بعد النفي الإسرائيلي للرواية الإماراتية بشأن الضم.. كوشنر يعتبره ممكنا ومحللون يشرحون أسباب تأجيله مسبقا

الوقد الأميركي الإسرائيلي بقيادة كوشنر أثناء لقائه أنور قرقاش في أبو ظبي (الصحافة الإسرائيلية)

أثارت تصريحات جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية لا يزال ممكنا، تساؤلات بشأن الموقف الأميركي والإسرائيلي من مشروع الضم بعد زعم الإمارات أنها حصلت على ضمانات بتجميده مقابل التطبيع مع إسرائيل.

ويرى مراقبون أن تصريحات كوشنر كشفت عمق التنسيق بين تل أبيب وواشنطن، وكواليس مشاورات البيت الأبيض الذي حسم الموقف باشتراط الضم الفوري بتوافق إسرائيلي، وهو ما لم يتحقق بسبب تباين المواقف داخل حكومة بنيامين نتنياهو.

وكشف نفي نتنياهو الفوري للتصريحات الإماراتية بأن تأجيل الضم ليس له أي علاقة بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، مثلما روّجت أبو ظبي التي زعمت أنها حصلت على ضمانات من تل أبيب وواشنطن على تأجيل الضم مقابل التطبيع.

لم يكن نفي نتنياهو وحده الذي فنّد الرواية الإماراتية، حيث عززته تصريحات وزير المالية الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي أكد أنه لم يتم إلغاء الضم وأجّل بقرار اتخذ في مايو/أيار الماضي، لكنه ما زال مدرجا على طاولة الحكومة.

وتجمع التقديرات الإسرائيلية على أن تأجيل الضم اتخذ عقب زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لتل أبيب في مايو/أيار الماضي، حيث التقى نتنياهو ووزير الأمن بيني غانتس، ووجد عمق الخلافات وعدم التوافق الإسرائيلي بشأن الضم، وعليه تقرّر تعليقه مؤقتا.

ويجمع محللون إسرائيليون على أن القرار الإسرائيلي يحتكم لتوجهات وتطلعات الرئيس الأميركي دونالد ترامب مثلما عبر عنها في خطة السلام الأميركية في الشرق الأوسط، والمعروفة باسم "صفقة القرن" والهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، وهي الخطة التي لم تحظ بالإقبال بسبب الإجماع الفلسطيني الرافض للخطة، والمواقف الأوروبية والدولية والإقليمية المناهضة لتسوية أحادية الجانب.

ومع نفاد الوقت واقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجرى في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، عاد كوشنر إلى الشرق الأوسط بحثا عن طوق نجاة لترامب الذي تأزمت حظوظ فوزه بولاية ثانية في ظل أزمة كورونا بأميركا وتعثر صفقة القرن، وكان الإعلان عن كشف المستور بتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات محاولة لتعزيز فرص حسم انتخابات الرئاسة.

نتنياهو تحفّظ على صفقة طائرات "إف-35" الأميركية للإمارات (الصحافة الإسرائيلية)

الضم والطائرات
وعلى الرغم من الموقف الإسرائيلي الرسمي المؤكد بعدم وجود علاقة بين تأجيل الضم واتفاقية تطبيع العلاقات مع أبو ظبي، فإن جمال المشرخ مدير إدارة تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الإماراتية قال خلال إحاطة لمندوبي وسائل إعلام إسرائيلية موجودين في أبو ظبي "تلقينا ضمانات من الولايات المتحدة وإسرائيل لتأجيل الضم".

وفي إشارة لعدم تقديم تل أبيب وواشنطن أي ضمانات إلى أبو ظبي بإلغاء الضم كشرط للإعلان عن التطبيع الإسرائيلي الإماراتي برعاية أميركية، صرح المسؤول بالخارجية الإماراتية بأنه "إذا حدث الضم ونفذ فلن تنهار عملية التطبيع، لكن من شروط التطبيع وقف الضم. لكن لا يمكننا التكهن بما ستفعله إسرائيل في المستقبل".

أما فيما يتعلق بصفقة الطائرات الأميركية "إف-35" وبيعها للإمارات والتحفظات الإسرائيلية، نقلت صحيفة هآرتس عن المشرخ أن "طلب الإمارات لطائرات إف-35 الأميركية مدرج في واشنطن منذ مدة طويلة، ولم يكن هذا هو الشرط أو المحرك لتطبيع العلاقات بين البلدين، حيث أظهرت الأيام القليلة الماضية أن الشراكة والتعاون بين إسرائيل والإمارات في مجالات متنوعة، وليس في مجال دون الآخر".

