القصة الكاملة لاختطاف الناشط العراقي سجاد.. ما الدوافع؟ ولماذا فشلت قوات الأمن في تحريره؟

مواقع التواصل للناشط سجاد العراقي
سجاد العراقي ناشط معروف يصفه المحتجون بأنه شجاع ولا يخشى مواجهة الفاسدين (مواقع التواصل)

الجزيرة نت-ذي قار

كان الظلام دامسًا في أحد شوارع الناصرية (مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق) حينما استوقفتهم سيارتان كانتا تتابعهم، خرج منها مسلحون وركضوا باتجاههم وسط الشارع، وطالبوا بإخراجه بهدوء من دون أي ردة فعل متهورة، وبينما رفض أحدهم وعرف أحد الخاطفين أطلقوا عليه النار، أخذوا صديقهم ولاذوا بالفرار بعيدا نحو المجهول.

هذه كانت اللحظات الأخيرة لاختطاف الناشط البارز والمعروف في احتجاجات الناصرية سجاد العراقي، حيث اختفى مساء 20 سبتمبر/أيلول الجاري، على يد مجموعة قوامها 7 أشخاص مدججين بالأسلحة والكواتم، وسط غضب اجتاح ساحة الاحتجاج في الناصرية، لتنطلق دعوات التصعيد وحرق كل شيء.

كانت بداية ردة الفعل غاضبة في الناصرية عقب انتشار خبر اختطاف سجاد العراقي، حيث خرج المتظاهرون بعد ساعة من الحادثة، وأضرموا النيران في 3 جسور رئيسية، وقطعوها بالإطارات المحترقة، ونددوا بما حصل لسجاد، كما تجمهروا أمام ديوان المحافظة استعدادا لحرقه أيضا.

وخرج عدد من الناشطين يصرخون أنه لن يهدأ لهم بال حتى الإفراج عن زميلهم، وأعقب ذلك حرق مؤسسات دينية مدعومة من بعض الفصائل المسلحة، في إشارة إلى دور تلك الفصائل في المشاركة في عملية الاختطاف، كما أضرم بعض المتظاهرين النيران في مقر تابع لفرقة العباس القتالية، وهو فصيل منضو في الحشد الشعبي.

‎⁨غضب في الناصرية بعد اختطاف الناشط سجاد
غضب اجتاح شوارع الناصرية عقب اختطاف الناشط سجاد (الصحافة العراقية)

دوافع الخطف

لم تكن ملامح حادثة الاختطاف واضحة في بادئ الأمر، لكن المتظاهرين أكدوا أن المختطفين من المليشيات المسلحة التي تضررت مما فعله المحتجون بهم من إحراق مقراتهم.

بعد ساعات قليلة، أكد قائد شرطة المحافظة أنه تم التعرف على الخاطفين والتوجه لإلقاء القبض عليهم وتحرير الناشط، والكشف عن تكفل شيخ عشيرة المتهم بالخطف بسلامة الناشط، وعلى إثر الحادث تم تشكيل فريق عمل سريع لتحرير الناشط المختطف، بعد التعرف على هوية أحد الخاطفين.

دوافع الاختطاف كما قالها قائد الشرطة في ليلة الحادثة غير معروفة لنا حتى الآن، وسيتم كشفها لدى القبض على الجناة، لا سيما بعد تحريك الفريق الأمني وإجراء مفاوضات عشائرية.

يؤكد ضابط برتبة كبيرة للجزيرة نت أن دافع الاختطاف بسبب نشاط سجاد العراقي في الاحتجاجات ومهاجمته الأحزاب وحرق مقراتها في الناصرية، ومن خلال تتبع سير وطريقة اختطافه يمكن معرفة أن هناك أكثر من رسالة في الحادثة، وهو ترويع المحتجين من جهة، وتأكيد أن الجهات الخاطفة قادرة على فعل أي شيء.

ويضيف الضابط أن اختطاف سجاد بشكل خاص هو لشهرته بساحة الحبوبي، ولضرب المحتجين وإضعافهم من خلال استهداف رموزهم، وهذا عمل ليس جنائيا، لو كان جنائيا لوجدنا جثته في اليوم نفسه، ولكن تأخير تحريره والكشف عن مصيره حتى الآن فيه لعبة ما.

وحسب المعلومات الأمنية كما يقول الضابط، فإن سجاد العراقي تم وضعه في إحدى القرى التابعة لقضاء سيد دخيل (شرقي الناصرية)، لكن هذه المنطقة عشائرية ولديها من السلاح ما يكفي وأي قوة تدخلها تعتبرها إساءة وبالتالي لا نملك سوى الحوار لإنقاذه، مع تطويق المنطقة بالعناصر الأمنية.

