تظاهرات 20 سبتمبر.. لماذا غضبت القرى المصرية وغابت المدن؟

القبضة الأمنية ترهب مواطني المدن منعا لهم من التظاهر (الجزيرة)

فيما كانت قوات الأمن المصرية تطوّق الميادين والشوارع الرئيسية في المدن الكبرى وفي مقدمتها العاصمة القاهرة، انتظارا لمحتجين متوقعين، فاجأ المحتجون الجميع ـالداعين للتظاهر وأجهزة الأمن معا- بالخروج من أطراف العاصمة وفي قرى المحافظات، وذلك احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية في ظل حكم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

المتظاهرون الذين خرجوا مساء أمس رددوا هتافات تطالب برحيل السيسي، وقام بعضهم بإحراق سيارات ومدرعات للسلطة أو قذفها بالحجارة.

ورأى مراقبون أن الغضب راجع بشكل أساسي لحملات الهدم والإزالة التي نفذتها قوات الشرطة ضد مخالفات المباني في الريف وأطراف المدن طوال الشهور الفائتة، تطبيقا لـ"قانون التصالح" الصادر مؤخرا بإلزام أصحاب المخالفات بدفع مبالغ باهظة نظير عدم إزالة المخالفات، مما اعتبره مراقبون نوعا من "الجباية"، وليس "إصلاحاً" لأوضاع خاطئة.

وذهب ناشطون إلى أن القرى والأطراف متحررة نسبيا من هيمنة الدولة، إذ تحل القبيلة أو العائلة محل الدولة في كثير من تسيير الشؤون، مما يجعل من فزاعة انهيار الدولة وتحول مصر للنموذج السوري التي يصدرها الإعلام الرسمي -إرهابا للمصريين لعدم الاحتجاج- غير مجدية مع سكان القرى بخلاف أهل المدن المعتمدين تماما على الدولة والخاضعين كليا لها.

فشل الفزاعة

يؤكد صلاح -وهو موظف من محافظة أسيوط تحدث للجزيرة نت- أن الدولة غائبة بشكل كبير عن "الصعيد" عموما وعن القرى خصوصا، ولا تظهر إلا عند الأخذ من المواطنين لا العطاء لهم، مما دفع المواطنين هنا -مشيرا لقريته- إلى الاعتماد على أنفسهم في تصريف أمورهم، حتى في أبسط المتطلبات مثل توفير مياه الشرب عبر جمع مبالغ بشكل تطوعي لإنشاء محطات مياه للتنقية، وانهيار الدولة ـبتقديره- إذا وقع فلن يؤثر كثيرا على معيشة الناس هنا.

ولا يخشى المواطنون من غياب الدولة على مستوى الأمن، بحسب عيد -وهو فلاح أربعيني- حيث يقول إن الصعايدة بطبعهم يعتمدون على حماية ممتلكاتهم بتسليح أنفسهم، ونادرا ما تجري الاستعانة بالشرطة، لذا فالتهديد بانفلات الأمور وظهور عصابات مسلحة للنهب كما جرى في أعقاب ثورة يناير، لا يخيف الصعايدة، فهم يحمون أنفسهم منذ أمد بعيد دون الاعتماد على الدولة.

ولاحظ مراقبون في هيئات المحتجين اختلافا عما ظهروا به في مظاهرات سابقة العام الفائت في مثل هذا الشهر وما سبقه، فمعظمهم ينتمي للريف بهيئات سكانه المميزة بالجلباب البلدي، فضلا عن صغر أعمار كثير من المحتجين، والتي تراوحت ما بين 15 و30 سنة، وهو ما يعني أن كثيرا منهم لم يكن بالوعي العمري الكافي حين وقوع المذابح التي روّعت أهليهم عقب الانقلاب.

