرته.

وقد أبقى نصر الله الباب مفتوحا أمام المبادرة الفرنسية، مشترطا الالتزام بأصول التخاطب، بعد أن "مسّ الرئيس الفرنسي بالكرامة الوطنية"، على حدّ تعبيره.

رؤساء الوزراء اللبنانيون السابقون سعد الحريري فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام
رؤساء حكومات لبنانية سابقة، من اليمين تمام سلام وسعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي (مواقع التواصل)

قراءة داخلية لخطاب نصر الله

يرى الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر (المقرب من حزب الله) أن الأساس في خطاب نصر الله هو عدم إغلاق الباب أمام المبادرة الفرنسية، التي أعطاها ماكرون مهلة إضافية من 4 إلى 6 أسابيع لتشكيل الحكومة.

وكان اللافت في خطاب نصر الله -وفق عبد الساتر- تشديده على إلزامية مشاركته في أي حكومة مقبلة، حفاظا على مصالح اللبنانيين ولمراقبة عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي، "ومن دون تسليم عملية التشكيل لرؤساء حكومات سابقين يمثلون جزءا من أقلية برلمانية".

لذا، يشير عبد الساتر -في تصريح للجزيرة نت- أن أمين عام حزب الله استطاع ترسيخ حقّه مع "حركة أمل" في تسمية وزرائهم والاحتفاظ بحقيبة المالية، "انطلاقا من مبدأ الضرورة، لمشاركتهما في القرار السياسي اللبناني في خضم مرحلة مصيرية تمرّ بها البلاد".

ويعتبر عبد الساتر أن الأصل في موقف نصر الله كان رفض إعطاء الرؤساء السابقين الأربعة فرصة استغلال الضغط الخارجي على حزب الله ليكونوا رؤساء الظلّ في الحكومة، تأليفا وتركيبا، بما لا يتماشى مع الأعراف ونتائج الانتخابات البرلمانية عام 2018، والتي فاز فيها حزب الله مع حلفائه بأغلبية المقاعد.

بُعد طائفي في خطاب نصر الله

لكن عضو المكتب السياسي في "تيار المستقبل" مصطفى علوش، يذهب إلى مكان آخر في قراءة خطاب نصر الله الذي وصفه بالطائفي، وقال للجزيرة نت إن هذا الخطاب كان منسقا وموجها لحرف مسار خلاف نصر الله مع الفرنسيين إلى خصومه الداخليين، وتحديدا من الطائفة السنية.

وقال علوش إن نصر الله لجأ لمخاطبة المسيحيين تدعيما لموقفه، عبر تذكيرهم أنه "صمام أمانهم ضدّ الإرهاب السنّي التكفيري، بعد بروز خلية إرهابية تابعة لداعش (تنظيم الدولة) في شمال لبنان الأسبوع الفائت".

ويتوجس علوش من تذكير نصر الله بحكومة 5 مايو/أيار 2008 التي كان يرأسها فؤاد السنيورة، و"التي تبعها حينها في 8 مايو/أيار اجتياح عناصر الحزب لبيروت بالقمصان السود".

لكن عبد الساتر يرفض هذا الربط، ويعتبر أن خشية نصر الله من الذهاب إلى حكومة شبيهة بحكومة 5 مايو/أيار "التي كانت فاقدة للصدقية كون الطائفة الشيعية غير ممثلة فيها"، هي "لإطلاع الرأي العام اللبناني على مخاطر تشكيل حكومات من لون واحد، من دون أن يعني ذلك أن كل مشروع حكومة 5 مايو/أيار سيتبعه 7 مايو/أيار جديد".

مصير المبادرة الفرنسية؟

ويرى الأستاذ والباحث في القانون بجامعة بيروت العربية علي مراد، أن المبادرة الفرنسية تجمدت بموت سريري بانتظار ما سيترتب على نتائج الانتخابات الأميركية، وأن ماكرون في خطابه الأخير نعى بشكل أو بآخر مبادرته بالهجوم القاسي على القوى السياسية في لبنان، بعد أن كان يراهن على مساعدتها له في إنجاح مبادرته.

ويعتبر مراد -في تصريح للجزيرة نت- أن نعي ماكرون للمبادرة الفرنسية لا يلغي طموحه في ترسيخ دور جديد له في لبنان ما بعد الانتخابات الأميركية، لذا "أبقى نصر الله الباب مفتوحا أمام المبادرة الفرنسية، لأنه لن يضحي بفرصة أن يتحاور مع بلد أوروبي ولاعب دولي مثل فرنسا".

لكن، هل يعني "نعي" المبادرة الفرنسية انتهاء مضمونها؟ يجيب مراد أن "هذه المبادرة تلقت ضربة في صميمها منذ إعلان العقوبات الأميركية التي طالت الشخصية الشيعية الأبرز (علي حسن خليل) في السلطة التنفيذية، بعد توليه حقيبة المالية لأكثر من 5 سنوات".

ويرى مراد أنّ المعضلة الأساسية بعد خطابي ماكرون ونصر الله هي أن الأخير لم يبدِ استعدادا لتقديم أي تنازل يحسب له على المستويين الإقليمي والمحلي لصالح الفرنسيين، وقال إن "تشكيل الحكومة سيبقى هو المدخل الأساسي للفرنسيين نحو لبنان، رغم أن صيغة المبادرة الفرنسية التي طرحت ما بعد انفجار المرفأ في 4 أغسطس/آب قد انتهت".

لبنان ما بعد الخطابين

ويستبعد مصطفى علوش تشكيل حكومة قريبا، ويرى أن مصير المبادرة الفرنسية في لبنان يرتبط بهوية الرئيس الأميركي الجديد، ويتوقع خلال هذه الفترة مزيدا من "التأزم والمغامرات وتزعزع الأمن عبر شبكات الإرهاب التي يستثمر نصر الله بوجودها".

أما فيصل عبد الساتر، فيخشى من رضوخ فرنسا للإملاءات الأميركية، ويذكّر بخطر دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الخطّ قبل خطاب نصر الله، في خطابه الموجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، "الذي زعم فيه وجود منشآت لتصنيع مواد للصواريخ الدقيقة في منطقة الجناح"، وقال عبد الساتر إن نتنياهو "أطلق النار على نفسه سياسيا، وقدّم فرصة ثمينة لحزب الله أمام الرأي العام، بينما ينتظر نصر الله رد الفعل الفرنسي بعد خطابه".

من جهته، يعتبر علي مراد أن لبنان بعد الخطابين دخل مرحلة مراوحة، ويستبعد دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون لإجراء الاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد للحكومة قبل الانتخابات الأميركية. ويذكر مراد أن الإدارة الجديدة لن تستلم قبل 5 أشهر، ليسأل: هل يحتمل الوضع في لبنان هذا الرهان؟

ويتوقع مراد عودة لبنان حكوميا إلى ما قبل 4 أغسطس/آب، بتفعيل حكومة حسان دياب التي عجزت "عن اتخاذ أي قرار سياسي خارج إطار ملف كورونا، والتي كانت في مضمونها وما زالت حكومة تصريف أعمال استهلاكا للوقت الضائع".

المصدر : الجزيرة