وصفه بالإنجاز التاريخي.. هل يشكل التطبيع طوق نجاة لنتنياهو بمواجهة لوائح الاتهام ضده؟

نتنياهو بمقر إقامته بواشنطن بمشاورات مع ترامب بشأن التطبيع
نتنياهو في مقر إقامته بواشنطن يجري اتصالا مع ترامب بشأن التطبيع (الجزيرة)

بينما يحتفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالتطبيع مع الإمارات والبحرين برعاية أميركية يتظاهر عشرات الآلاف من الإسرائيليين أسبوعيا للمطالبة باستقالته، وسط تراجع شعبيته وتصدع وضعه في معسكر اليمين الذي يقوده منذ 22 عاما.

ومع تصاعد واتساع وتيرة الاحتجاجات قبالة مقر إقامة رئيس الوزراء في القدس المحتلة والمطالبة برحيله بسبب فشلة في إدارة أزمة كورونا وفساده أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات.

ومع احتفاء نتنياهو بالتطبيع ووصفه بـ"الإنجاز التاريخي لإسرائيل" طالب المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت بالتعجيل في إجراءات محاكمة نتنياهو التي تبدأ في يناير/كانون الثاني المقبل بواقع 3 جلسات أسبوعيا، وهو الإجراء الذي أعقبه إعلان ترامب عن تطبيع العلاقات بين إسرائيل والبحرين.

وتزامن إعلان تطبيع العلاقات بين تل أبيب والمنامة مع دعوة المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية نتنياهو إلى التنحي لتعذره عن أداء مهام منصبه، في ظل تضارب المصالح واستخدام نتنياهو منصبه لمصلحته الشخصية.

ويواصل المستشار الإسرائيلي المشاورات مع سلطات إنفاذ القانون والجهات القضائية بشأن مسألة تعذر أداء نتنياهو مهام منصبه، والإجراءات التي سيتم اتخاذها مستقبلا "في حال واصل رئيس الوزراء محاولات للالتفاف على الجهاز القضائي وتقويض صلاحياته".

ومع إمعان نتنياهو في تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين وأنظمة عربية طالما كان يصفها بـ"الدكتاتورية" يسعى لتشريع قانون للالتفاف على قرارات المحكمة العليا، وأيضا يدفع نحو تشكيل لجنة تحقيق تبحث أداء النيابة العامة الإسرائيلية وأجهزة التحقيق، وذلك سعيا منه لتأجيل مرحلة الإثبات في محاكمته بقضايا فساد.

وفي مؤشر على عدم اهتمام أفراد المجتمع الإسرائيلي بالتطبيع ومراسيم التوقيع الاحتفالية بواشنطن وتركيز جل اهتمامهم على تسديد الفواتير وجدولة الديون وتفاقم الأزمة الاقتصادية تتواصل الاحتجاجات المطالبة بتنحي نتنياهو والتي بلغت ذروتها عندما أغلق متظاهرون مدخل مطار بن غوريون في اللد أمامه عندما كان في طريقه للسفر إلى واشنطن، للتوقيع على اتفاقيتي التطبيع مع الإمارات والبحرين.

نتنياهو وعقيلته ساره على متن الطائرة لواشنطن
نتنياهو وعقيلته سارة في طريقهما للطائرة التي أقلتهما إلى واشنطن (الجزيرة)

اعتماد وتطبيع
وتحت عنوان "في ظل سياسة داخلية فاشلة.. الاحتفال في البيت الأبيض بأحد أعظم إنجازات نتنياهو" كتب ألوف بن رئيس تحرير صحيفة هآرتس مقالا انتقد من خلاله تعامل نتنياهو مع الأزمات الداخلية وتوظيف التطبيع للتغطية على عجزة في إدارة أزمة كورونا ومحاكمته بتهم فساد.

وأوضح بن أن نتنياهو قد يبالغ في حجم الإنجاز التاريخي بالتوصل إلى اتفاقيات التطبيع حتى لو كانت أسبابه مفهومة كون نتنياهو يتمادى في المبالغة ويتقن فنون العلاقات العامة التي هي من طبعه، ولأن الخطوة كشفت بشكل أساسي مدى تعلق واعتماد إسرائيل الكامل على الولايات المتحدة.

ولفت إلى أن خطة تطبيع العلاقات لم تولد بسبب قناعات سياسية بعيدة النظر في مكتب رئيس الوزراء بالقدس، ولكن بسبب رغبة الإدارة الحالية في واشنطن ببيع طائرات مقاتلة للإمارات والتمتع ببعض الهيبة السياسية قبل الانتخابات الرئاسية.

ويجزم بن أن حدث اليوم ما هو إلا احتفال بترامب الذي سيفوز باتفاق بين إسرائيل والدول العربية، وهو ما فشل سلفه باراك أوباما في تحقيقه.

وأشار إلى أن الخطوة يمكن أن تعد إنجازا "في حال تم إخراج الإسرائيليين من الإغلاق والحجر الصحي الذي سببته سياسة نتنياهو الداخلية الفاشلة، وعندها يمكنهم الغوص في مياه الخليج والتمتع بثمار سياسة نتنياهو الخارجية".

