كورونا وإسرائيل.. فقدان للسيطرة وأزمات سياسية واجتماعية فهل تطيح بنتنياهو؟

الاستعانة بالشرطة لتطبيق الإغلاق الشامل بإسرائيل
عناصر من الشرطة يطبقون الإغلاق الشامل بإسرائيل (الجزيرة نت)

قبيل دخول الإغلاق العام الجديد الذي فرضته إسرائيل أسبوعه الثاني بعدما فقدت السيطرة على عدوى كورونا، وفق معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، تتصاعد التحذيرات من تبعات الأزمة الصحية على المجالين الاقتصادي والاجتماعي في دولة الاحتلال.

وأكد المعهد في نتائج استطلاع نشره قبل أيام أن إسرائيل فقدت السيطرة على انتشار فيروس كورونا لعدة أسباب، أهمها فقدان الاستقرار السياسي الداخلي وعدم استجابة الإسرائيليين لتعليمات حكومتهم، موضحا أن كورونا كارثة طبيعية لكن آثار أزمته الاقتصادية وقوة مفاعيله السلبية تنبع لحد بعيد من طريقة إدارتها.

فقدان سيطرة وعدم ثقة
وأظهرت نتائج الاستطلاع عدم ثقة غالبية الجمهور في الحكومة الإسرائيلية والقيادة السياسية ومؤسسات الدولة، وهو ما يعكس تواصل الاحتجاجات للشهر الثالث والمطالبة بتنحي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإسقاط حكومته بسبب "الفساد والفشل بإدارة أزمة كورونا وفقدان السيطرة على الجائحة".

وأبرز نتائج الاستطلاع تشير إلى أن 74% من الإسرائيليين لا يثقون بالكنيست، و70% لا يثقون بحكومة نتنياهو ولا يمكنهم الاعتماد عليها بمواجهة جائحة كورونا، إذ إن أزمة الثقة تشمل أيضا مؤسسات الدولة المختلفة، حيث إن 63% لا يثقون بمسؤولي المالية، و47% لا يثقون بمسؤولي الصحة، و51% لا يثقون بالشرطة.

كما أن 60% من الجمهور الإسرائيلي يحمل نتنياهو شخصيا مسؤولية الفشل في إدارة أزمة كورونا وفقدان السيطرة، في حين اتهم 70% من الجمهور مختلف القيادات السياسية والحزبية الإسرائيلية بالفشل بمواجهة الجائحة.

ورغم ذلك، فإن 61% ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن إحداث التغيير بالحكومة يكون من خلال الانتخابات المباشرة، و57% منهم يرون بالاحتجاجات عاملا مساعدا للتغيير، بينما 54% يرون بالجهاز القضائي والمحاكم وسيلة للتغيير.

نتنياهو ووزير المواصلات ميري ريغيف خلال جولة بمطار بن غوريون قبيل إعادة تشغيله، الجمهور الإسرائيلي يفقد ثقته بالقيادة السياسية.
نتنياهو ووزير المواصلات ميري ريغيف خلال جولة بمطار بن غوريون قبيل إعادة تشغيله (الصحافة الإسرائيلية)

اتجاهات واحتمالات
وتشير نتائج الاستطلاع إلى أن عدم الثقة بالحكومة ومؤسسات الدولة له تأثير مباشر على عدم رغبة الجمهور في الامتثال للقيود المفروضة عليه وإجراءات الإغلاق التي ستستمر في ظل الأعياد اليهودية حتى 12 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إذ يتوافق هذا الاستنتاج مع ظاهرة الاحتجاج السياسي غير المألوفة في النطاق والمدة الزمنية.

وبحسب الاستطلاع الذي اعتمد على مشاركة 1200 إسرائيلي، فإن الاحتجاج يحظى بشرعية ليس فقط لدى معسكر اليسار والخريطة السياسية لقوى وأحزاب المعارضة، وإنما يحظى بشرعية وتأييد من قبل جمهور الذي ينتمي أيضا لمعسكر اليمين، وذلك على خلفية الأضرار الكبيرة والخسائر الاقتصادية بشكل أساسي لشرائح وقطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي.

وتوضح بيانات المسح الذي أجراه معهد دراسات الأمن القومي مدى عمق الأزمة الاجتماعية وتقويض المرونة الاجتماعية في إسرائيل، وفي الوقت نفسه تشير إلى الاتجاهات المحتملة لاستجابة أكثر نجاحا للأزمة المشتركة، مع التركيز على الجوانب السياسية والاجتماعية.

ووفقا للباحثتين تسيبي يسرائيل وموران ديطش، اللتان أشرفا على الاستطلاع، فإن قراءة في الاستطلاع تشير إلى أن 33% من مصوتي اليمين ومعسكر نتنياهو يدعمون الاحتجاجات، كما تظهر النتائج تباين المواقف بصفوف مصوتي اليمين والليكود بشأن الدعم والتماثل مع نتنياهو، على وجه التحديد في وقت حساس من حيث وضعه العام.

غانتس يجتمع برؤساء بلدات حريدية للحد من انتشار كورونا
غانتس يجتمع برؤساء بلدات حريدية للحد من انتشار كورونا (الصحافة الإسرائيلية)

جائحة وانتخابات
وفي قراءة لنتائج الاستطلاع، بحسب الباحثتين، فإن هذه المعطيات والنتائج قد تدفع نتنياهو للعمل من أجل تحصين الوضع السياسي القائم، وعدم الذهاب إلى انتخابات مبكرة بظل تداعيات جائحة كورونا، والانتظار لتراجع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لحسم القرار بشأن الانتخابات.