وأوضحت المراسلة السياسية للصحيفة نوعي لاندو أن تصريحات المسؤول بالخارجية الإماراتية لا تتناغم كثيرا مع تصريحات كوشنر بهذا الصدد، حيث قال إن "نتنياهو وترامب سيناقشان قريبا صفقة إف-35 للإمارات"، مؤكدة أن تطبيع العلاقات بين البلدين يقرب أبو ظبي من الحصول على الطائرات الأميركية.

وفي إشارة لتطلع واشنطن لمواصلة مسار صفقة طائرات "إف-35" الأميركية للإمارات دون إغضاب تل أبيب، صرح مستشار الرئيس الأميركي في إيجاز للوفد الإسرائيلي الأميركي المشترك إلى أبو ظبي بأنه "يمكن الحفاظ على التفوق العسكري والميزة النوعية لإسرائيل، وفي الوقت نفسه مواصلة تطوير التعاون الأمني".

مواقف وصمت
من جانبه، يعتقد موفد القناة 12 الإسرائيلية إلى الإمارات الصحفي إيهود حيمو بأن السجالات بشأن القضية الفلسطينية والمناقشات بشأن الضم والمرافقة لتطبيع العلاقات بين البلدين تبقى هامشية وليست ذات قيمة الحضور الإسرائيلي بالخليج.

وسرد تجربته ووجوده بالإمارات برفقة الوفد الأميركي الإسرائيلي المشترك قائلا "أعلام إسرائيل ترفرف عاليا، طيران إلعال في دولة عربية وبشكل علني، فقط عندما توجد هناك يمكنك أن تعي أهمية إخراج العلاقات السرية مع إسرائيل للعلن، هم بالإمارات لا يخجلون ولا يتكتمون على العلاقات مع إسرائيل".

واعتبر حيمو أن "خلف كل هذا الحديث تكمن نظرة عالمية كاملة لولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الذي يتحدى قيادة المحور السني ويسعى لتعزيز مكانة بلاده إقليميا ودوليا".

لكن، يقول حيمو، "يجب الانتباه أيضا للتصريحات الإماراتية الرسمية، بما في ذلك الصادرة من بن زايد، ففي كل منها تم ذكر الفلسطينيين والالتزام بدولة فلسطينية. يبقى السؤال هل الحديث يدور عن مواقف جدية أم مجرد ضريبة كلامية للإماراتيين؟".

مصادر إسرائيلية تشير  إلى أن قرار تأجيل الضم اتخذ بعد زيارة بومبيو لإسرائيل في مايو/أيار الماضي (الصحافة الإسرائيلية)

حساب ومسار
وخلافا لأجواء الفرح والابتهاج التي تحاول أن تروّج لها إسرائيل الرسمية ووسائل إعلامها، دعا محلل الشؤون العربية والشرق الأوسط الصحفي إيهود يعاري إلى عدم الإفراط في الفرح والتهليل لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات، قائلا "تطبيع العلاقات مع الدول العربية يجب أن يكون ببطء وبحذر".

ويعتقد يعاري أن بن زايد بقرار الإعلان رسميا عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يؤكد أن مختلف القضايا العربية والفلسطينية بالأخص لا تعنيه ويبحث عن استقلال والانسلاخ عن السعودية والتوجه ضمن تحالف إقليمي أميركي في المنطقة.

وأوضح المحلل الإسرائيلي أن ما يبحث عنه بن زايد هو أن يكون حاميا لمصالح الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط والخليج، أي نوعا من "إسرائيل العربية"، حيث من المفترض أن تكون طائرات "إف-35" رمزا لذلك.

ويرجح أن بن زايد معني بتوطيد العلاقات "وسلام دافئ" مع إسرائيل وتعاون واستثمارات في مختلف المجالات، ومع ذلك إذا أدرك أن الولايات المتحدة، خاصة إذا تم انتخاب جو بايدن رئيسا، لا تكافئه كما كان يأمل وأن إسرائيل لا تمهد الطريق للكونغرس الديمقراطي، فقد يعيد حساب المسار كما انسحب من الحرب في ليبيا والتحالف مع السعودية في الحرب على اليمن ومحاولة تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد بعد أن حشد لإسقاطه.

المصدر : الجزيرة