فزاعات وإخفاقات
من جانبه، يعتقد أرييل ليفيتا ضابط احتياط في الجيش وعضو سابق في لجنة الطاقة الإسرائيلية أن فشل نتنياهو في معالجة الملف النووي الإيراني دفعه للإعلان عن تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، لافتا إلى أن الكشف عن كواليس علاقات تل أبيب مع هذه الدول أتى في هذه المرحلة للتغطية على الفشل وتصدير الأزمات الداخلية التي يواجهها نتنياهو والاحتجاجات ضد فساده وفشل حكومته في إدارة أزمة كورونا.

وأوضح ليفيتا -وهو باحث في مؤسسة "كارنيغي" للسلام الدولي، ومقرها في واشنطن- أن هتافات الاحتفاء بالتطبيع مع الإمارات والبحرين يجب ألا تعمي بصيرة المجتمع الإسرائيلي عن الإخفاقات الكبيرة "للملك بيبي"، وفشله في معالجة مشروع إيران النووي.

ويرى أن فشل نتنياهو في إدارة ملف النووي الإيراني وارتهانه لترامب تسببا لإسرائيل في صراع ليس فقط مع روسيا والصين، ولكن أيضا مع الدول الأوروبية التي كانت منتبهة لرغبة تل أبيب في تشديد القيود والعقوبات على إيران.

فساد ووباء
وتعليقا على محاكمة نتنياهو ومطالبة مندلبليت له بالتنحي عن منصبه، كتب المستشار الإستراتيجي ممي بئير مقالا في الموقع الإلكتروني "واللا" دعا من خلاله رئيس الوزراء لإبرام صفقة مع النيابة العامة، قائلا "في ظل جائحة كورونا والإغلاق والأزمة الاقتصادية و800 ألف عاطل عن العمل وناقوس الخطر حيال إمكانية انهيار الاقتصاد الإسرائيلي، الأجدر استبدال القائد وعدم اعتماد سياسة التخبط".

وفي مؤشر على تراجع شعبية نتنياهو وتقويض شرعيته في ظل استمرار الاحتجاجات، يعتقد بئير أن إصرار نتنياهو على الاستمرار في منصبه يضر به وبعائلته، ويمس بمواطني الدولة، ويعرض استقرار الاقتصاد الإسرائيلي للخطر.

وطالب الكاتب الإسرائيلي نتنياهو بأن يكون صادقا وعادلا مع نفسه ومع المجتمع الإسرائيلي، لافتا إلى أن رئيس الوزراء الذي يحاكم بتهم الفساد لن يكون صافي الذهن لإدارة شؤون البلاد والتعامل مع التحديات.

استخفاف ورهان
وأوضح المستشار الإستراتيجي أنه أدلى بصوته في انتخابات الكنيست -التي أجريت في مارس/آذار الماضي- لنتنياهو، وكان يدافع عنه في كل المحافل والمنصات الإعلامية، لكنه يعتقد أن نتنياهو يذهب بالدولة إلى أماكن بعيدة وسيناريوهات خطيرة من أجل مصلحته الشخصية، قائلا "لا أعرف من دفع نتنياهو لترديد الشعار السخيف السلام من أجل السلام"، في إشارة إلى التطبيع مع الإمارات والبحرين.

وواصل الكاتب الإسرائيلي توجيه انتقادات شديدة اللهجة لنتنياهو بسبب مواصلته التباهي والاحتفاء بتطبيع العلاقات مع دول خليجية وتصويره كإنجاز تاريخي، قائلا "مقارنة ببيغن ورابين وشارون الذين صنعوا السلام مقابل التنازل عن الأراضي، أنت تصنع السلام مقابل السلام، ألا تعتقد أنه استخفاف بعقل وذكاء المواطنين؟".

وتساءل المستشار الإستراتيجي عن معنى ودلالات التطبيع تحت شعار "السلام مقابل السلام" مثلما يروج نتنياهو، ما هي الأراضي المطلوبة لقادة الإمارات والبحرين وأنت لم تتخل عنها رغم ذلك؟ وهل يعتبر مناحيم بيغن يساريا في عينيك؟ هل نسيت أنك صوتت لصالح خطة فك الارتباط التي بادر لها شارون؟ مضيفا أن "نهج نتنياهو هذا عليه أن يثير قلق موطني إسرائيل".

وخلص الكاتب الإسرائيلي للقول "أنت يا نتنياهو تراهن على مستقبلك وحياتنا وخطر كورونا والمستقبل الاقتصادي والوجودي لمواطني إسرائيل ومئات الآلاف من العاطلين عن العمل وأصحاب المصالح التجارية ورجال الأعمال الذين انهاروا وأصحاب قروض العقارات الذين لن يتمكنوا من السداد والمستأجرين الذين سيتم طردهم من منازلهم، تصرف وفقا لعقلك وليس وفقا للعاطفة، فهذا الرهان قد يقوي المخاطرة والخطر على السلام الداخلي بإسرائيل".

المصدر : الجزيرة