من ناحية أخرى، تقول يسرائيل وديطش "يبدو أن الوظيفة الإشكالية للظروف السياسية العامة في إسرائيل وأسلوب الحكم الذي يميز الأزمة الحالية يتوافقان جيدا مع ظاهرة الاحتجاج السياسي الذي يتمتع بشرعية عامة واسعة، فقطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي تؤمن بإمكانية تغيير جدول الأعمال بطرق مقبولة في دولة ديمقراطية".

وخلصت الباحثتان للقول "يبدو أن أزمة كورونا مجتمعة مع أزمة استقرار الحكم كسرت الصورة الذاتية فيما يتعلق بالمرونة الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل، وكشفت العوائق الأساسية أمام قدرة إسرائيل على التعامل مع أزمة مدنية حادة ومستمرة، فضلا عن الفجوة الكبيرة بين الغلاف الخارجي الذي يتم تجميله وتقديمه للجمهور والحواجز الشديدة وكواليس النهج البيروقراطي داخل الأنظمة العامة بالدولة".

واستغل نتنياهو حسم الصندوق في انتخابات مارس/آذار الماضي، وفرض الإغلاق الشامل الأول الذي مكنه من تشكيل حكومة تناوب مع غانتس الذي حظي بتوصية من غالبية أعضاء الكنيست، بيد أنه فضل التناوب مع نتنياهو لتأجيل سيناريو التوجه لانتخابات رابعة بظل جائحة كورونا.

ومع تفشي فيروس كورونا بالبلاد وتسجيل قرابة 200 ألف إصابة بينها 52 ألفا ما زالت نشطة، و1260 حالة وفاة، نجح نتنياهو بتفكيك تحالفات معسكر اليمين التقليدي الممثل بـ"أزرق-أبيض" وتحالف المستوطنين ممثلا بالصهيونية الدينية المتجددة "يمينا" وزعيمه نفتالي بينيت، وضمان بقاء الائتلاف الحكومي لتجاوز أزمات الحكم والمحاكمة بملفات الفساد ضده.

ومع اتساع دائرة الاحتجاج ضد فساد نتنياهو وفشل حكومته بإدارة أزمة كورونا، ودخول الإغلاق الثاني حيز التنفيذ بالتزامن مع الأعياد اليهودية في سبتمبر/أيلول الجاري، دأب نتنياهو على تقديم خطط اقتصادية لتنفيس صخب الاحتجاجات وإخمادها قبيل مداولات محاكمة نتنياهو والاستماع لمرحلة الإثباتات التي ستبدأ في يناير/كانون الثاني المقبل، بوتيرة 3 جلسات أسبوعيا بحضور نتنياهو.

الجمهور الإسرائيلي بات لا يثق بالشرطة لتماديها بتحرير غرامات لمخالفة الإغلاق
الشرطة الإسرائيلية تحرر مخالفات  لمخالفين للإغلاق (الصحافة الإسرائيلية)

أزمات واحتجاجات
ويكتسب الاحتجاج الذي أتى على خلفية لوائح الاتهام ضد رئيس الوزراء وتوظيفه لأزمة كورونا لمصالحه الشخصية شرعية عامة، إذ ينطلق من قبالة مقر إقامة نتنياهو بالقدس ويتمدد ليصل كبرى المدن الإسرائيلية.

ولاحتواء الاحتجاجات وسعيا لتفريغها من مضمونها وتنفيسها، بادر نتنياهو لخطط اقتصادية بظل الإغلاق وتقييدات كورونا التي تسببت بشلل الاقتصاد والحركة التجارية، وتسجيل نحو مليون من القوى العاملة بسوق البطالة، وتقدر الخسائر الاقتصادية حتى الآن بنحو 40 مليار دولار.

وتقضي خطط نتنياهو تقديم الدعم المالي والمخصصات للعائلات والمصالح التجارية ورجال الأعمال والمستقلين، وهي الخطط التي ساهمت بتخفيف حدة فتيل الاحتجاجات، لكن دون أن إخمادها كليا، مع الإبقاء على سيناريو انتخابات رابعة في ظل عدم استقرار حكومة نتنياهو.

ومع فقدان السيطرة على تفشي الفيروس وتسجيل معدل قياسي يومي للإصابات تتراوح بين 4000 و5000 إصابة، أوكلت مهمة معالجة أزمة كورونا وقطع سلسلة العدوى إلى جيش الدفاع الإسرائيلي والجبهة الداخلية وتحضير المزيد وحدات الجيش لتطبيق تعليمات الإغلاق.

وأوصى وزير الدفاع غانتس بإقامة مستشفيات ميدانية لاكتظاظ المستشفيات وعدم قدرة بعض أقسام كورونا على استيعاب المزيد من المصابين، وخشية من انهيار الجهاز الصحي، وتشكيل وحدة خاصة تضم نحو 600 جندي من مختلف الوحدات سينشطون في تحضير ورصد التحقيقات الوبائية للمصابين بالفيروس.

المصدر : الجزيرة