 

ورأى رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" -الباحث مصطفى خضري- أنه لا يمكن اعتبار الضرر الواقع على سكان القرى والمناطق الشعبية هو السبب المباشر للخروج والتصدي للآلة الأمنية، لافتا إلى تسريبات تتحدث عن دعم للتظاهرات من جانب فريق في الجيش والمخابرات، يهمه نجاح دعوة الفنان ورجل الأعمال محمد علي للخروج ضد نظام السيسي.

وبرأيه فقد استخدمت تلك الجهة إستراتيجية خلق الثورة من الأطراف للقلب لسببين رئيسيين، أولهما ضعف الآلة الأمنية بالأطراف، مما يهيئ تفوقا سريعا للثوار على قوات الأمن يساعد في التسويق للحراك وصناعة كرة ثلج الثورة.

أما السبب الثاني فهو حصر الخيارات الإستراتيجية للنظام في خيارين كلاهما مر، فإما إمداد الأطراف بقوات أمنية تمنع خروجها عن السيطرة، وبذلك تقل قوات الأمن بالعاصمة ليتحرك الثوار بها، مما ينذر بسقوط النظام، أو ترك قوات الأمن في الأطراف تواجه مصيرها وهو ما ينذر بسقوط المحافظات، ليتدخل الجيش حفاظا على الدولة من الانهيار، وهو ما يخشاه السيسي خوفا من انقلاب عسكري.

وتابع خضري بحديثه للجزيرة نت، أن القبضة الأمنية بالمدن والعاصمة حديدية، وتستلزم حشدا كبيرا يمنع الأمن من الفتك بالثوار، وهذا الحشد لا يمكن تجييشه إلا من خلال جماعة الإخوان المسلمين التي ترفض حتى الآن الزج بقواعدها في اللعبة إلا بعد اتفاق سياسي مع الجهة السيادية المحركة لمحمد علي، وفقا لرأي خضري، معربا عن اعتقاده بأن الأمر مسألة وقت ويتم الاتفاق.

وقال إن جماعة الإخوان المسلمين أيقنت أنها لن تستطيع إسقاط السيسي دون التنسيق مع نظام الدولة ومؤسساته السيادية التي أيقنت بدورها  أنها لا تستطيع حشد الشارع، وصناعة الغطاء الشعبي اللازم لتدوير السيسي دون التنسيق مع الجماعة.

وقال محلل اجتماعي وسياسي -رفض ذكر اسمه- إن ظاهرة خروج التظاهرات في القرى للاحتجاج دون المدن يقف وراءها شعور ابن القرية بأن الامتدادات القبلية والعائلية ستحميه من تبعات الاعتقال، وستعول عائلته في حال غيابه، كما ستمنع النظام من التنكيل بها.

هذه العوامل، لا تتوافر في المدن التي يشعر أهلها أنهم خاضعون للسيطرة والمراقبة الكاملة من قبل أجهزة الأمن، وأنه لو حدث واعتقل عائل الأسرة فإن أسرته ستعيش محنة كبيرة للغاية، ولن تجد من يرعاها، وأن أجهزة النظام ستنكل بها دون أن تجد من يقف معها، لذلك فابن القرية أحيانا قد يكون أكثر جرأة من ابن المدينة.

وتابع بحديثه للجزيرة نت، أنه بات واضحا للمراقبين أن المخاوف من سقوط الدولة جراء الاحتجاج هي مجرد فزاعة مختلقة من قبل السلطة ضد من تريد إدانتهم واعتقالهم بموجبها، وكذلك لتخويف البسطاء.

وأكد أن بعض أهل القرى -خصوصا في الصعيد- مسلحون ولهم امتدادات قبلية وعائلية تحل بديلا عن الدولة حال انسحابها من خدمة المواطنين أو غيابها قهرا. أما أبناء المدينة، فهم وإن كان كثير منهم يدرك أن سقوط الدولة مجرد فزاعة وهمية، إلا أنهم يدركون أيضا مدى بطش السلطة وأجهزتها السرية، كما حدث في يناير حينما أطلق النظام القائم آنذاك البلطجية لينكلوا بالمصريين عقابا لهم على الخروج.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي