تونس.. عائلات بأكملها تستقل "قوارب الموت" طلبا للهجرة إلى أوروبا

A group of Tunisian migrants arrive on a rubber boat after being rescued by the Tunisian coast guard off the coast of Bizerte
خفر السواحل التونسي ينقذ تونسيين حالوا الهجرة بحرا في ساحل بنزت شمالي البلاد (رويترز)

باتت العديد من العائلات التونسية تخاطر بركوب البحر في محاولة للوصول إلى شواطئ أوروبا في ظل أزمات اقتصادية واجتماعية تمر بها تونس.

في منزلها بحي شعبي في مدينة صفاقس الساحلية (جنوبي تونس)، تجلس مبروكة وأطفالها أرضا في غرفة حيث يتقاسمون طعاما بالكاد يكفي لشخصين، وتقول "ليس لدينا حل، إما أن نموت جميعا وإما ننجح في الوصول" إلى أوروبا، بعد محاولتين فاشلتين لمغادرة البلاد بحرا.

وتضيف مبروكة (38 عاما) التي ترتدي ملابس باهتة في منزلها الذي تآكلت جدرانه ولا يتوفر فيه الماء ولا الكهرباء، أنها ستحاول مجددا الهجرة بحرا من أجل علاج ابنها.

وقد حاول زوجها رؤوف حويج مرتين في يوليو/تموز وأغسطس/آب الماضيين عبور البحر بطريقة غير قانونية مع كل أفراد العائلة بعد أن ضاقت به الحال ولم يعد يجني من جمع البلاستيك وقطع الخردة -الذي كان يقتات منه- ما يكفي من المال لعلاج ابنه البكر أحمد (22 عاما) المقعد منذ إصابته قبل 5 سنوات بنزيف حاد في الدماغ جراء حادث.

وتم توقيف رؤوف في محاولته الثانية، وبقيت مبروكة وحدها تواجه وضعا صعبا مع أطفالها الخمسة.

تقول المرأة وعيناها تدمعان "لم أقترف ذنبا، لم أسرق ولم أقم بجريمة، فقط سرقت البحر وحاولت"، وتضيف "يئست من الحياة وازداد وضعي تأزما، أريد ان أعالج ابني، لا أطلب شيا آخر".

Zakia, mother of Fakher Hmidi, carries his pictures as she reacts during an interview with Reuters in Thina district of Sfax
سيدة تونسية من محافظة صفاقس تحمل صورة ابنها الذي ركب البحر نحو أوروبا (رويترز)

لا مساعدة
وفي مقطع فيديو صورته العائلة بالهاتف خلال محاولة عبورها البحر في يوليو/تموز الماضي، يظهر الأب رؤوف وهو يصرخ في وجه قوات من خفر السواحل طوقته وأجبرته على العودة إلى الميناء "لا تلوموني على اصطحاب أبنائي، لم يلتفت لي أحد ولم يساعدني أحد".

وعلى ظهر المركب، جلست زوجته مبروكة وكل أفراد العائلة يحيطون بالابن المقعد الممدد وجهاز التنفس الاصطناعي مشدود لأنفه.

وتقول الوالدة وهي أمية إنها طلبت المساعدة من المسؤولين ولكن لم يستجب لها أحد، فقد أعطوها فقط 180 دينارا (55 يورو) ثمن الضمادات، وهي تشعر بخوف متواصل من أن يفارق أحمد الحياة في كل لحظة.

واتخذ رؤوف ومبروكة قرارهما إثر محاولات ناجحة لعائلات في منطقتهم تمكنت من الوصول إلى إيطاليا، وتقول مبروكة إن تلك العائلات "هي في وضع جيّد، وهناك من اتصل بنا وقال تعالوا لإيطاليا يمكن أن نعالج أطفالكم".

وتقول ابنتها آية (12 عاما) "لا أعرف البحر، وكنت خائفة"، وتشير إلى أن بيت العائلة يبعد حوالى 10 كيلومترات عن الشاطئ.

خيار عائلي
أما مريم شقيقة مبروكة، والتي توفي زوجها وابنها غرقا خلال محاولتهما عبور البحر، فقالت "أختي وزوجها على حق، ولو كنت مكانها لفعلت نفس الشيء".

وترسل مريم أطفالها لالتقاط الحلزون وطهيه للفطور عندما لا تجد هي وأختها المال لشراء الطعام، وتقول بنقمة ومرارة "مهما يكن، فإن العيش في إيطاليا يبقى دائما أفضل بكثير من تونس".

ويعتبر الباحث في علوم الاجتماع فؤاد غربالي أن هناك تحولا إلى هجرة عائلية، ويرى أن هذا معطى جديد ولافت.

ويقول غربالي إن الهجرة باتت خيارا عائليا، وهي محاولة لكسب تعاطف الجمعيات المناهضة لترحيل المهاجرين غير النظاميين من أوروبا.

ويضيف أن "الأطفال بالنسبة للعائلات التي تركب البحر هم حبل نجاة لعدم الترحيل من أوروبا"، ويشير إلى أن هناك حالة من الإحباط الجماعي سببها بدرجة أولى الوضع المعيشي.

كما أن سياسات الهجرة المتبعة من قبل الدول الأوروبية غير مرنة، حيث إن الحصول على التأشيرة ليس أمرا سهلا، وفقا للباحث التونسي.

مهاجرون بالآلاف
ومنذ مطلع العام وحتى منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، حاول 8020 شخصا الهجرة بصورة غير قانونية من تونس، وبين هؤلاء حوالى 250 قاصرا، وفق احصائيات وزارة الداخلية التونسية.

وأوضح المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهي منظمة غير حكومية متخصصة في ملف الهجرة غير القانونية، أن عدد الوافدين إلى السواحل الإيطالية منذ مطلع العام الحالي تخطى 22 ألفا، مسجلا رقما غير مسبوق منذ العام 2011، مع بدء تزايد أعداد القصّر بين المهاجرين.

ويقول المكلف بالإعلام في المنتدى رمضان بن عمر إن المنظمة تقدر بحوالي 8 آلاف عدد المهاجر غير القانونيين الذين وصلوا إلى السواحل الإيطالية خلال 8 أشهر الأولى من العام الحالي، وإن ما بين 90 و100 عائلة تونسية وصلت السواحل الإيطالية.

ويوضح بن عمر أن العائلة التونسية كانت في السابق "عنصرا مقاوما" لهجرة أبنائها، ولكنها أصبحت محبطة ومثقلة بالأعباء وبالوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، وأصبحت لا ترى مانعا في تمويل مشروع الهجرة لأبنائها، وبدأت تشارك في عملية الهجرة.

وتعيش تونس منذ ثورة 2011 انتقالا ديمقراطيا تعترضه العديد من الصعوبات، منها ملف البطالة التي تبلغ 30% في بعض المناطق المهمشة.

المصدر : الفرنسية