المشتركون في عملية الخطف أفراد من فصائل شيعية نافذة، لكن التعليمات التي لديهم بعدم قتله، وحسب ما وصلنا -كما يقول الضابط- أنه حتى اللحظة لا يزال على قيد الحياة، عكس ما يُشاع بأنه قُتل.

قوات كبيرة أرسلت لتحرير الناشط سجاد العراقيم مواقع التواصل
قوات أمنية كبيرة أرسلت إلى الناصرية لتحرير الناشط سجاد (مواقع التواصل)

عملية أمنية

وفي غضون الأيام الأربعة الماضية، كانت القوات الأمنية في حالة استنفار قصوى بحثا عن الناشط المختطف، وبعد معرفة موقعه كانت أفواج من الشرطة تطوق المنطقة، وفي هذه الأثناء كانت ساحة الحبوبي تغلي بالمحتجين، وتنتظر أخبار مفرحة لإطلاق سراحه، لكن الأمر استغرق طويلا، ولم تظهر أي نتائج حتى الآن.

وفي ضوء ذلك، وجّه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قيادة العمليات المشتركة بإرسال قوة عسكرية خاصة من جهاز مكافحة الإرهاب والتحرك نحو الناصرية لتحرير الناشط العراقي، لكن القوات لم تفلح حتى الآن في إيجاده ومضى على وجودها 3 أيام من دون أي نتائج تذكر رغم توسيع خطة البحث بمناطق واسعة شرقي الناصرية.

وإثر ذلك، دخلت القوات الأمنية في مشادة مع إحدى العشائر لدى تفتيش منزل شيخ قبيلة معروف في إحدى المناطق لتشتعل أزمة أخرى أسهمت في تقليل فرص البحث عن العراقي المختطف، ومحاولة حل أزمة كادت أن تحصل بين مكافحة الإرهاب والعشائر هناك.

سجاد هو قصة أخرى للخيبة والخذلان وتأكيد حقيقي أننا كلنا سنلقى سيناريو يماثل ما حدث في أي لحظة، وما حدث له ينفي وينسف كل دعوات الدخول في العملية السياسية على أساس الندية والفرص المتساوية، وينسف القناعة بنزاهة الانتخابات المقبلة، ويؤكد أننا في الجنوب نعيش حقبة لا تقل بشاعة عن حقبة تنظيم الدولة الإسلامية، كما يقول الأكاديمي بجامعة ذي قار حازم هاشم للجزيرة نت.

ويضيف هاشم "نحن بلا أحد سوى الله، وكل من سيتقدم سيجد نفسه وحيدًا محاصرًا بسبب غياب القانون وانعدام الأمل، لقد تحولنا إلى انتحاريين مجانيين ولا خيارات لنا سوى الموت قتلاً أو خطفًا أو كمدًا على أبسط الحقوق الإنسانية".

من سجاد العراقي؟
يعتبر سجاد العراقي فردا من مجموعة بدأت فعاليات التظاهر المدني في الناصرية منذ عام 2011، واشترك في كل المظاهرات التي أسس لها مع مجموعته طوال تلك الفترة، كما يقول الناشط في ذي قار عمار خضير للجزيرة نت.

لكن ما يميز العراقي -كما يؤكد خضير- أنه يفتح ملفات خطيرة للفساد داخل المحافظة وخارجها، مما وضعه في دائرة الخطر منذ سنوات ماضية، وقد تعرض لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة استهدفت خيمته في ساحة الحبوبي قبل أكثر من شهر.

ويؤكد الحقوقي والناشط حسين الغرابي للجزيرة نت أن حادثة اختطاف العراقي تتعلق بضرب قوة احتجاجات الناصرية بسبب ما فعلته في الأحزاب والمليشيات، وما يكشفه سجاد من ملفات فساد خطيرة تدين مسؤولين كبارا بالدولة.

ما كسبه سجاد من شعبية واسعة في مدينته أنه لم يهادن ولم يرضخ للعروض المالية الضخمة التي وصلته لترك ساحة التظاهر، والوظائف المختلفة التي عُرضت عليه، فهو بقي يعيش في بيت بسيط ومتواضع، ولا يملك فرصة عمل رغم تخرجه في الجامعة منذ سنوات.

وتفاعل العراقيون بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بعد حادث الاختطاف، وصعد وسم #الحرية_لسجاد_العراقي إلى الأعلى تداولا في تويتر على مدى يومين، وتناولت التغريدات انتقاد الحكومة وفتح ملفات الخطف في العراق منذ انطلاق الاحتجاجات.

المصدر : الجزيرة