واشنطن ومعضلة سد النهضة.. بين الضغط على إثيوبيا والتطلع للاستثمار فيها

استؤنفت مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بعد شهرين من تعثرها مع استمرار النقاط الخلافية (الجزيرة)
سد النهضة سيحجز أمامه 74 مليار متر مكعب من مياه النيل (الجزيرة)

أعاد نشر مقال في موقع دورية فورين بوليسي، حول عزم واشنطن وقف بعض المساعدات التي تمنحها لإثيوبيا، توجيه الأنظار لموقف الولايات المتحدة من بناء سد النهضة الإثيوبي.

وعد مراقبون الخطوة الأميركية محاولة للضغط على إثيوبيا لمراجعة خططها لملء سد النهضة، متهمة إثيوبيا بأنها قد أساءت إلى جيرانها، وهو ما دأبت إثيوبيا على نفيه.

في الوقت ذاته، أشارت دراسة حديثة صادرة عن الهيئة البحثية بالكونغرس إلى تطلع الولايات المتحدة من خلال أذرعها التنموية لاستثمار مليارات الدولارات في إثيوبيا عقب الانتهاء من بناء السد.

 

دبلوماسية هجومية

قبل أسبوع أعاد السفير الإثيوبي لدى واشنطن فيتسوم أريجا إرسال تغريدة تتضمن صورة امرأة مزارعة إثيوبية تحمل كمية كبيرة من محصول زراعي ويبدو عليها التعب، وجاء في الغريدة "بالنسبة لأولئك الذين لا يفهمون موقف إثيوبيا فيما يتعلق بسد النهضة، هذه الصورة تتحدث أكثر من ألف كلمة. إن تصميمنا والتزامنا بإنهاء بناء السد نابع من هذا القرن الطويل من المعاناة لأمهاتنا. لن نتراجع. سننهي بناء السد".

ثم غرد السفير الإثيوبي يوم الأحد الماضي قائلا "لقد سمعنا أن الولايات المتحدة قررت عدم منح 130 مليون دولار لإثيوبيا! ومن المقرر أن نجتمع مع الجانب الأميركي يوم الاثنين لتفسير هذه الأنباء، لقد سمعنا أن المسألة تتعلق بالمفاوضات الجارية حول سد النهضة الإثيوبي الكبير".

وبعد لقائه مع الجانب الأميركي، غرد السفير الإثيوبي مساء الاثنين يقول "التقينا وفقا لموعدنا، وتلقينا التفسير من الجانب الأميركي: نفهم أن المسألة هي توقف مؤقت فقط، السد لنا! سننهي بناءه بجهودنا، وسوف تتألق إثيوبيا".

وعلى الجانب الأميركي، رفض مسؤول في الخارجية التأكيد على موضوع وقف المساعدات، واكتفى بالقول إنه ليس لديه "في الوقت الحالي أي إعلان بخصوص المساعدات الخارجية".

وأكد المسؤول في المقابل أنه ما يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق متوازن ومنصف حول سد النهضة، يراعي مصالح مصر وإثيوبيا والسودان.

وأضاف المسؤول أن "واشنطن ترغب في أن ترى التزاما من الجميع للقيام بذلك، وتعتقد أنه من خلال الحوار البناء والتعاون يمكن التوصل إلى حل".

وكانت مجلة فورين بوليسي قد أكدت موافقة وزير الخارجية مايك بومبيو على خطة لوقف مساعدات خارجية لإثيوبيا، في محاولة للضغط على أديس أبابا للتوصل إلى حل مع مصر والسودان في ملف سد النهضة، بحسب مسؤولين أميركيين وأعضاء في الكونغرس.

وقدرت المجلة حجم المساعدات التي ستوقفها واشنطن بما يقارب 130 مليون دولار، مشيرة إلى أن تلك المساعدات لا ترتبط ببرامج تنمية اقتصادية أو إنشاءات، ولا تستخدم في بناء السد؛ بل تتعلق بمجالات التعاون الأمني.

وأثار بعض المسؤولين الأميركيين شكوكا حول ما إذا كانت تخفيضات المساعدات يمكن أن تغير الموقف التفاوضي للبلاد، بالنظر إلى الأهمية السياسية والثقافية للسد.

Egypt, Sudan and Ethiopia representatives meet for Hidase Dam
جانب من المفاوضات المتعثرة بين الدول الثلاث (الفرنسية)

استثمارات بالمليارات
صدرت قبل أيام عن خدمة أبحاث الكونغرس، وهو الجهة البحثية التي تمد أعضاء مجلس الكونغرس بالدراسات والأبحاث في القضايا المختلفة، دراسة تشير إلى أن الاستقرار والتنمية في إثيوبيا كان أحد أولويات السياسة الأميركية في أفريقيا نظرا لحجمها، ولانعدام الأمن الغذائي، وكونها في منطقة متقلبة ولكن استراتيجية.

وأشارت الدراسة إلى أن الكونغرس يدعم تعميق علاقات واشنطن وأديس أبابا نظرا لتزايد النفوذ الصيني في شرق القارة الأفريقية.

وعن سد النهضة، أشارت الدراسة إلى أنه أصبح أحد نقاط الاحتكاك، إلا انه مع ذلك يثير تساؤلات حول آفاق متوقعة من برنامج تحدي الألفية وبرنامج المؤسسة الدولية لتمويل التنمية اللذين يخططان لاستثمارات تنموية بمليارات الدولارات في إثيوبيا.

يُذكر أن مصر والسودان طالبتا إثيوبيا بعدم البدء في ملء السد حتى يُتوصل إلى اتفاق ملزم قانونا يتناول كيفية إدارة تدفقات المياه أثناء فترات الجفاف أو مواسم الأمطار الجافة؛ لكن في يوليو/تموز وبعد موسم أمطار غير معتاد، أعلنت إثيوبيا أنها أنهت المرحلة الأولى لملء السد، مما أثار غضب القاهرة والخرطوم.

وكانت واشنطن قد رعت عدة جولات تفاوض بناء على طلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي تجمعه علاقات طيبة بنظيره الأميركي.

وانتهت مفاوضات واشنطن منتصف فبراير/شباط الماضي حين أشار بيان لوزارة الخزانة الأميركية إلى أن وزراء الدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، عبروا عن التزامهم بالتوصل إلى اتفاق تعاون شامل بشأن ملء خزان سد النهضة وتشغيله.

وجاء البيان عقب محادثات استغرقت 3 أيام بواشنطن دعمها والتقى أطرافها الرئيس دونالد ترامب مرتين، كما شارك في رعاية المفاوضات البنك الدولي.

وفي حديث سابق مع الجزيرة نت، اعتبر البروفيسور روبرت لوفتيس من جامعة بوسطن أن واشنطن "تؤمن بقدرتها على تأدية دور الوساطة؛ بسبب علاقتها القوية بمصر وبإثيوبيا، كما أن واشنطن هي أكبر المساهمين في ميزانية البنك الدولي، وهي كذلك من أكبر مقدمي المساعدات للقاهرة ولأديس أبابا، وكل ذلك يمنحها نفوذا كبيرا على الطرفين".

المصدر : الجزيرة