لوموند تغوص أسبوعا بصفحات مؤيدي ترامب في فيسبوك.. فماذا وجدت؟

U.S. President Donald Trump holds a campaign event at Smith Reynolds Regional Airport in Winston-Salem
لوموند: مؤيدو ترامب يعتقدون أن الرئيس الأميركي يتعرض لمؤامرة (رويترز)

أظهر تحقيق لصحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية -من خلال رصد الرسائل الأكثر انتشارا على موقع فيسبوك في الولايات المتحدة خلال فترة أسبوع- "قوة التأثير الضاربة" التي يتمتع بها النشطاء المتطرفون المؤيدون للرئيس الأميركي دونالد ترامب.

ونقلت الصحيفة عن كيفين رووز، الصحفي بجريدة نيويورك تايمز، الذي نشر نهاية أغسطس/آب الماضي نتائج تحليل مطول للمحتوى الأكثر شعبية بفيسبوك في أميركا، قوله "إذا كنتم تعتقدون أنه لا يمكن إعادة انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فأنتم لا تقضون وقتا كافيا على فيسبوك".

واستند رووز في تحليله على قياس مؤشر "التفاعل" الذي يلخص تقريبا كل ردود الفعل إزاء الرسائل، من مشاركة وتعليق وإعجاب، لكنه يوفر صورة عامة على مدى تداولها وشيوعها.

ورصدت الصحيفة الفرنسية في الفترة من 11 إلى 18 سبتمبر/أيلول الجاري وحللت المنشورات "الأكثر تفاعلا" على الموقع الأزرق المستخدم على نطاق واسع في الولايات المتحدة، حيث سجل في الربع الثاني من هذا العام نحو 198 مليون حساب نشط يوميا.

وأظهر التحليل أن الموضوعات المرتبطة، سواء من قريب أو بعيد، بالسياسة الأميركية تهيمن إلى حد كبير على النقاشات الرائجة، وأن المنصة الزرقاء تحولت فعليا إلى منصة أساسية لبث الآراء والمعلومات أو الشائعات، عرف الرئيس ترامب جيدا كيف يستغلها لصالحه خلال انتخابات عام 2016.

كما تهيمن حوالي 15 صفحة مؤيدة للرئيس على أكثر منشورات فيسبوك تداولا وشعبية، في المقابل، لم تتمكن سوى رسائل قليلة مؤيدة لمواقف ورؤى المرشح الديمقراطي، جو بايدن، من إيجاد موقع لها في الفضاء الأزرق.

وتؤكد الصحيفة، أنه وبالرغم من كون مؤشر "التفاعل" ليس علما دقيقا ولن يتيح التنبؤ بنتائج الانتخابات المقبلة، لكن تحليل المضامين الأكثر شعبية ورواجا في فيسبوك أظهر أن ترامب يستند على قاعدة صلبة من النشطاء المتطرفين، يستغلون إلى أبعد الحدود ورقة "اللعب بالعواطف" التي تتيحها منصة مارك زوكربيرغ.

U.S. President Donald Trump delivers remarks at Basler Flight Service in Oshkosh, Wisconsin
ترامب لا يتوانى عن تغذية الشائعات ضد خصومه عبر مواقع التواصل، بحسب لوموند (رويترز)

نخب فاسدة واستغلال جنسي للأطفال

تؤكد لوموند من خلال نتائج تحليلها أنه في عالم الموالين لترامب، تتحول مواضيع يثيرها "نجوم" فيسبوك المؤيدون للرئيس إلى مواضيع للنقاش العام.

وضربت الصحيفة مثالا بشخص يدعى بين شابيرو (Ben Shapiro) حظيت رسائله في الفضاء الأزرق خلال 12 شهرا الماضية بحوالي 325 مليون تفاعل، أي أكثر مما حصدته قناة "سي إن إن" الأميركية في الفترة ذاتها "207 ملايين تفاعل".

وقد قام شابيرو في 11 سبتمبر/أيلول الجاري ببث عدة رسائل، بمعدل 4 رسائل في الساعة الواحدة، كلها "تلفيقات" ضد المرشح الديمقراطي جو بايدن. وادعى مثلا أن "بايدن عارض الغارة التي قتل على إثرها أسامة بن لادن"، كما كتب رسالة يؤكد فيها أن تحقيق روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في انتخابات 2016 كان مجرد "مؤامرة"، ودعا لتقديم رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، نانسي بيلوسي، للمحاكمة.

ويشكل موضوع مكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال موضوعا رائجا في الأوساط المؤيدة لترامب على مواقع التواصل، وخلال منتصف أغسطس/آب الماضي تم تضخيم هذا الموضوع من قبل مجموعة مريبة تدعى "أنقذوا أطفالنا" ذهبت إلى حد الادعاء بأن فيروس "كوفيد-19" خطة لتشتيت الانتباه، وراءها فئة متآمرة من المعتدين جنسيا على الأطفال.

العنف ضد الشرطة

في 13 سبتمبر/أيلول الجاري، هيمن حادث إطلاق نار على رجلي شرطة بيض في كومبتون، إحدى ضواحي لوس أنجلوس المهمشة، على كل الصفحات المؤيدة لترامب على فيسبوك. وفي سياق سياسي متوتر للغاية، رأى النشطاء المؤيدون للرئيس في الهجوم دليلا على كراهية رجال الشرطة، التي تجسدها برأيهم حركة "حياة السود مهمة" التي قادت الاحتجاجات في أعقاب مقتل جورج فلويد بولاية مينيسوتا.

وقد استغل مناصرو ترامب الحادث لبث رسائل تضمنت تعليقات تحض على كراهية هذه الحركة وكل من يدور في فلكها -مثل الحزب الديمقراطي وجو بايدن والشخصيات المناهضة لترامب- وهي رسائل لاقت تفاعلا كبيرا.

وذكرت الصحيفة أن الرئيس ترامب يتفاعل مع هذه التعليقات والشائعات ولا يتوانى عن تغذيتها، حيث كتب في 14 سبتمبر/أيلول على صفحته في فيسبوك "طوال فصل الصيف، بقي بايدن صامتا بينما أشعل أنصاره من اليسار المتطرف النار في سيارات الشرطة ومراكز الشرطة والمحاكم.. وعندما سئل عما إذا كان سيخفض ميزانية الشرطة، أجاب نعم بالطبع". وهو ما لم يقله بايدن بحسب الصحيفة.

Protest near the site of a U.S. President Donald Trump's rally in Tulsa
أنصار ترامب الأكثر تطرفا لهم "قوة تأثير ضاربة" في فيسبوك بحسب الصحيفة (رويترز)

كورونا "سلاح بيولوجي"

في 16 سبتمبر/أيلول لقي مقالان نشرهما موقع "ديلي كولر" (Daily Caller) وهو موقع يميني متطرف متخصص في نشر محتوى مثير للجدل، متابعة أكثر من المعتاد على صفحات فيسبوك الداعمة لترامب.

وفي أحد المقالين، نشر الموقع مقطع فيديو لتاكر كارلسون، وهو معلق متطرف بقناة فوكس نيوز وأحد المؤسسين السابقين للموقع، استجوب خلاله عالمة الفيروسات الصينية لي مينغ يان التي لجأت إلى الولايات المتحدة، تؤكد فيه ما كررته منذ شهور من أن وباء كورونا وراءه عنصر بشري وتم تطويره في مختبر بمدينة ووهان الصينية، وهي أطروحة لا شيء يؤكدها حتى الآن بحسب لوموند.

وقدمت الباحثة هذه المرة "حجة جديدة"، وهي تقرير منشور حديثا يدعي أن الأصل الاصطناعي للفيروس لا خلاف عليه، ومع ذلك لا تحتوي الوثيقة -برأي كل الباحثين الجادين الذين اطلعوا عليها- على أي دليل يؤيد هذا الطرح. كما أن عددا ممن شاركوا في إصدار التقرير يشتغلون بمؤسسة يترأسها ستيف بانون، المدير السابق لحملة دونالد ترامب والمدير السابق للموقع اليميني المتطرف "بريتبارت نيوز" (Breitbart News).

وقد تمت مشاركة مقطع الفيديو المثير للجدل أكثر من 15 ألف مرة على فيسبوك وأثار عاصفة من الغضب والإدانة في أوساط المتفاعلين ضد الصين والصينيين وضد كل من رجل الأعمال الأميركي بيل غيتس ومنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة.

جورج سوروس والرقابة

ذكرت لوموند أن أحد الأهداف الأخرى المفضلة لمؤيدي ترامب في المجال الافتراضي هو الملياردير الأميركي، جورج سوروس، الذي يمول العديد من المشاريع. ويتهمه أنصار ترامب تارة بمعاداة السامية وتارة أخرى بالسيطرة على وسائل الإعلام والعمل في الخفاء لتدمير أميركا والقيم العائلية، وأحيانا أخرى بكونه السبب وراء نشأة فيروس "كوفيد-19".

وفي أحد الفيديوهات التي تم تداولها بشكل كبير على الصفحات المؤيدة لترامب في 17 سبتمبر/أيلول الجاري "25 ألف مشاركة"، ادعى المعلق التلفزيوني المثير جلين بيك (Glenn Beck) أن جورج سوروس يمول "أعمال الشغب والفوضى" في الولايات المتحدة.

وفي فترة ما بعد الظهر، تمت مقاطعة اليميني نيوت غينغريتش، الرئيس السابق للحزب الجمهوري في مجلس النواب -خلال مقابلة على قناة فوكس نيوز أثناء حديثه عن سوروس- فاستغلت الصفحات المؤيدة لترامب وموقع "بريتبارت نيوز" المتطرف الحادث على الفور لبث رسائل تندد بما اعتبروه "رقابة".

تؤكد صحيفة لوموند أن وفاة 200 ألف أميركي بسبب فيروس كورونا وتعامل الحكومة "الكارثي" مع الجائحة، لا تعتبر مواضيع بالنسبة لمؤيدي ترامب الافتراضيين، فعندما لا يقومون بكل بساطة بإنكار إخفاقات رئيسهم، يكتفون بإلقاء اللوم على "مؤامرة" يقولون إنها تحاك ضده.

وتختم بأن فيسبوك أضحى "منبرا قويا" لفئة متطرفة تضم الملايين من الأميركيين يعتقدون تمام الاعتقاد بوجود مؤامرة مناهضة لترامب، وراءها فوضويون وشواذ ومتآمرون يخفون حقيقة الوباء عنهم. كما أن لديهم استعدادا مسبقا للاعتقاد بأن أي انتخابات لا تسفر عن فوز رئيسهم هي بالضرورة انتخابات مزورة.

المصدر : لوموند